سرد

رواية الحـرز (9)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

صورة لأحد مباني مدينة غدامس.
صورة لأحد مباني مدينة غدامس.

9

عادت الى البيت بعد أن سارت في مسارات مختلفة امعانا في تضليل من قد يتتبعها.. استبدلت رداء الباصمة([1]) مرتين في مكانين مختلفين من عرشين مختلفين.. وصلت إلى بيتها أخيراً.. نزلت إلى السطح بعد ان تأكدت أن لا أحد في الجوار.. لاحظت أن باب مطبخها موارب.. كانت متأكدة من أنها احكمت اعلاقه قبل مغادرتها.. أحست بحركة ما في قادمة من داخل المطبخ.. تذكرت الرضيع.. أسرعت نحوه.. دفعت الباب.. وجدته يقف في وسط المطبخ.. منتصب القامة.. موليا لها ظهره.. لم يكن وقوفه ذلك غريبا.. فقد اعتادته منه مؤخراً.. ووطنت نفسها على خصوصية رضيعها.. التفت بعد ان شعر بوصولها.

 كان تنورها مفتوحا أيضا.. لم يكن وحده.. رأت خلفه ثعباناً اسوداً ينصب هامته.. كانت كمن يهمس في اذنيه شيئا.. التفتت براسها نحوها.. اصدرت فحيحا مرعبا كريها.. فتحت فاها لمع نابان من انيابها.. الغريب ان لسانها لم يكن مشقوقا كما باقي الحيات.. صرخت فزعا.. انساب الثعبان ليتوارى في التنور.. تمالكت نفسها.. استجمعت شتات شجاعتها.. تقدمت في حذر نحو الرضيع خشية مهاجمة الثعبان الاسود.. غطت فوهة التنور.. انتزعت أحدى احجار موقدها لتحكم اغلاقه.. شعرت بشيء من الارتياح.

احتضنت الرضيع بقوة.. احتضنته كأم تخشى على ولدها من خطر داهم.. خرجت إلى السطح.. اغلقت خلفها المطبخ خشية خروج الثعبان.. بعد كل هذه الأيام نمت بينهما ألفة.. تتزايد كل يوم.. مع كل قطرة حليب يرضعها من ثديها.. باتت تشعر أنه ولدها الضائع.. كانت دموعها تسح سحا من عينيها.. اختلطت دموع الفرح بنجاتها بدموع الخوف على الرضيع ودموع الشوق لرضيعها الضائع.. جرت معا على خدها لتغرق وجه الرضيع.

غمغم بكلمة جديدة.

هذه المرة فهمت غمغمته.. كانت بلغة تفهمها جيدا.. انها اللغة الوحيدة التي تتقنها وتتكلمها منذ وعت.. هذه المرة بلسان أهل الواحة.

  • ول كسظ([2])
  • هل فعلا قالها؟

 إنها متأكدة من إنها سمعته يتلفظ بها.. لا تخشي.. هذا ما سمعته منه هذه المرة بلغتها ولسانها.. ” ول كسظ ” واضحة لا لبس فيها.. هل هي رسالة منه أم من قومه؟

تذكرت الثعبان الأسود.. سمعت أن أمة الخفاء تهوى الظهور على هذه الهيئة المخيفة في البيوت.. أما في الأزقة فعليك أن تحذر من أي هر أ.. بل عليك أن تنقث ثلاثا وتتعوذ كثيرا من شرور الشياطين فهذه الهيئة المفضلة لهم للظهور والتسكع.. أما الكلب الأسود فلن يصادفك الا في الخلاء أو الصحاري والوديان.. ما عليك الا أن تتجنبه قدر المستطاع.
هل يعني الحية بقوله؟

 إن لم تكن تخشى عليه من الحية فعليها أن تخشى منها على نفسها..

صار أمر الرضيع مريباً ومخيفاً أكثر من ذي قبل..

كما أن زيارة الكهل الغامض باتت ضرورية.



[1] – الباصمة: ثوب تلفه المرأة على نفسها يغطيها بالكامل من رأسها حتى قدميها… تكتفي بفتحة لعين واحدة لترى من خلالها الطريق.. لا تخرج المرأة من بيتها إلا بارتداء الباصمة.

[2] – لا تخافي. لسان غدامس القديم.

مقالات ذات علاقة

رواية الحـرز (43)

أبو إسحاق الغدامسي

حكاية بدوية

عائشة الأصفر

مـجــدداً

مفتاح العلواني

اترك تعليق