متابعات

بيت المدينة الثقافي يحتفي بشيخ المالوف الموسيقار الراحل حسن عريبي

كتب: محمد الأصفر.

في الثامن عشر من إبريل عام ألفين وتسعة غادر عالمنا أثر أزمة قلبية الموسيقار الليبي الكبير الشيخ حسن عريبي الذي أعطى للمكتبة الموسيقية الليبية والعربية الكثير من الألحان الجميلة التي خلدتها الذاكرة خاصة في فن المالوف والموشحات الذي جلبه العرب معهم من الأندلس بعد سقوط دولتهم التي امتدت سبعمائة وواحد وثمانين سنة حيث استوطن بعضهم بعض مدن المغرب العربي .

حسن عريبي المولود بمدينة طرابلس عام ثلاثة وثلاثين وتسعمائة وألف يعتبر أحد رواد الموسيقى والغناء قي ليبيا والعالم العربي والإسلامي حيث اشتهر بفرقته الخاصة بفن المالوف والموشحات الأندلسية .. بدأ حياته كموظف في وزارة المواصلات بمدينة بنغازي قبل افتتاح الإذاعة الليبية عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين .. وما إن فتحت هذه الإذاعة أبوابها حتى انظم إلى قسم الموسيقا كمستشار فني .. وخلال عمله بالإذاعة اكتشف العديد من المواهب الغنائية منها موهبة المطرب الليبي الشهير محمد صدقي حيث لحن له أغنية ” كيف نوصفك للناس وانت غالي ” .. وغير صدقي قدم الفنان حسن عريبي ألحانه الجميلة بكل سخاء لمطربين آخرين صاروا نجوما في سماء الأغنية الليبية منهم عطية محسن وإبراهيم حفظي وسيد بومدين ولم يقتصر تلحينه على المشهد الموسيقي الليبي إنما تعداه ليدخل الساحة الفنية العربية من خلال تقديمه لألحان لفنانين عرب من تونس ومصر ولبنان منهم سعاد محمد وهدى سلطان من مصر ونازك من لبنان ونعمة من تونس .. ولتتواصل نجاحاته حيث ساهم في تأسيس المجمع العربي للموسيقا التابع للجامعة العربية واختير رئيسا له في دورتين عام اثنين وسبعين وخمسة وسبعين كذلك ترأس المؤتمر العالمي للموسيقى بطشقند وشارك في الكثير من المحافل الموسيقية التي ترك فيها بصمة إبداعية واضحة .

ليلة رمضانية موسيقية فنية شهدها بيت المدينة الثقافي الذي يعتبر من معالم مدينة بنغازي وذلك لأثريته ولتصميمه على الطراز الشرقي الأندلسي حيث تتوسطه باحة واسعة في الهواء الطلق تقام فيها الأنشطة وهذا البيت يسمى بيت الكيخيا حيث اتخذه في العصر العثماني بالقرن التاسع عشر كيخيا بنغازي ” الحاكم العسكري للمدينة مقرا له ” .. ومازال البيت منذ ذلك الزمن محافظ على رونقه وعلى شكله القديم العتيق .

في هذه الأمسية التي قدمها الباحث أحمد القلال احتفى الحضور بالفنان حسن عريبي وقدم كل من الملحن عبدالجليل خالد والملحنة مسعودة القرش والشاعر الغنائي يوسف بن صريتي أوراقا بحثية تناولت تجربة الفنان الراحل وأهميتها على الصعيد الليبي والعربي كما قام بالمداخلات العديد من الحضور ومن الفنانين الآخرين .

الفنان حسن عريبي يقول عنه الدكتور الكاتب خليفة التليسي صاحب الموسوعات الشعرية وديوان البيت الواحد الذي حاكاه الشاعر ادونيس مؤخرا من زاوية أخرى : الفنان عريبي من عمالقة الفن في الوطن العربي ووضع اسم ليبيا وللمرة الأولى على خارطة التراث الموسيقي والعربي والإسلامي وقدم صورة لم تكن معروفة عن ليبيا فيما مضى .

هذه الأمسية الجميلة التى التأمت يوم السابع من من رمضان نظمت برعاية إحدى الشركات العاملة في مجال الكهرباء مما آثار حفيظة العديد من الفنانين والشعراء حيث وجهوا اللوم والعتاب لوزارة الثقافة والمجتمع المدني الليبية التي من واجبها ومن صميم عملها دعم مثل هذه الحفلات .

