الطيوب
استضاف منتدى أصدقاء المسرح بزنقة باكير بالظهرة مساء يوم الثلاثاء 15 مارس الجاري ندوة ثقافية أقامتها الجمعية الليبية للآداب والفنون بالتعاون مع دار الفرجاني للنشر والتوزيع حول أحدث الإصدارات الأدبية للكاتب “منصور أبو شناف” روايتيّ (الكلب الذهبي)، و(العلكة)، حضرها ثُلة من الأدباء والصحفيين والمهتمين بالحركة الإبداعية في ليبيا، وذلك بمشاركة مجموعة من الأساتذة والكتّاب بعدد من الورقات النقدية والانطباعية، وقد استهل الكاتب “إبراهيم حميدان” في سياق مقدمته الترحيب بالحضور ووجّه الشكر والتقدير للأستاذ “عبد الرزاق العبارة ” على استضافته، فيما تولى الأستاذ “نوري البوسيفي” إدارة الندوة الذي لخص ملامح موجزة عن السيرة الذاتية والإبداعية للكاتب “منصور أبو شناف”.
وشارك الدكتور “محمود ملودة ” بورقة جاءت بعنوان (طقوس العبور والتحول..قراءة في رواية الكلب الذهبي) وأشار إلى أن ورقته قراءة احتفائية بالرواية، وأضاف بأن الرواية الليبية تحتكم إلى بنيتين البنية الأولى هي الصراع والبنية الثانية هي التحول ومن خلال المطالعة السريعة أستطيع القول أن هذه الرواية تفردت لتكون من الأعمال الروائية القليلة التي تشكل بنية التحول وهي أصعب من بنية الصراع الذي عادة يكون يسيرا في التناول، وتابع في هذه الرواية لا تستطيع أن تقول مَن ضد مَن كون أن هناك حالة من التحول المستمر، وتندرج الرواية بالتالي ضمن ما يسمى بالأدب العجائبي والغرائبي والفرق بينهما أن العجائبي يترك أثرا إيجابيا على نفسية القارئ كسوبر مان بينما الغرائبي يترك أثر سلبيا على نفسية القارئ، ولفت الدكتورة ملودة أن المسخ يتضمن طقسا عبوريا أي الانتقال من حالة إلى أخرى فيبدأ نص الكلب الذهبي عجائبيا ومن ثم يتجه النص للغرائبي من خلال قدرة الكاتب على ذلك وأوضح أن ألية الانتقال للغرائبي يسمى الواقعية السحرية.
من جانب آخر شارك الكاتب “مفتاح قناو” بورقة نقدية بعنوان(وقائع سنين العلكة) وأكد فيها أن الرواية تمتلئ بالرصد الدقيق لحوادث تاريخية مهمة وتسلسل تاريخي يربط من خلاله الكاتب بين أحداث الرواية ووقائع التاريخ الليبي بداية من من الأسير المجهول في سجون الباشا القرمانلي الذي نحت التمثال في غير زمان النحت يمر الكاتب إلى مختلف الأزمنة التي مرت على الوطن الليبي حيث يعرض علينا الكاتب الحديقة باعتبارها رمزا واضحا للوطن وما تعرض له من احتلال فسرد تاريخ إنشائها منذ زمن الباشوات الأتراك اللذين اغتصبوا المزرعة من مالكها كما اغتصبوا الوطن وحولوها إلى منتزه خاص بهم، وأشار قناو إلى أن الثيمة الرئيسة في نص العلكة هي العلكة نفسها وفعل العلك يمثل لدى الكاتب عملية الاجترار التي كانت سياسة عامة تحكم كل شيء في البلاد فيما أضاف قناو أن رواية العلكة يظهر فيها تأثر الكاتب الروائي بالكاتب المسرحي وبشكل خاص مشهد تسمر بطل الرواية في الحديقة لعشر سنوات وبعض المشاهد الأخرى أمام التمثال في المتحف ويرى قناو بأن حرفية الكاتب المسرحي قد ظهرت في بعض مشاهد الرواية.
كما تضمنت الندوة أيضا مشاركة الكاتب الصحفي “عبد السلام الفقهي” بورقة بعنوان (رؤيا في سيرة المسوخ) قرأتها الصحفية والشاعرة “فتحية الجديدي” والتي تطرّق فيها إلى أن انبعاث الكلب الذهبي كرؤيا من رماد تحولات السردية الأبوليوسية يقودنا للسؤال عن مدى تجسيد الأخيرة لواقع كاتبها وهل كانت معنية بذلك مضيفا بأن الحاجة تبدو ملحة للتحول مشدودة بالفضول وأمنية استحوذت على خيال البطل غير أنها سؤال يضرب عميقا في جوهر القلق المعرفي لا الحياتي مضيفا بأن النزعة الحالمة تتجه للتحليق والصعود رغبة في التطهر أو متشوفة لاكتشاف ذاتها بفهم ينتصر للرؤيا قبل التجربة متعالية عن منابتها المدوارية ليقع في قبضة تأمل يوتيوبي منزوع الدسم وهذا حسب الفقهي ما يكشف هيمنة انساق ثقافية عبتر عن وجودها في داخله دون وعي منه وذلك جوهر المسخ ومأساته تكون موجودا وغير موجود.
