هل كان على أمي أن تتبرم وتتبدل في المساء، لاعنة ابنتها من منبت العروق، مع أنها في الصباح تتضرع وتبتهل لله لمجيئها، بعيد غياب طال مداه، أو هكذا وصفته في لوعة واشتياق.
كان البيت هادئاً، اللهم إلا قطة تموء بين الفينة والأخرى، تشاغب الأشياء.. وتتلهى بفئران وهمية لا وجود لها.
حين استجاب الله للدعاء، وتوقف ثلاث سيارات للأجرة قبالة بيتنا، أمضت أختي جهداً مضنياً في تصفيف الاكتظاظ وترتيب تراصف الكتيبة المقتحمة.. انفرج باب الصالة، فتدافعوا بشساعتها جرياً وقفزاً هنا وهناك.
القطة المسكينة أفزعها الموقف، في البداية وقفت مأخوذة بهول المفاجأة، ثم قفزت باتجاه تخيرته، لكنها سرعان ما ارتدت عنه.. في وجهتها الثانية، قابلتها الأرجل برفس متلاحق، ولت للوسط، كشرت عن أنيابها، دارت دورات عديدة، ثم قفزت عالياً ضاربة الهواء ببهلوانية ظاهرة، ارتدت الجموع الصغيرة للوراء صدها الحائط.. في المطبخ، الشظايا تختلط بالشظايا. في حجرة أمي التي تحرص على أن لا تتدخل في توظيبها..، صارت الأشياء، متباعدة إلى حد لا يصدق، قالت أختي وهي تلملم أطراف جلباب العودة:
– معليش زيارة خاطفة.
هتفت أمي وهي تكاد تميز من الغليظ:
– بل غارة خاطفة.
ثم لزمت الصمت، لكنها لم تطق صبراً، فزمجزت بغضبة محتبسة:
– يا أولاد الكلب..
رددت الشظايا رجع الصدى، فتضاعف الوجع في قلبها الذي لم يعرف الدعة والسكون..