قصة

نڤتالين….

The Post War Dreams 2020 Adnan Meatek 32 x 41 cm

أخبرني صديقي العائد من الحرب مبتور الذراعين والروح، بعد أن كنت في زيارة له، وبعد أن طلب مني مساعدته في إشعال سيجارة ووضعها في فمه، واستغربت إنه يرتدي قميص ذو أكمام طويلة فارغة يبدو كفزاعة وكان قد أخبرني انه أصبح له ذراعان بعد عودته من الخارج..

سألته عن حاله وقد رأى الاستفهام على وجهي..

أشار اليّ أن أخذ السيجارة من فمه وقد غطت وجهه بدخان كثيف حجبت ملامحه، وبعد أن وضعتها في منفضة على طاولة بيننا قال لي مازحاً:

– لعلك تتساءل أين ذراعاي البلاستيكية ذات البراغي المتشبثة بجسدي؟!!

تململت في جلستي ولزمت الصمت.. استمر في حديثه وهو ينظر في بقايا سيجارته معقوفه في المنفضة، بينما يتصاعد منها خيط رفيع من الدخان، وقال:

– كم أنا ممتن لهم لقد أخذونا لإعادة تأهلينا نحن فاقوا الأطراف، ومنحونا وسام الشجاعة، وأهدوا لنا أطرافاً جديدة جامدة عندما أنزعها لأنام أضع لها النڤتالين وأنفجر ضاحكاً!!

ثم أكمل حديثه وقد امتلأت عيناه بالدموع:

– لقد علمتني زوجتي كيف أولج إصبعي الذي لا ينثني في أذن فنجان القهوة، وتعلمت كيف أرفعه الى فمي وأرتشف قهوتي دون أن اسكبها على ملابسي، علمتني كيف اقلب صفحات الكتاب، وأستخدم الريموت، وأكتب على اللابتوب، تحسست كل الأشياء لم أعرف ملمسها اهي ناعمة أم خشنه، دافئة أم باردة، لقد مرت شهور وأنا أتعلم من جديد، بدأت آلفها وأتأقلم معها.

ترددت في سؤاله ثم قلت:

– وأين هي الآن؟ لماذا لا تلبسها؟

أطرق رأسه وصمت ثم قال لي:

منذ يومين أتت ابنتي فرحه تزف لي خبر نجاحها فتحت لها ذراعيّ لأحضنها!

ابتعدت وقالت لي:

لا داعي يا أبي؟!! ذراعاك قاسية جداًفي كل مرة تعانقني فيها أتألم.

مقالات ذات علاقة

زيارة خاطفة

ناجي الشكري

من القرية الى المدينة (4)

المشرف العام

نافذة جدتي ..

خيرية فتحي عبدالجليل

اترك تعليق