في خضم الاستعدادات لفرح فضل ولد الحاج المبروك من زوجته الحاجة رجعه التي كنا نناديها برجعه الطويلة لطولها الفارع.. كان فضل شاعرا واعدا يجيد فن المجرودة.. عجائز الحي أعددن الكعك والغريبة.. وضعن في وسط كل قرص منها حبة كاكاوية لتزداد نكهتها وطعمها حلاوة.. كان كوخ الحاجة رجعه المصنوع من الصفيح بواسطة الأسطى بو نجمة يلاصق كوخ عمتي سدينا.. لهذا كان واجب التجاور يحتم عليها تقديم أفضل ما لديها.. صنعت البخور والحناء والقرنفل الذي كان يثير رائحة نفاده تجعل الرجل يفقد توازنه عندما يستنشقه.. اقتطفت عدة وريقان من نبات اللاونطة وقامت بتحميصها ووضعتها بين ثنيات الأردية والتفاصيل والمحارم التي قد جهزتها عمتي رجعة وبناتها كهدية للعروس وقريباتها.. اللاونطه نبته تشبه النعناع في أوراقها لها رائحة زكية.. أغلب نساء الحي يقمن بزراعتها في مداخل البيوت.. لا يخلو بيت في قريتنا من نبتة اللاونطه..
فضل كان أحد جنود القوة المتحركة وهو وحيد أسرته من الذكور.. فيما له أربع شقيقات جميعهن أكبر منه سنا.. كانت مراسم الفرح بسيطة ومتواضعة شارك فيها كل سكان القرية كل حسب إمكاناته.. الشيخ فرج قدم من الوسيطة في الصباح الباكر بحماره الأشهب يحمل عليه كيسا من القمح كهدية ابتهاجا بالمناسبة.. على الفور حمله الحاج المبروك لمطحن القريتلي الذي طحنه على وجه السرعة من دون مقابل تقديرا لعرس فضل.. في المساء وبعد وجبة العشاء المتكونة من الدشيشة ولحم الماعز.. انتظم العساكر أصدقاء فضل في صابية كشك استمرت إلى ما بعد منتصف الليل.. كانت عمتي سدينا تصيخ السمع لغناوي العلم وتنهر الفتيات بالتزام الهدوء.. حتى ” تستمخ ” الغناوي على حد قولها.. لفتت انتباهها غناوة الشاويش المهدي التي قال فيها:
“عماهن تراب القبر.. عيون سود ما يستاهلن”..
سالت دمعة ساخنة من عيني عمتي سدينا فقد تذكرت زوجها الراحل منذ سنوات..