أقيمت بدار الفنون الثلاثاء، ندوة نقدية رصدت ملامح الإبداع الأنثوي عبر مسيرة الفن التشكيلي بليبيا، من خلال ورقات قدمها كل من الكتاب عدنان معيتيق، ومنصور بوشناف، وحواء القمودي، وسميرة البوزيدي، وتأتي ضمن احتفائية الدار بالذكرى 27 لتأسيسها .
وتناولت الشاعرة حواء القمودي في مشاركتها بعنوان «الفن يقلق والحقيقة تعيد الاطمئنان» فضاءات النص الأنثوي في شكل محطات تتبعت خلالها أهم الأسس الجمالية والفنية لأعمال الفنانات بمعرض «نوافذ»، وهي تستعين في قراءتها هذه بقصيدة النثر الممزوجة بروح الرسم والسينما والمسرح لتتواصل في النهاية مع خطوط وألوان الفن التشكيلي.
لذلك تعتبر الشاعرة نصها النقدي محاولة منها لقراءة الأعمال بموازاة القصيدة، ومن ذلك تصف لوحات الفنانة نجلاء الشفتري في كونها منقوشة على كفين استنادا إلى اسم لوحتيها «كفى» وكأنها تذود عن كنوزها المرسومة بألوان ضاجة بالبهجة.
وبتطرقها لأعمال الفنانة مريم الصيد في لوحتي «عناق» و«هجرة هواء» تومئ القمودي إلى تنوع إيقاعها التشكيلي من السوريالية الى التكعيبية، إضافة إلى أن الفنانة تنحو إلى الإيحاء بهواجسها من خلال تموجات الاجساد التي تشي بأنوثتها لكنها لاتأتي باتجاهنا، فهي منشغلة برؤية أخرى، ما يعكس انطباعا لدينا أن ثمة هروبا أوعناقا أو اختيارا، وهو في جوهره كما تشير الكاتبة يترجم النأي بأحلامهن وأرواحهن بعيدًا عن تصدع الواقع.
وتتوقف حواء القمودي في عرضها عند التجربة الخزفية لدى كل من الفنانتين مريم هنيدي وميسون عبد الحفيظ، ففي اعمال هنيدي كمجسم «العايرة» و «السجين» الذي يقاوم قضبان غير مرئية متخذا وضعية الجالس المتأمل لكتاب إشارة للمشترك العام للهاجس الذي يقض مضجع شخوصها، يرصد مراحل الألم والانتظار ثم الفرار، فيما توقع ميسون عبد الحفيظ عبر منمنماتها ثنائيات تشي بجمالية السؤال الذي يسيل من اللون، وتواجه في المقابل ذاتها المحاصرة بالعنف غير أن مواجهتها لاتبدو خاصة بالمعنى النفسي وإنما تتقاطع في هذه المكاشفة مع جميع الذوات المكلومة بالعنف.
فن حذر
وألمحت الشاعرة سميرة البوزيدي في ورقتها التي ألقتها الفنانة التشكيلية مريم الصيد إلى أن معظم النتاج الفني في المشهد الليبي ينطلق من حالة ذات متسامية نحو الاخر، لكن القطيعة التي تعاني منها المجتمعات المتخلفة مع الفن لابد وأن تؤثر على نتاج الفنان، وفي المقابل لا مفر له من أن يستمر مقتربا بفنه من الحدود الممكنة للمتلقي الذي يعد الذهاب إلى المعارض الفنية نوعا من الترف أو تغيير المزاج.
وفي سياق تقييمها لبعض الأعمال منطلقة من قاعدة عدم تجنيس الفن بالقول «إن الفن الليبي الذي ترسمه المرأة هو فن حذر وبالملاحظة نجد أن معظم اللوحات تعاني من هذا الحذر، فأجنحة المغامرة قصيرة، لذعة الاختلاف تكاد تغيب، البعض منهن يلوذ في التعبير للواقع الذي لايدع مجالا لتأويل ما، وهذا الاتجاه تعبرعنه لوحات كل من نجلاء الفيتوري وعفاف الصومالي وبشرى علام وحنان عجال، أمينة العتري وسندس كشاد وعفراء الاشهب وتسنيم التومي، وتخلص البوزيدي في النهاية إلى أن الخيال في هذه التجارب كان محدودا وبعضها يذهب صوب التعابير الفنية المبهمة.
وأوضح الناقد والفنان التشكيلي عدنان معيتيق في بحثه الذي ألقته الفنانة التشكيلية مريم بازينة أن المؤسسات الأهلية كدار الفنون وغيرها من الجمعيات ساعدت إلى حد ما في تنمية الذائقة البصرية للمتلقي من خلال الاهتمام المتواصل في إقامة المعارض الفنية، ومع مرور الزمن تم تذويب جملة من المفاهم البالية وأخرى «مغلوطة»، وترسخت في موازاته أهمية وجود الحراك الفني، ويأتي الفنان التشكيلي نفسه كأحد أهم عناصره وللمرأة الليبية كفنانة حيز كبير من هذا الحراك الذي ساهمت في رسمه، مصقولا بالمعرفة والخبرة والاضطلاع على تجارب الحداثة، فأضفى فن الرسم الليبي الأنثوي رهافة إضافية على الحركة التشيكلية وأصبحت صور بورتريهات الفتيات الجميلات أجمل، وسيرة المدن العريقة بأزقتها وبيوتها ومساجدها وكنائسها ومرافئها أكثر رهافة.
مغامرات الليبيات التشكيلية
ولم يتمكن الناقد والكاتب منصور بوشناف من الحضور لإلقاء ورقته، ونشير إلى ماتناولته هذه المساهمة من بريده الالكتروني والتي جاءت تحت عنوان «مغامرات الليبيات التشكيلية»، مشيرا إلى أن مساهمة المرأة الليبية في الفنون التشكيلية برزت بعد اضمحلال الفنون الصخرية وبعد سيادة التصحر في الشمال الافريقي، والاستقرار في الواحات وبناء البيوت كبديل للكهف.
من ذلك حفظت المرأة الليبية عالمها وتطور فنون ماقبل التاريخ محافظة على غالبية ايقوناتها ورموزها «المثلثات والغزلان وخميسة الجرمنت»، وبمروره السردي بالعهد العثماني وبدايات مشروع التجديد والنهضة، يلمح بوشناف الى ان ليبيا عرفت الفن التشكيلي بمفهومه الحديث ومع مرور الزمن وتواصل مسيرة العصرنة كان انطلاق المراة الفنانة التشكيلية الليبية قد بدا فعلا وبشكل لافت بعد افتتاح كلية الفنون التي خرجت أعدادا كبيرة من الرسامات الليبيات، واللافت في غالبية تجاربهن هو القفزة النوعية السريعة نحو التعبير الحر والمتحدي لكل ظروف القمع والتخلف.
ويصل من هذا السبر إلى نتيجة مفادها أن مسيرة مغامرة التشكيليات الليبيات انقسمت إلى تيارين، يعبر الأول عن روح التمرد والتعبير عن الذات النسوية، ويبرز في تجارب خلود الزوي ونجلاء الشفتري وسعاد اللبة، وتيار اخر تبدو الهوية الليبية أبرز قضاياه لذلك يظهر المرأة الليبية في تفاصيل حياتها الخاصة من لياسها وجلساتها والوانها محاطة بأيقونات ليبية وتمثله تجارب عفاف الصومالي.