قصة

دكاكين…

من أعمال التشكيلية مريم عيسى بازينة
من أعمال التشكيلية مريم عيسى بازينة


في السبعينات، لمّا كان عمري ربما سبع سنوات. كنّا نسكن في شقة بعمارة في شارع الجمهورية. أمي يومياَ تبعثني إلى الدكان لشراء بعض الأغراض.
الدكاكين، أيام زمان، كانت صغيرة جداً. وفيها كل شيء: علب معجون الطماطم، الطماطم الأخضر، الخيار، الحمُّص المنقّع، الخبزة…

أعبر الشارع الرئيسي وأدخل زقاقاً، فيه دكانين. أول دكان على اليسار كان دكان عمي المهدي. دكان عمي المهدي. مُظلم. فوضى مطلقة. زحمة، زحمة. مليان زبائن. الزبائن كانوا ليبيين، وعمّال من جميع الجنسيات. العمال يشترون ساندوتشات التن والجبنة. ابن عمي المهدي كان يُعدّ السندوتشات ويجهزها.

دخلت دكان عمي المهدي مرات محدودة جداً. الشيء الراسخ في ذهني هو أن عمي المهدي بدْلتُه العربية البيضاء تميل إلى الصفار. أظافره طويلة، غير مقلمة. سلكُ لامبة نازل من السقف مليان ذباب. ذبابة جنب ذبابة.. ذبابة جنب دبابة، حتى يصل الذباب إلى اللامبة التي يغطيها الغبار.

بعد دكان عمي المهدي بأمتار، وعلى اليمين منه، كان دكان عمي حسين. دكان عمي حسين كان مضيئاً.. نظيفاً.. نظيفاً.. نظيفاً، ومرتباً بدقة. كان دائما خالياً. لا أذكر أني دخلت إليه ووجدت فيه زبائن.

عمي حسين كان دائما يرتدي بدلة عربية بيضاء، نظيفة كأنها جديدة. يجلس على كرسي خشبي صغير ويستمع إلى الراديو الموضوع على أحد الرفوف. عندما يراني ينهض عن الكرسي وهو يبتسم. يعطيني الحاجة التي أطلبها، وأنصرف.

كنت أجري وألعب يومياً تقريباً. أمرُّ أمام دكان عمي المهدي، وأذهب لشراء حاجتي من دكان عمي حسين.

في يوم من الأيام مشيت إلى دكان عمي حسين فوجدته مغلقاً. قلت أمشي إلى دكان عمي المهدي. أذكر جيّداً: ما إن رآني عمي المهدي، وقبل أن أنطق بحرف وأطلب ما أريد، حتى صرخ بصوت عالٍ: ”درقي وجهك، درقي وجهك من هني، دوّري شكون يبيعلك!“…

الغريب في الأمر، والسؤال الذي يحيرني هو: كيف يستطيع عمي المهدي، وسط تلك الزحمة والفوضى، أن ينتبه لطفلة في عمري: وين ماشية، وشنو ادّير، ومنين تشري؟..
 

مقالات ذات علاقة

طريقنا ليس في نفس الاتجاه

المشرف العام

بائع الورود

محمد ناجي

عبدالرحيم عُنيزة

المشرف العام

اترك تعليق