جمعت أم درغوث أرملة إسماعيل كمالي أوراق زوجها التي لا يعلم إلا الله ما حوت من وثائق ومخطوطات نادرة ودراسات تاريخية فأرسلتها إلى فرن أتت ناره على حصيلة عمر هذا الرجل الذي قال فيه المؤرخ الإيطالي رودولفو ميكاكي : إنه أعرف من أي إنسان بتاريخ بلاده.
ولد إسماعيل كمالي في مدينة الخمس عام 1882. وهو أصغر ثلاثة إخوة ألفوا جميعا في التاريخ. فلأخويه محمود ناجي ومحمد فوزي كتاب بالتركية عنوانه [ تاريخ طرابلس الغرب ] أنجز في أواخر العهد العثماني الثاني وصدر عام 1914 .
عمل كمالي في أواخر العهد العثماني في وظيفة تدعى مميز بقلم المكتوبجية وبعد الاحتلال هاجرت أسرته إلى تركيا ثم عاد بعد بضع سنوات إلى طرابلس.
ولما دارت عام 1919 مفاوضات سواني بن يادم التي نعيش هذه الأيام ذكرى مرور قرن كامل على ثمرتها عين سكرتيرا للمفاوضات لمعرفته بالإيطالية التي تعلمها في مدرسة إيطالية قبل الاحتلال . وقد نال فيها شهادة الترجمة الرسمية. وكان يجيد العربية والتركية والإيطالية .
كان إسماعيل كمالي باحثا تاريخيا فذا استفاد من اتساع أفقه اللغوي فعكف على محفوظات القنصليات الأجنبية وعلى الوثائق والمخطوطات والدفاتر المحلية والعربية كدفتر يوميات الفقيه حسن وسجلات المحاكم الشرعية ورسائل أحمد القليبي واستخرح من هذا كله دراسات قيمة فكتب عن طرابلس تحت حكم قراقوش وبني غانية وعن وثائق نهاية العهد القرمانلي واختصر كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان ( ولم يطبع حتى يومنا هذا ولا أدري إن كان موجودا بعد ولا أعرف أن أحدا اطلع عليه غير الأستاذ علي مصطفى المصراتي) وأصدر دراسة عن سكان طرابلس الغرب نشرت عام 1916 أي قبل نشر كتاب إنريكو دي أغوسطيني الشهير بعام واحد.
وقد أشار الأستاذ التليسي إلى تنويه مقدمة كتاب دي أغوسطيني الإيطالية بدور كمالي في جمع المعلومات التاريخية.
كما استفاد من كمالي المستشرق الإيطالي إتوري روسي صاحب عديد الدراسات التاريخية عن ليبيا وأشهرها كتاب طرابلس من الفتح العربي حتى 1911.
وبفضل كمالي في تيسير السبل إلى المصادر العربية لتاريخ ليبيا اعترف رودولفو ميكاكي دهقان السياسة الاستعمارية التعليمية في ليبيا حين كان يصور الصعوبات التي واجهته للاستفادة من المصادر العربية لدراساته. وقد صدرت عام 1926 أولى دراسات ميكاكي هذه وعنوانها [مدينة طرابلس وطرابلس الغرب قبل الاحتلال الإيطالي] ، وقد توفي كمالي بعد شهر واحد من التاريخ المثبت في ذيل مقدمة كتاب ميكاكي المهم [ طرابلس تحت حكم الأسرة القرمانلية ] ولا ندري إن كان قد أدركه لاسيما وأنه سافر في مرضه الأخير إلى إيطاليا .
وجل ماكتب كمالي كان بالإيطالية. ولنقل جل ما وصلنا من إنتاج كمالي فقد جنت أم درغوث على تركته العلمية جناية عظيمة كما مر آنفا.
