أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ (32)

محمّد نجيب عبد الكافي

… وكلاء الوزارات (3)

– عبد الله سكتة

سأبقى هذه المرّة أيضا مع أهل درنة، لأن وكيل الوزارة الذي سأذكره هو أيضا درناوي، ومن جيش مناضلي جمعية عمر المختار، التي تولى رئاسة أو هي أمانة فرعها بدرنة، ونشط في ذلك كعادته، حسب قول رفاقه الذين أكرموني أيما إكرام. إنه رجل الحركة السيد عبد الله سكتة، الذي تقلّب في مناصب ومسؤوليات كثيرة بالدولة، فأنجز ما يسجله له التاريخ، مثل تأميم شركة الكهرباء التي تولّى رئاسة مجلس إدارتها، وإخراج المساهمين الإيطاليين في رأسمالها، أو كإعداده قانون الخدمة المدنية وغيره ممّا كانت تحتاجه الدولة الناشئة. عرفته بصفتي أحد موظفي وزارة التخطيط والتنمية التي تولى وكالتها لمدّة لم تطل، إذ نودي به إلى مهمة أخرى. طلبني يوما فلبيت، لكن لمّا دخلت عليه غادر مكتبه واقتبلي بحرارة أشعرتني بإحساس غريب، أشبه شيئ بقشعريرة سرت في كامل جسمي وندّت عينيّ وأنا في ذهول لا أفهم ما يجري. لم يعد لمكتبه، بل دعاني للجلوس حيث يجلس الضيوف، وطلب لي قهوة فاعتذرت وشكرت وجلست كالمُرَوْبِص في ظلام حالك. بادرني يسأل بترحاب قائلا: تعرف الرفيق عبد الحليم بن حليم ؟! قلت من المبجلين المحترمين. قال حدّثني عنك وعمّا أتى بك، فلتعلم أنك لم تفارق وطنك، بل انتقلت من مدينة لأخرى. قلت هذا ما أنا عائشه يوميا. قال وما دمتُ بالوزارة …فأسرعت متمّما : فأنا موظف كبقية الزملاء. ابتسم قائلا: نعم هو كذلك. استأذنت ولساني يقول: صدق رفاق درنة وخرجت غير منتظر استفساره.
تكرّرت لقاءاتنا بعد انتقاله إلى مهامه الجديدة، فكانت سهرات مع أصدقاء آخرين بعضهم من درنة، كعبد القادر الجيباني، وعبد الكريم بللّو، وأحمد بن خيال فثروتي من الأصدقاء وفيرة والحمد لله.

– أحمد السيالة

لو كنت من ضيقي النظر المتعصبين لمدنهم وقراهم، لأخذ حديثي عن هذا الصديق منحى لا تقبله نفسي ولا فكري، ولقلت أنه أو أن عائلته قريبة منّي بحكم الانتساب إلى مدينة واحدة . فبما أنّني من مواليد مدينة صفاقس، فآل السيالة من أشهر وأعرق عائلات صفاقس علميّا وتجاريّا وحرفيّا. لكن، بعيدا عن هذه الترهات أقول: تعارفنا على مائدة الأدب ديدني وهوايته. كان ذلك إثر ندوة أدبية من تلك الندوات التي كانت تنظم، فيلتقي أهل الفكر والقلم، فتجري الحوارات والمناقشات فتحك الآراء بالآراء ينتعش بها المساهمون والحاضرون. أعجبتني آراؤه وجذبني لطفه وخفة دمه المرفوقان بأدب متواضع، يبدو في حركاته وسكناته علاوة على مقاله وتصرّفه.
استمر التواصل إذن، وتعدّدت المناسبات، إلى أن استلمت رئاسة قسم الثقافة بإدارة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية بوزارة التخطيط والتنمية، تحت إدارة الصديق الأستاذ عيسى رمضان القبلاوي، فتعدّدت لقاءاتي بالسيد أحمد السيالة مُتيحة لي فرصة اكتشاف ما لا سبيل لاكتشافه إلا بالاحتكاك والملازمة والعمل، خاصّة إذا كان رسميا وعموميا. اكتشفت فيه ما قلّ في بلداننا وهو احترام الموعد بكلّ دقة. فلأكثر من سنتين لم يتأخر ولم يُلغ ولم يغب عن أيّ اجتماع أو لقاء، بمكتبه كان أو خارج الوزارة، رغم ما لوكيل وزارة من مسؤوليات واجتماعات ومشاكل متتابعة يجب حلها. اكتشفت أيضا بعد النظر، أساسه طموح إلى مستقبل أفضل وأرسخ لليبيا وثقافتها التي كان يؤمن بتعدّد أصولها، واختلاف أشكالها، وهو ما يفرض العناية بها ووجوب إبراز محاسنها. اكتشفت أخيرا، لا آخرا، في المسؤول الصديق أحمد السيالة، أصالة الأدب حديثا ومعاملة، خفة الروح والمداعبة الرقيقة العالية، وكله في هدوء كنت أغبطه عليه.
في الذاكرة المزيد فلي عودة إن طال العمر.

مقالات ذات علاقة

الأسئلة غير المألوفة

محمد دربي

الصادقُ النيهوم في الأسر!

أحمد الفيتوري

أهم كلمة في اللغة التباوية

شكري الميدي أجي

اترك تعليق