“الطريق – كما نعرف – دربٌ إلى الغاية. والحائرون في الدروب هم المخفقون حقاً”
(عبدالله العلايلي مجلة الطريق ديسمبر 1961)
الأسئلة غير المألوفة (1)
لماذا بعض الدول والمجتمعات ريادية ومتميزة ومزدهرة ويزداد فيها التطور في شتى المجالات وبعضها الأخر يجدف في هذه الدنيا ويدور على الفاضي من دون هدف أو غاية او مضامين تنموية مثل تنمية المواهب العقلية والمعرفية والبحث العلمي وتتجاهل أهمية بنية الجودة التعليمية معرفياً وليس فقط لحصاد الشهادات والألقاب الأكاديمية مع الإنهيار الكبير في البنية التحتية الضرورية للإزدهار والإنماء إنهياراً ملموساً بصورة مزمنة واضحة بشهادة المثقفين والمتعلمين والمحللين السياسيين وخبراء المراكز الإنمائية حيث يتدمر الحجر والبشر في هكذا “دولة” أمام الأعين والبصر لا سر فيه ولا غموض إذ أحواله تستنطق وقائعه؟.
لماذا ذات نفس الدول وبالذات التي تدور على الفاضي منذ عقود طويلة خلت ويفيض فيها النفط بكيفية خيالية تفتقد وتفتقر إلى جودةِ بنيةِ المؤسساتِ العامة الحديثة والأجهزة الحكومية المتطورة التي تهدف إلى احداث إصلاحات واقعية وملموسة على جميع الصعد حتى يتسنى لها تحقيق انجازات تخدم الناس وتعزز من تطور الحياة الإجتماعية وتترعرع فيها الدولة من جيل إلى جيل؟
لماذا أجهزة البلد في هذا النمط الثاني تتحول إلى مصدرٍ للتربح وصيد الغنائم ونهب المال العام والحصول على منافع شخصية من دون محاسبة أو مساءلة وتجاهل آليات وتطوير كفاءة الأسواق وكفاءة سوق العمل وتطوير سوق المال عبر تدشين جهازية عالية من الأستقرار السياسي والرخاء الأقتصادي تجنباً للخسائر المالية والإقتصادية الهائلة والتخلي عن علاقات القرابة التي لا تبني دولة ولا تفرز تطوراً عصرياً ملموساً؟
لماذا في جلّ المجتمعات التابعة لهذا النمط الثاني استطاع بعض الشطار فيها من الشخصيات والعائلات والقبائل والعشائر ذات القوة والنفوذ أن يكونوا فرسانَ الريادة في الفساد المنهجي والنهب المبرمج، فما الذي جعلها زمرات شرسة اعتادت على امتيازات بلا حدود بل وسلطات لا رقابة لها ولا رادع استطاعت السيطرة على جلّ الأنشطة السياسية والإقتصادية والإعلامية بصورة استبدادية منظمة تمكّنهم من نهب الشعب والتسلط عليه دون حتى – سهواً – توجيه نشاطاتها للإستثمار البشري والإنفاق على القطاعات الخدمية كالكهرباء والصحة والإعانة الاجتماعية اسوة بمجتمعات الوعي الجاد القاصد حتى لا تتمادى في تدمير البيئة التحتية والذي في نهاية المطاف قد يؤدي إلى الكوارث وعاقبتها النهائية التي قد تقود إلى تدمير البشر فضلاً عن التلاعب والإستغلال وما هو أدهى وأخطر الذي يتمثل في هدم منطق المصلحة العامة؟
الأسئلة غير المألوفة (2)
لماذا في هذا النمط الثاني مقابل كل طفل حرم من التعليم وكل أسرة حرمت من الحياة الكريمة ومما هو جيد اجتماعياً كالطرق والجسور والمستشفيات والمنتزهات والحدائق العامة الآمنة والمسكن الصحي والرصيف المعبد ولكل ما هو نافع للجميع ايّ لمنفعة أغلبية الناس وسعادة بلادهم الدائمة ؛ نجد هناك سارقٌ محترفٌ يتفنن في السطو على الأموال العامة بكل الطرق التي تُعلمها مدارس اللصوصية والنهب دون – حتى بالكذب – المساهمة في تخصييص الموارد المالية في رفع مستوى النمو الإقتصادي والشروع في بناء بنية تحتية حديثة استجابة لمتطلبات العقل والمجتمع وما تقتضيه الضرورة تأميناً لرفاهية المواطن وللتطور والخروج من حالة التخبط الأمني والسياسي وهزالة البلد كدولة لتظل دولة تخلفية يحكمها الخراب والدمار متجاهلة بناء المشاريع العظيمة النافعة ودعم الأعمال المنتجة وجعلها تتمتع بحريتها أمداً مستمراً متراكما من جيل إلى جيل؟