تلى ذلك مشاركة للكاتب والتشكيلي “أحمد الغماري” بورقة بعنوان (الرمزية السحرية تؤسم هوية الكائن والكيان في رواية الكلب الذهبي) حيث أكد من جهته أنه ليس من السهل أبدا أن يتميز اليوم كتاب من خلال تأليف نص سردي روائي في زمن انتسار ديوان هذا العصر أي (الرواية) التي أصبحت متلازمة مع انتاج أي أديب سواء كان شاعرا أو قاصا أو ناقدا أدبيا أو كاتب صحفي فالرواية هي الجنس الأدبي الذي تنصهر في بوتقته كل الأجناس الأدبية والفنية الأخرى بانفتاحها مؤخرا على مجالات الإبداع مثل الفنون التشكيلية والموسيقى لتداخلها ضمن بنائها السردي وأبعادها الجمالية السيميائية، وأشار الغماري أن رواية الكلب الذهبي التي قذف بها الكاتب منصور أبوشناف من باطن وجدانه الليبي الإنساني تعد حسب اعتقاده بحق من أهم الروايات الليبية التي صدرت خلال العشرية الأخيرة لعدة اعتبارات فهي رواية استطاعت أن تقلب مفاهيم سائدة عن مفهوم الهوية وسيكولوجيا المكان فضلا عن أنها حكيت بتقنيات سردية متطورة وبلغة مقتضبة محكمة البنيان، كما أوضح الغماري بأن رواية الكلب الذهبي تختلف عن روايته الأولى العلكة من حيث الحبكة والرؤية السردية وتطور الشخصيات ومآلاتها لكنها تشترك معها في وحدة الموضوع المتمثل في فهم وجود الكيان الليبي وعلاقته بالآخر وبنفسه.
وشارك الشاعر والكاتب “أحمد بللو” بورقة بعنوان (تراجيديا الهويات المتناحرة…اطلالة مختصرة عن رواية الكلب الذهبي)، الذي حدد فيها أنه من البديهي القول أن لكل رةاية سؤالها الجوهري والأساسي الذي جاءت لتجيب عنه كما هو شأن كل الفنون والمعارف والأفكار الإنسانية والخيال البشري في أقصى شطحاته وتهيؤاته، وتساءل بللو عن ماهو السؤال الذي أردت رواية الكلب الذهبي طرحه والأسئلة القابعة في الفن والاقتصاد والسياسة والتاريخ والثقافة بجميع مشمولاتها، مشيرا إلى أن منصور أبو شناف من خلال مصائر أبطاله المأسوية كما في مسرحية (عندما تحكم الجرذان)والتداخل والأرض والمجالات في المسرح وكما في العلكة وفي الكلب الذهبي، وتابع قائلا سنفتح الأبواب على العديد من الأسئلة مثل ماهي ذاكرة هذه المصائر وماهو تاريخها وأين بدأ وما التجاذبات التي أثرت فيه سلبا وإيجابا وما الدافع وراء هذه الصراعات الدموية وهل من مبرر لها ، وأوضح أن بوشناف يشير بجدية إلى المسألة الثقافية كعامل مهم في ولادة الصراعات وتجددها واستمرارها ولكنه لا ينسى العوامل الاقتصادية والمناخية والأوبئة والمجاعات كدافع للصراعات، وأكد بللو أن الراوي يعلم أن ما يحدث وما سيحدث ليس حقيقيا وأنه ليس أكثر من أعجوة أو أمثولة طرأت في رأسه لأنه لم يكتب منذ وقت أو ربما حن للسرد وحكاية الحكايا ويختار عنوانا لتقديم بطله بمسمى لبيتشو العجيب الاسم الملطف للكلب الذهبي ومن خلال قصته يعلن هوية كلبه وهوية اسمه ليبدو لنا الأمر كما لو أننا أمام قصة من قصص تراثنا الذي يكثر فيه الحكايا والأعاجيب والتحولات.
وفي ختام الندوة تحدث الكاتب “منصور أبوشناف” مؤكدا بأن كل ما ورد في روايتيّ العلكة والكلب الذهبي من وقائع وأحداث وأسانيد تاريخية هي حقيقية وليست من محض الخيال مشيرا إلى أن الكاتب يمكنه أن يخدم الوجود الفني من خلال تحويله لأشياء واقعية معينة تثري المخيلة، وعلى هامش الندوة عرضت مكتبة الفرجاني باقة من الكتب والمؤلفات الصادرة عن الدار .