المصور الفوتوغرافي والفنان التشكيلي أحمد السيفاو يعد واحداً من أعلام الفنون البصرية في ليبيا، نعتز ونفخر به، ونعتبره قيمة إبداعية وطنية سجلت عبر مسيرتها التاريخية الطويلة حضورها الواثق وإضافاتها العديدة للمشهد الفني والثقافي الليبي.
وإن كان السيفاو قد عرف في بداية انطلاقته كمصور يتعامل بكل رشاقة مع لقطات التصوير باللونين الأبيض والأسود فقط، إلا أن علاقته مع علب الألوان والفرشاة والزيت وقطع القماش والكريليك قد تأسست منذ عقود زمنية بعيدة، ولكنها ظلت تتوارى خجلى أمام إبداعه الفوتوغرافي، وتتحين فرصة الظهور لمفاجأة المتلقي بنصوص تشكيلية تسهم في تعزيز العلاقة مع هذا المبدع الفنان، والاعتراف له بجهده وكده، ودأبه المتواصل في ترسيخ بصمته الشخصية وهويته التشكيلية في بلادنا الحبيبة.
وبعد عدة معارض محلية للوحاته التشكيلية المتنوعة الأحجام والأفكار، والتي من أبرزها معارضه التي اختار لها عناوين “الهزيع الأخير” و”القلق” و”قلق القلق” و”صناعة القلق” و”وجوه” وأخيراً “الكلمات المتقاطعة” صارت تبرز ضمن المشهد التشكيلي الليبي ملامح اللوحة السيفاوية التي تتميز بأبعادها وأحجامها المختلفة ومساحاتها المتباينة، وألوانها القاتمة التي لا يقتصر تعبيرها عن انعكاسات الحزن والألم فحسب، بل تتعداها بعيداً لتغوص في هواجس القلق، ونظرات التأمل والتمعن والتدبر، وإدارة محركات العقل لإثارة شهية العديد من الأسئلة في فكر ووجدان المتلقي. كما أن اللوحة السيفاوية تتميز بخطوطها الرقيقة والسميكة، المتعددة والمتداخلة، ومضامينها السامية المتأسسة على القيم الخالدة للذات الإنسانية، وأهدافها العظيمة النابعة من معاني الحياة النبيلة كالحب والحرية والوطن والتضحية وغيرها.
إن اللوحة السيفاوية تتعامل مع نطاق الزمن المطلق وجغرافية المدايات المفتوحة، ولذا فإننا لا نجد مبدعها وصانعها الفنان أحمد السيفاو قد سجل تاريخاً معيناً على أي من لوحاته، أو توقيعاً يوثق لمكان جغرافي محدد لمولدها، لأنه يؤمن بأن زمن اللوحة السيفاوية لا يحده ليل ولا نهار ولا تاريخ، وأن أبعادها تتجاوز إطارات اللوحة وجغرافية الأمكنة كلها.
إن اللوحة السيفاوية نص متكامل يتفتح أمام المتلقي بألوانه وخطوطه وإيقاعه المنبعث من عمق المشهد اللوني في انسيابية رقراقة تعانق لحظة التأمل، وتهديه رسالة الفنان المبدع بكل أريحية فتستوطن وجدانه وتكسبه إلى صفها بلا مقدمات ولا ضغوطات، بل باختياره الطوعي وانحيازه المطلق.
إن اللوحة السيفاوية حبلى بكل الأحاسيس والمشاعر المتدفقة بروح مبدعها، يبوح فيها تنوع واختلاف وتدرج اللون بكل شيء مميز، وحتى إن طغى عليها الصمت اللوني أحياناً فإنها تواصل عزف إيقاعها الرشيق الذي تتقاطر فيه أنغام الموسيقى بكل لغات العالم فيستقطب كل عشاق الحياة إلى فضاءه الآخاذ.
لاشك أنه من دواعي السرور أن تتفرد اللوحة السيفاوية عن جدارة بتواصل إبداعها وتألقها وظهورها رغم ظروف الوطن العصيبة وطغيان الانشغالات السياسية على المشهد الليبي، وأيضاً رغم المعاناة الشخصية للفنان أحمد السيفاو الذي كابد مرارة الأسى، وتراكم أحزان الفقدان للولد وجزء من الزمن الحالم ومسارات العمر الممزقة.
ولكن لأجل الغد المشرق بالجمال والفرح تظل اللوحة السيفاوية وفية لهذا الوطن ولدماء الشهداء وللحرية بكل تضحياتها، ولأهداف رسالة اللوحة الفنية المتمثلة في توثيقها لمشاوير الحياة وبعث صور من الجمال والبهجة في عيون وقلوب الناس.
اللوحة السيفاوية التي تؤكد أصالة الرسم كوسيلة قديمة من وسائل التعبير الإنساني العريق، امتزجت بنقاء زهرات برية تستوطن سفوح وقمم الجبل الأشم، وترعرعت وسط ضجيج المدينة الصاخب بالطقوس الطرابلسية الراقية، ونسائم البحر وهدير الموج، ورفقة الأحبة الخلص، فنسجت عالمها الجميل الذي يصدح بأناشيده الرقيقة المدوية للوطن والحياة.
مبدع اللوحة السيفاوية… أحمد السيفاو… مسيرة مكللة بالكد والإبداع والنجاح… مسيرة بحاجة إلى قراءة نقدية متأنية تستوعب محطات وخيوط هذه الرحلة التشكيلية المتقاطعة بكل ما فيها، مع التأكيد على أن الكلمات المتقاطعة بإطلالتها الجميلة في فضاء الزمن المفتوح تؤكد قيمتك الفنية المعتبرة في عالم التشكيل.