لماذا فشل المثقف والمتعلم وأساتذة الجامعات واصحاب التخصصات العليا وزملاء مراكز التنمية والبحث العلمي والجهد الفكري في بلدان النمط الثاني من المساهمة المدروسة المستنيرة والفعالة في إحداث الإصلاحات السياسية ومشروع بناء الدولة والتحول الديمقراطي وضمان الحرية الفردية وتطوير أداء المؤسسات العامة والأجهزة الحكومية، فلماذا تفشل هذا الفشل المريع وتتحايل عليه بالسفسطة بكل إمكاناتها التعليمة والأكاديمية وتظل – في حلقة مفرغة – غير متفتحة على حاجات العصر والتطور ورفع المستوى المعيشي للناس وإقامة المشاريع العمرانية والاقتصادية لازدهار البلد وأمن البلد عبر نهج الحكمة وحسن التصرف في أموال العامة والتخطيط السليم؟
لماذا فشلت المؤسسات التعليمية والثقافية والسياسية والإنمائية في عملية بناء المعرفة البشرية وإعداد سوق عمل منتج لرفع مستوى المعيشة وتنمية المهارات الوطنية في أجندة تنموية مدروسة في شتى مجالات العلوم لمواجهة التحديات التي تعصف بمجتمعها وعلى جميع الصعد، لماذا تفشل في التوجه نحو التحول الدستوري والديمقراطي لتجاوز الوضع التخلفي القائم والإنفتاح العملي على المعرفة والعلم والإنماء وتجاوز أشكال التعسف والظلم والقتل وإراقة الدماء وامتهان كرامات الناس ومصادرة الحريات؟
الأسئلة غير المألوفة (3)
لماذا تفشل في النمط الثاني الجامعات بكل تخصصاتها والمؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية والإدارية والمؤسسات المهتمة بالشؤوون التاريخية والتراث للمساهمة في تصويب مسار البلد على نحو خلاق وتوفير الرؤى الهادفة والأفكار العلمية لصياغة سياسات تساهم في الخروج من أزمات المجتمع المتراكمة ومتواليات أيامه الثقال فلماذا مسألة الدولة ليست مسألة جادة وموضوعية وحيوية؟
لماذا المجتمع ذاته في النمط الثاني لا يمتلك إرادة الإنجاز الفعلي المتراكم والذي يتطور ويزدهر من جيل إلى جيل على أرض الواقع الملموس حتى تراه الناس رؤية الحق وتنتفع به وتستخدمه وتساهم به عملياً في إزدهار ذاته وليس مجرد الإعتماد على إرادة الكلام والعنطزة والمقالات الفضفاضة والخطابات الملتوية والبحوث المعلقة في سماوات الوهم وإدعاء التفكير الليبرالي ومنتوج أطنان الكلمات والمقالات والتي أكثرها يحجب الواقع .. فهل سيلٌ من الحبر البراق يجدي نفعاً إذا لم يصحبه أي نفعٍ للمجتمع أو أي نتائج ايجابية ترفع من مستوى المواطن وتساهم في عملية بناء الدولة والخروج من حالة الهشاشة وحالة انعدام التغيير نحو الأفضل من أجل تأسيس الدولة ؟
لماذا هذا التباهي في هذا النمط الثاني بعدد الجامعات ومبانيها الحديثة ومكتباتها الثرية بالكتب وتباهي العاملين بها وأساتذتها والتلذذ بالشهرة فيها خارج مجال الإبداع في إدارة الأشياء، في حين أنّها – حرفياً- فشلت في رفع مستوى الوعي العلمي والتطبيقي لدى صناع القرار ولدى طلابها ورفع مستوى الرفاه العام من خلال بناء بنية اجتماعية متنامية بموازات التطور والإزدهار العام لتوفيرأرضية ملائمة تراكم الدولة عليها التطور المستمر؟
الأسئلة غير المألوفة (4)
أليست في واقع الحال الجامعات والمؤسسات التعليمية ومراكز البحوث العلمية والمعاهد التربوية والمنصات الإكترونية والمواقع التعليمة والبوابات الإعلامية ، أليست هي خزائن المعرفة والعلم والبحث العلمي وأسس بناء الدول ووضع الخطط الإستراتيجية التي تقتضيها الضرورات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والأكاديمية والتنموية، بل أليس من مهام المتعلمين والمتخصصين فيها العمل الجاد على ايجاد الحلول المستعجلة للأزمات التي تمر بها مجتمعاتهم ولمواجهة المخاطر التي تعصف بها من كل حدب وصوب لتفادي زمناً غامضاً قد يكون في انتظار بلدان النمط الثاني يكشف عن البؤس في الإستقرار؟
لماذا ثقافة مجتمعات النمط الثاني تركز أكثر على الألقاب الأكاديمة والإهتمام بنيل الشهادات في الاختصصات المختلفة والتنافس المحموم فيها من أجل شغل الوظائف ونيل المناصب والدرجات العليا لإغراض شخصية للحصول على كل المكاسب المادية والمعنوية ومن دون الإهتمام الجاد في الشروع في عملية بناء الدولة ووضع هذه التخصصات في المجالات التنموية لجعلها دولة منتجة تؤمن مداخيل جديدة لهاومجتمع مفتوح أمام المستقبل؟
السؤال الأخير: لماذا هذه الأسئلة؟