وإذا جاز أن يؤخذ على كمالي عمله في دوائر الإدارة الاستعمارية وتجنسه بالإيطالية وحمله لقب كومنداتور ، فإنه من شبه المجمع عليه أن هذا القرب لم يعد على بني وطنه عمليا إلا بالفائدة فلم يذكره المعاصرون له فيما بلغنا من أخباره إلا بالتبجيل والتوقير والعرفان بالإحسان في الأعمال التي أسندت إليه وأشهرها إدارة أوقاف القطر الطرابلسي وقد نظمت على عهده وأفاءت من الخير ما أصلح به مدارس أحمد باشا وعثمان باشا والكاتب بطرابلس والقايد عمورة بجنزور. هذا فضلا عن دوره في إنشاء مكتب العرفان في حوش بن حمادي بسوق الحرارة وكانت هذه المدرسة التي أنشئت بإعانات الأعيان والتجار إحدى أخطر ميادين المقاومة السلمية لتفسخ الهوية والذوبان في ثقافة المستعمر . وأصبح الوالي الإيطالي ذات يوم فأمر بإقفالها.
كما استغل كمالي وقف السور الذي أسند إليه في إنشاء المدرسة الإسلامية العليا ( ولعل عمارة الأوقاف أيضا بنيت من وقف السور ولست متأكدا ) وكان عضوا في مجلس إدارتها. تلك المدرسة التي قيل دائما إن الإيطاليين أرادوا بها سد الطريق دون الهجرة إلى مصر وتونس لطلب العلم والاتصال بالحركات والأفكار الوطنية. وقد شهد له ولإخوانه الشيخ الطاهر الزاوي قائلا : [ أمكنهم أن يوجهوها لمصلحة الوطن والمواطنين فاستفيد منها ].
توفي كمالي في مثل هذا اليوم 22 أبريل 1936 وأقيمت له جنازة مهيبة رسمية وشعبية بدأت بخروج نعشه من منزله بشارع ميزران إلى مقبرة سيدي منيذر في خلق كثير تقدمهم من الحكومة الاستعمارية كاتب عام حكومة ليبيا نائبا عن إيتالو بالبو وسار فيها أعيان طرابلس وعوامها وصلى عليه بالناس إماما قاضي طرابلس الغرب الشيخ محمود بو رخيص.
ورثاه السيد أحمد الفقيه حسن بقصيدة متوسطة الطول جاء
فيها هذان البيتان:
سار لله كمالي وانقضى * عمره والعمر عقبــاه نفـاد
وله في الله ظن حسن * نِعم حسن الظنّ زادا في المعاد.
المنشور السابق
المنشور التالي
بدرالدين المختار
بدرالدين مختار
مواليد طرابلس 1988
درسَ المرحلة الابتدائية في مدرسة 23 يوليو [المشهورة باسم مدرسة شارع الزاوية]، ثم المرحلة الإعدادية في مدرستي علي حيدر الساعاتي والتقدم. ثم المرحلة الثانوية بتخصصية علوم الحياة في مدرسة علي وريث.
واصل دراسته الجامعية في كلية الطب البشري حتى السنة الخامسة.
مؤسس ورئيس [نواة]؛ أول ناد لهواة القراءة في طرابلس بعد الثورة، وتأسس الناي في أبريل 2012، ومازال النادي قائماً.
أصدر بالتعاون مع أصدقائه في كلية الطب وأعضاء نادي نواة [صحيفة جالينوس]، وصدر منها 12 عددا شهرياً.
شارك في تنظيم مهرجان الكتب المستعملة عام 2013.
اشتغلَ بالصحافة بعد الثورة فترات متقطعة كان أبرز محطاتها موقع مراسلون وصحيفة فبراير، ومعظم إنتاجه الصحفي كان حوارات مع شخصيات سياسية.
يشغل الآن: وظيفة المدير التنفيذي لشركة طرابلس الغرب للخدمات الإعلامية، والشركة هي المنفذ لبرنامج أعلام ليبيا، باكورة إنتاجها المرئي. وقد كان عملها قبل ذلك مقتصراً على بعض أعمال الدعاية بالإضافة إلى إصدار صحيفة جالينوس.
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك