د.عبدالله مليطان
لا أستطيع أن أتنكر لجهد الأستاذ الدكتور الصيد أبو ديب في رصد وتوثيق المشهد الثقافي الليبي في الشعر والقصة والرواية والأدب الشعبي واهتمامه البالغ بجهود العلماء والأدباء الليبيين.. وتبقى بحوثه ودراساته القيمة حول الطباعة ونشر الكتب وتاريخ الأدب الليبي من المراجع الأساسية المهمة التي لا يمكن لأي دراس أن يتجاوزها.
لكن هذا لا يمنع من مخالفته الرأي بشأن أول رواية ليبية التي أطل بها علينا دون أي دليل مقنع، خاصة وهو يعرف جيداً أن الحقيقة ما لم يكن مدعومة بحجة بينة لا تعدو أن تكون مجرد كلام عابر.
ولأنني أرى الدكتور الصيد أبوديب (كما أعتقد أن غيري يراه كذلك) هو مرجعية في هذا الجانب إلا أنه بما ذهب إليه من القول قد أربكنا حقيقة في التأريخ لمولد أول رواية ليبية لأن حكاية (مبروكة) تبقى في ميزان البحث العلمي والتاريخ مجرد حديث عابر لو قال بها غيره ما كنت لألتفت إليه (مع احترامي لكل الآراء) لذلك أقول:
1- في تاريخ الثقافة العربية عموماً ثمة إشارات كثيرة إلى عناوين عديدة لمؤلفات بعض الكتاب لكن لا وجود لها في الحقيقة، وقد راج ذكرها في كثير من المصادر والمراجع ولا تزال رغم مرور الأعوام في غياهب المجهول، وفي العصر الحديث نشر بعض الكتاب في آخر كتبهم قائمة ببعض الكتب التي يقولون عنها مخطوطة أو أنها تحت الطبع ولم تطبع وربما بعضها لم تكن إلا مجرد أفكار في أدهان أصحابها..
2- من ناحية أخرى هناك صحف نشرت منذ سنوات أخبار مفادها أن كتابا بعنوان (كذا) سيصدر قريباً للكاتب (فلان) ولم يصدر… والأمثلة كثيرة والدكتور الصيد أكثر معرفة مني بنماذج كثيرة من هذا القبيل بحكم اطلاعه ومعايشته للواقع الثقافي عامة والليبي على نحو خاص.
3- هناك كتابات نسبت لغير كتابها وهي كثيرة، بعضها لم يعرف حتى الآن من هو صاحبها الحقيقي والبعض الآخر عرف وتم تصحيحه ولعل ما حدث مع رواية (متى يفيض الوادي؟) للدكتور صالح السنوسي أقرب دليل فقد نشرت بالعدد الخامس من مجلة الفصول الأربعة الصادر في يناير 1979م باسم (ساسي عمار) وهو الذي أرسلها من باريس لطرابلس لكن المجلة تداركت هذا الخطأ وأعادت نشرها باسم صاحبها الدكتور (صالح السنوسي) في العدد السادس من المجلة الصادر في أبريل 1979م
4- من الطريف أيضا أن كتاب الأستاذ (سالم شلابي) عن طرابلس (عناوين على نواصي المحروسة) صدر بعنوان (مخطوط غير مسموح بالتداول) ووزع ولذلك قصة طريفة سيأتي ذكرها في مجال آخر.
5- أيضا رواية الأستاذ خليفة عبدالمجيد المنتصر التي صدرت عام 1970م عن دار العودة ببيروت بعنوان (مبروكة) صاحبها معروف وقد نشرت على حلقات في جريدة (الفجر الجديد) كما نبه الدكتور الصيد نفسه إلى ذلك، ولو لم يكن الأمر كذلك لربما قلنا أن مبروكة المنتصر هي مبروكة بن موسى. خاصة وأن موضوعهما يدور حول فترة الاستعمار الإيطالي كما هو واضح من رواية المنتصر ورواية بن موسى كما أفاد الدكتور الصيد.
