قصة

من القرية الى المدينة (4)

من شوارع مدينة طرابلس القديمة
من شوارع مدينة طرابلس القديمة (الصورة من اختيار الكاتب)

وصلت الحافلة إلى منطقة أبوقرين للتزود بالوقود. وفي الصباح الباكر وصلت الحافة إلى طرابلس، غادرها الجميع، وكان في استقبال البعض أهل فزان المتواجدون هناك من أجل معرفة أخبار فزان وأهلهم، ومساعدة من يصل إلى طرابلس من فزان.

اقترب من صالح أحد المستقبلين متسائلاً: من أين أنت يا ابني؟ من أي منطقة.

أجابه صالح: من قرية، وطلب منه أن يوصله إلى معسكر الملك إدريس السنوسي، حيث يوجد عم صالح العسكري هناك، وانطلقا معاً سيراً على الأقدام. وصل صالح المعسكر، وسئل عن عمه فأخبروه أنه سوف يخرج في نهاية الدوام، وانتظر الرجل وصالح أمام البوابة حتى خروج العم.

وصاح صالح: عمي.. عمي.

وكانت فرحه كبيرة، وأخد العم صالح بيد ابن أخيه، وشكر ذلك الرجل على معروفه في إيصاله أخيه إلى المعسكر. وذهب صالح إلى بيت عمه في أحد أحياء طرابلس، وكان عبارة عن غرفتين وحمام ومطبخ، يقيم عمه في غرفة هو وأسرته، وفي الغرفة الأخرى رجل آخر، والمطبخ مشترك، وكذلك دورة المياه.

قبل أن يغادر صالح المحطة، كان قد اتفق مع رفاقه، أن يكون موعد لقائهم صباح اليوم التالي في محطة الحافلات، حتى ينطلقوا للبحث عن العمل …

حسب الموعد الذي المتفق عليه بعد وصولهم مدينة طرابلس، انطلقوا في أول يوم لهم، في رحلة البحث عن العمل في شوارع طرابلس التي أبهرت أعينهم، مدينة طرابلس المباني والبيوت الجميلة والعمارات ومزهريات الزهور قرب النوافذ، وحركة السيارات والمقاهي وإنارة الشوارع والأضواء، وكيف المرأة تدفع عربة بها طفل رضيع، ومارة منهم مبتسم، ومنهم من هو  حزين، منهم من يرتدي ملابس جميلة وتفوح منه رائحة العطر، وآخرون بملابس بسيطة تفوح منهم رائحة العرق، من تعب العمل والسير على الأقدام  بين تلك الشوارع، وشاهدوا أطفال المدراس من جيلهم يرتدون ملابس مدرسة أنيقة وحقائب كتب، ومن يحمله والده في سيارة وآخرون تنقلهم حافلات، وتذكروا حالهم في القرية.

تذكر أشجار النخيل والمزارع، تذكر تلك البيوت الطينية والأزقة وطيبة الناس في القرية وبساطة العيش فيها. وأصبح صالح يتأمل في تلك الوجوه، والتي لا تختلف عن الوجوه في قريته من تجاعيد الزمن وقسوة الحياة، وكان بسببها قد ترك الدراسة، وأصبح مثلهم في معترك الحياة مثلهم، رغم صغر سنة.

مقالات ذات علاقة

ذكرى وذكرى

عبدالرحمن امنيصير

الحب يموت مرتين

المشرف العام

بيضة الحظ

عائشة إبراهيم

اترك تعليق