الفنان التشكيلي المعروف عادل جربوع أبدى استياء واضحا من تجاهل وزارة الثقافة لمثل هذه اللقاءات المهمة المفعمة بالفن والوفاء قائلا أنا مع دعم الشركات والمؤسسات الخاصة والأهلية للفن والأدب عندما لا تكون هناك وزارة لها ميزانية ضخمة يمكنها أن تدعم أي نشاط فني .

بينما الشاعر هليل البيجو الذي يعتبر من الأصدقاء المقربين للفنان الراحل حسن عريبي حتى أنه يستشيره كثيرا في بعض القصائد التي يرغب في تلحينها وجه نقدا لكوادر وزارة الثقافة الذين لم يهتموا بمثل هذه التظاهرات ولم يشغلوا أنفسهم ولو بالحضور من أجل الدعم المعنوي على الأقل قائلا في بنغازي يوجد وكيل لوزارة الثقافة أين هو الآن من المفترض أن يكون حاضرا هنا فالفنان حسن عريبي فنان له وزنه وليس نكرة والغياب الرسمي عن أي فعالية تقام له يمكننى أن أصفه بأنه نوع من الجحود لفنان قدم عمره للموسيقا .

الجدير بالذكر أن الفنان حسن عريبي لم يقتصر فنه على المالوف والموشحات انما تخطاه للغناء الديني وهذا الأمر ليس بغريب عنه فهو قد تعلم تلاوة القرآن وهو في السابعة من العمر ويعتبر فن المالوف لديه حالة وراثية ورثه عن أبيه وجده حيث تعلم منهما المقامات ليشق بعدهما دربه مواكبا العصر ومغيرا في القصائد التي يغنيها بعض الكلمات المتحفية التي تجاوزها الزمن فقام بتعديل النصوص القديمة وتهذيب بعض الجمل اللحنية ويعتبر البعض مثل الدكتورة رتيبة الحفني أن فرقة المالوف والموشحات التي أسسها حسن عريبي هي بمثابة معهد موسيقي تخرج منه العديد من الفنانين والمطربين أثبتوا وجودهم وجداراتهم في المشاركات والمهرجانات الموسيقية .

الروائي الليبي د أحمد ابراهيم الفقيه كان حاضرا بنصوصه التي تشيد بفن المالوف وبالفنان حسن عريبي الذي جعل للفن الليبي هوية حيث قال : حسن عريبي حقق فن المالوف والموشحات الذي تبناه ورعاه وبذل حياته للوفاء بهذه الرسالة ورسالته تمثلت في ان تكون لنا شخصية وان تكون لنا هوية رسالته أن يبقي على التراث ليس في الزوايا والكتاتيب فحسب إنما بتوثيقه وتسجيله وارساله عبر وسائط الفن الحديثة عبر الفضائيات حتى نجح في إيصاله إلى كل بيت وإلى كل قلب محب للفن .

من أهم قصائد المالوف التي تغنى بها الفنان حسن غريبي تأتي قصائد طابت أوقاتي ونعس الحبيب والذهب يزداد حسنا إذا انتقش وشوقي دعاني وأيضا قصيدة المنفرجة التي ألفها الشاعر الأندلسي ابن النحوي والتي تعتبر من القصائد السياسية التي تدعو الناس إلى عدم اليأس والإيمان بالأمل في التغيير وهذه القصيدة التي سبق أن غناها أيضا المطرب المغربي الكبير عبدالهادي بالخياط يقول الشاعر هليل البيجو صديق الفنان أنه أنجزها قبل عام من إطلاق النظام الديكتاتوري لبعض السجناء السياسيين عام ثمانية وثمانين في ما يسمى بعيد أصبح الصبح وقد لقت ترحيبا كبيرا من كل عشاق الحرية وامتعاضا وتحفظات من أجهزة نظام الديكتاتور القمعية فهذه القصيدة التي قيلت في زمن حكم العرب للأندلس مازالت كلماتها تعيش وتعبر عن الحياة وهموم الناس ولم يستطع الزمن الطويل الذي مر أن يضعها في مخازن الظلام .. في نهاية الأمسية قامت فرقة بنغازي للمالوف والموشحات بالتغني بعدة قصائد للفنان حسن عريبي منها قصيدة المنفرجة التي طالب بها الحضور حيث هام الجميع مع كلماتها .

مقالات ذات علاقة

أبوشويرب يحاضر عن المؤرخ أورخان بدار الثقافة والفنون

مهند سليمان

ندوة السياسات الثقافية تؤكد على دور الثقافة في المجتمع، وأنها الحل للخروج من الأزمات التي تعيشها ليبيا

المشرف العام

الهوني يستعيد ذاكرة «الميراماري» بدار الفقيه

المشرف العام

اترك تعليق