وعلى ضوء ذلك…أعود للقول :
الدكتور الصيد في قوله بأن أول رواية ليبية (مبروكة) صدرت عام 1937م استند إلى إشارة في كتاب الليبيون في سوريا للكاتبين الليبيين زين العابدين موسى وأحمد أديب بن الحاج، (حسب قوله) (وأن أحداثها تدور حول الحرب الإيطالية، وأنه طبعها على نفقته وصادرها الفرنسيون، ولم يوزع منها سوى نسخ قليلة (الكلام للدكتور الصيد) وعزز ما ذهب إليه برسالة من ابن المؤلف الراحل الأستاذ (تيسير بن موسى)…والأستاذ تيسير رحمات الله عليه باحث ولديه دراسات تاريخية قيمة وهو متابع للحركة الأدبية الليبية وعنصر فاعل فيها وقد عاش سنوات طويلة ولديه علاقات متميزة في دمشق ويعرف قيمة الريادة وأهميتها ولم أسمع منه قط أي إشارة إلى هذا الأمر (بالطبع أنا أشك في مراسلته للدكتور الصيد) لكن المؤلف والده وهو يعرف قيمة الريادة فلماذا لم يهتم بالأمر على نحو جدي لإثبات هذه الحقيقة المهمة، كما وأن شقيقه الأستاذ محمد صلاح الدين بن موسى الذي أعد دراسة قيمة عن (الصحافة الأدبية في ليبيا) عام 1998م لم يشر إلى رواية والده (صحيح أن موضوع بحثه لا يتناول هذا الموضوع) لكنه يدرك أهمية الريادة هو أيضا فلما لم يشر إلى ذلك بل ولم يلمح للموضوع.
ويقول قائل أن كحالة في معجم المؤلفين أشار إليها…نعم لكنه لم يذكر الدار التي نشرتها بل قال (ومن آثاره) بمعنى قد تكون مخطوطة ولم تطبع ورغم أهمية معجم المؤلفين وكذا أعلام الزركلي فإن هناك كثير من الأخطاء التي وقعا فيها (وما أكثر ما وقعت فيه أنا من الأخطاء) وأذكر هنا بخلط الزركلي في الأعلام حيث جعل محمد كامل بن مصطفى (شخصيتان) ففي ص218 من الجزء الخامس ذكره تحت (الطرابلسي كامل) وفي ص12 من الجزء السابع ذكره تحت (الطرابلسي محمد كامل) محمد كامل بن مصطفى ليبي معروف…بمعنى أن قول كحالة في معجم المؤلفين (من آثاره) لا تعني أنها طبعت، وبالتالي لا يمكن أن يكون قوله حجة.
الدكتور الناجح محمد الأخضر في كتابه (المهاجرون الليبيون لبلاد الشام) الصادر عام 2012م تناول (حسين ظافر بن موسى) وذكر بعض آثاره ومن بيتها (مبروكة) إلا أنه ذكره ضمن مقالات عديدة ومن خلال العناوين فإنها أقرب للمقالات منها إلى كتب من بينها (ما هكذا تورد الإبل يا موسليني) و(ما هذا الدستور المزيف يا ايطاليا) و(ما هذا يا شكيب أرسلان) و (عمر المختار تحدى الايطاليين) … وهذا الأخير أهم بالتأكيد فلو كان فعلا كتاب لعرف واشتهر…لكن الغالب أنها مقالات أو حلقات مسلسلة نشرت في الصحف.
لذلك ولغير ذلك مما سأورده في مقدمة (مدونة الرواية الليبية) التي ستصدر العام المقبل إن كان في العمر بقية فإن أول رواية ليبية هي (اعترافات انسان) للمرحوم “محمد فريد سيالة”.
وبالمناسبة فإن عدد الليبيين الذين صدرت لهم روايات حتى شهر أكتوبر 2016م عددهم (88) روائي و (17) روائية وعدد الروايات يزيد عن (210) رواية…. مجرد رأي قابل للنقاش.
مع الاعتذار للإطالة…