من أعمال التشكيلي الأردني وليد الجعفري
قصة

القضية رقم 1968


القضية رقم 1968 لسنة 2002 ميلادي السيد / محبوب أبوالوفاء.. نادي حاجب المحكمة بأعلي صوته لدخول المدعي عليه السيد / محبوب أبوالوفاء
لم يكن هناك إجابة من الحاضرين الموجودين في ردهة المحكمة أمام الباب.. عاود النداء مرة أخري بصوت أعلي.. رد أحد الحاضرين بصوت خافت
يكاد لا يسمع.. نعم أنا محبوب.. رجاءا لا امرا.. ان تدفع بي الكرسي، فأنا كما تري مقعد وغير قادر علي الحركة.. تقدم الحاجب مبتسما وضع يديه علي المقبض اليدوي في رفق ثم دار دورة كاملة وإتجه بهدوء نحو الباب ليلج قاعة المحكمة.

وقف في المكان المخصص وترك الكرسي بما يحمله ( السيد / محبوب ابوالوفاء ) شرع القاضي في بدء جلسة المحاكمة حسب الأصول القانونية
القاضي: إسمك وسنك وعنوانك وعملك.

محبوب: نرجو من حضرتك سيدي القاضي أن ترفع الصوت قليلا فأنا أعاني من ضعف في السمع
عاود القاضي سؤاله من جديد بصوت أعلي مرددا… إسمك وسنك وعنوانك وعملك
محبوب: الإسم: محبوب حافظ أبو الوفاء.. العمر: خمسة وثمانون عاما العنوان: 07 حي الخير مدينة الصالحية. العمل: متقاعد
القاضي: أنت ترفض الذهاب للعيش مع إبنك الوحيد: حافظ محبوب أبوالوفاء..
هذا بالمختصر المفيد فحوي القضية المقدمة من أبنك.. الذي يقول فيها انه أستنفذ معك كل السبل والطرق، ولم يبق إلا باب القضاء ليجبرك علي ترك محل إقامتك، والذهاب معه حيث يقيم في منزله الخاص. هل نستطيع معرفة أسباب الرفض.

رد الشيخ الطاعن في السن: أنا يا سيدي القاضي سعيد بالإقامة حيث أنا، في منزلي مع زوجتي، ليس هناك من سبب يدعوني للمغادرة وأنا لا ارغب في ذلك،

إبني يصر علي بشدة وأنا أري أنه هو من يجب أن يحاكم لا انا، إنه إبن عاق وعاق جدا، يريد ان يفصلني عن زوجتي و منزلي وجذوري التي عشت وتربيت فيها وقضيت أجمل سنوات عمري.

القاضي: يعني أنك رافض الخروج من منزلك وترك زوجتك ومنزلك وان صحتك جيدة ومرتبك الشهري تأخذه في وقته وليس هناك من سبب جوهري يدعو إبنك لدفعك قسرا وغصبا علي هذا الأمر.. هكذا حسب ما فهمت منك.

محبوب: نعم سيدي القاضي.. وادعو من حضرتك مرة أخري لمحاسبة ومعاقبة إبني العاق علي هذا السلوك وهذا الفعل غير الأخلاقي وغير الإنساني .. يوصي الله تعالي في كتابه العزيز ببر الوالدين والإحسان إليهما حيث يقول عز من قائل ( وبالوالدين إحسانا ).

القاضي موجها كلامه في حنق إلي الحاجب: نادي هذا الأبن العاق لنوقفه عند حده ونعلمه أصول البر بالوالدين.

لحظات ودخل الإبن. وقف ماثلا بين يدي القاضي وسط ذهول الموجودين بالقاعة. فهيئة وشكل الشاب لا تدل علي العقوق والعصيان بتاتا.. شاب ثلاثيني يرتدي جلبابا أبيض اللون ويعتمر قبعة بيضاء أيضا، طويل القامة عريض المنكبين أبيض البشرة يكاد يشع وجهه نورا وقد زادت اللحية السوداء الخفيفة من شدة وقاره

القاضي: إسمك وسنك وعنوانك وعملك

حافظ: حافظ محبوب أبو الوفاء السن: ثمانية وثلاثون عاما العنوان 05 حي الأمان مدينة الصالحية. العمل: معلم قرآن كريم.
بهت جميع الحاضرين بمن فيهم هيئة المحكمة بعد سماع جواب الشيخ حافظ معلم القرآن الكريم.

القاضي: أنت.. أنت حافظ للقرآن الكريم وأيضا تعلمه لأبنائنا.. ؟ ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.. في كل سور القرآن الكريم ألا توجد آية تدلك وتهديك لبر والدك والإحسان إليه في هذا العمر. ؟ ؟

حافظ: نعم سيدي القاضي أنا حافظ للقرآن الكريم وأيضا أعلمه بكل صدق وإخلاص.. وهذا ما دعاني للإصرار علي هذا الأمر ورفع هذه القضية أملا في بر وحفظ والدي الكريم.. أخدمه أنا وأسرتي بكل جوارحي وأنفاسي وأكرم شيخوخته في آخر أيامه.

القاضي: أطلب منك التوضيح اكثر.. انا لا أستوعب شيئا مما قلت.
.
.
.
حافظ: يعيش والدي وحيدا منذ فترة قصيرة . .
لقد توفيت والدتي..
حبا ووفاء لها… أصر أن تدفن بجواره و يكون قبرها في حديقة منزلنا.

مقالات ذات علاقة

الطير الذي نسي ريشه

زياد علي

الحِــرْبـاء

أحمد يوسف عقيلة

الرغيف الفارغ

عزة المقهور

اترك تعليق