عبدالرحمن امنيصير
دونَ أَن أنتبهَ، لم يُسمحْ لِيَ بأَنْ أكبُرَ عَلَىٰ مهلٍ..
فالحياةُ قد حطَّمَتني عدَّةَ مراتٍ، رأيتُ أموراً لم أكنْ أريدُ رُؤْيتَها، عشتُ الحزنَ، الفشلَ، و لكنَّ الشيءَ المُؤكدَ دائماً أنني كنتُ أنهضُ، كُنتُ بمفردِي طوالَ الوقتِ أُُهزمُ و أتعثرُّ و أتألُّم دونَ أن ينتبهَ أحدٌ لذلكَ و كانَت هذهِ الوحدةُ حتَّىٰ رُغمَ وِحشتهَا، هي مصدرُ كلِّ هذه القوةِ.
هيَ الدُنيا نُقاسيهَا فتقسُو و إن هوّنتهَا بالحُبِّ هانَتْ و الوردةُ تحتمي بالشوكِ فإن كَثُرَ القطَّافُ لم تغنِ الإبرُ.
فَلا تكره أيَّامكَ..
فالحلوةُ مِنهَا أَعطَتْكَ سعادَةً..
و الحزينةُ مِنْهَا أَعطتْكَ خِبْرَةً..
أَمَّا القاسيةُ مِنْهَا فَقَد أَعطتْكَ دُروساً..
ضُمَّ قلبكَ..واقرأ عليه:”بَسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ”.. و أخبرهُ:”أَنَّ اللَّٰهَ كَافٍ عَبْدَهُ”..فإن تُهتَ :”فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا”..وإن أنَّ نبضُك فأعِد الكرَّةَ “..
و حَتَّىٰ تنجحَ، لا تعشْ حياتَكَ و أنتَ ترسمُ حدوداً لكَ
عِش حياتَكَ و أنتَ تَتخطَّىٰ كُلَّ الحدودِ..!
ثُمَّ رُغمَ صقيعِ الشِّتاءِ قرَّرتُ أن أرَىٰ الدِّفءَ فِي مواطنِ سَيري، أن أَلتمسَ شُعاعَ النُّورِ المُتسرِّبِ في لُجِّ العتمةِ، أنْ لا أَغرقَ فِي اليَأسِ أبداً مهمَا طالَت بيُ السُّبُلُ، قرَّرتُ أنْ أَحْيَا، و ابْتعادي عَنْ البَشَر ِقَد لايَكُونُ كُرهاً أوَ تَغيُراً وَ لَكِنَّ العُزلَةَ وَطَـــنٌ لِلأرواحِ المُتعبَةِ، و لنْ أَكونَ قمراً رائعاً
لَوْ لَمْ يُحَاصرْني كلُّ هذَا الظَّلامِ، وَ قَدْ ضاقَ صدْري حينَ رأيتُ مَن أُحبُّ أصبحُوا غرباءَ لي وَ أصْدِقَاءَ لغيرِي حينَهَا انكسرَ شيءٌ بداخلِي و قالَ إرحلْ..!! فوجودُكَ كَعدمهِ، وَ لَا شيءَ يُشبهُ الحنينَ سِوَىٰ طائرٌ ينظرُ إلَىٰ السَّماءِ بحسرةٍ و قد كُسِرَ جَناحهُ.
تتشابهُ بطاقاتُ الأصدقاءِ، أمطارُ الشِّتاءِ، المقاهِي، المتاجِرُ، وجوهُ الناسِ في الزحامِ، وحدي أنا الغريبُ لا أشبهُ أحداً..!!
ثُمَّ إنَّ الأماكِنَ تشيخُ عِندمَا تفقِدُ أصحابهَا، و الأيامُ أصبحَتْ تتشابهُ بشكلٍ مُملٍ.. و القَلْبُ مهجورٌ كبئرٍ جفّ فيها الماءُ، كرمشٍ سقطَ في عينِ شخصٍ مبتورِ اليدينِ و قَد مرَّ وقـتٌ طـويلٌ علىٰ ذلـكَ، لَـكننِي لـمْ أُشْـفَىٰ بـعدُ و لا خيرَ في ودِّ امرىءٍ متلوّنٍ إذَا الريحُ مالَت مالَ حيثُ تميلُ.
و إنّنِي لأَرَىٰ في عَيْنيْكَ رصيفَ وداعٍ مُبلَّلٍ، فإن كُنتَ لَا تستطيعُ أَن تُساعدَ غريقاً فلِماذا تتظاهرُ بأنكَ تمدُّ إليهِ يدَ العونِ!
أمَّا أنَا ما زلتُ في بحرِ الشتاتِ مسافراً و إلَىٰ الشِّتاتِ تسيرُ كلُّ جِهاتي، و سَأَسْكبُ رِهانَ الحياةِ يوماً ما.. إن كانَ جِهادِي علَىٰ أحلامِيَ عبثاً، فالتفاؤلُ وقتَ الفشلِ ذكاءٌ،
و الثقةُ في النَّفسِ وقتَ اليأسِ قوةٌّ، و الإصرارُ برغمِ المُعوِّقاتِ نجاحٌ في حدِّ ذاتهِ.
ثُمَّ نظرتُ بوجهِي الكئيبِ إلىٰ السَّماءِ الزرقاءِ لأدركَ بأنَّي ظنَنْتُ نفسِي علىٰ هامشِ الحياةِ بينما أنَا شمسٌ تُشرِقُ بِقلبِ أحدهِم و لأجلِي يَبْتسمُ.
أخيراً، أتفهمونَ أَسَى نجمةٍ لا يُمكنهَا العودةُ للسَّماءِ؟