اليوم قررت أن أتخلص من قلقي نهائيا.. لم يعد يليق بي أن أخشاه بعد الآن … وأنا الذي تحملت كل هذا الألم الذي سببه لي طوال الأشهر الماضية.. وكل هذا الصبر والمناكفات التي نغصت علي حياتي.. لازلت أذكر رفقتنا الجميلة على مدى أربعين عاما ونيف وأنا أتعامل معه بحذر وأحاول إرضائه باستمرار…كنت أدلله كطفل صغير.. وأربأ بنفسي عن كل ما يثيره أو يستفز أعصابه.. لدرجة أنني كنت لا أتناول أي طعام لا يروقه أو أي نوع من العصائر التي لا يستسيغها.. حتى أنني خصصت جزءا من مرتبي البسيط للعناية به أكثر من أي شيء آخر.. تعودت خلال رفقتنا ومن بداية ظهوره في حياتي أن ألاطفه وألا أشاكسه أبدا وأن أحافظ عليه ناعما ومصقولا وأكثر بياضا… لكنه على ما يبدو لم تعد تروقه تلك الرفقة ولا حتى أسلوبي الروتيني في خصوصية العلاقة الحميمة بيننا.. فدأب منذ شهور يشاكسني ويتركني للسهاد.. أقضي الليالي وحيدا مع الكمد.. أفكر في وسيلة ناجعة تمكننا من العيش سويا في تآلف وانسجام كسابق عهدنا.. أيام كانت للحياة لذة الاندهاش الأول.. حين كنت أشعر معه بطعم كل شيء على طبيعته.. فحلاوة السكر كانت معه شهدا خالصا لا تزال ذاكرتي تختزن رحيقه الأسطوري حتى الآن.. وعذوبة الفواكه كأن نسغها لم يزل تحت لساني.. ونكهة كل الأطعمة وكأنني أستدعيها الآن من خلف جدار ذاكرتي وأتلمس خواصها بحلمات التذوق في مقدمة لساني… ياااااااااه: مضى زمن طويل وأنا أفكر في ذلك حتى كدت أن أنسى كل ذلك بعد أن داهمني بمناوشاته فقررت الذهاب إلى أقرب عيادة من بيتي قبل أن يلكزني الطبيب بلهجة صادمة:
– لم يعد يصلح فيه الحشو… لا مفر من خلعه يا صديقي.