حاورتها/ حواء القمودي
تميز المشهد التشكيلي الليبي باقتحام المبدعة لشتى مجالاته، وسنجد أسماء كثيرة برزت منذ نهاية الألفية الأولى، وأكدت حضورها وفاعليتها في المشهد التشكيلي في قرننا الواحد والعشرين الذي يكاد يكمل سنواته العشرين، هكذا سنجد الرسم والنحت، وفي النحت سنجد «النحاتة» وأيضا «الخزافة»، مادة العمل الفني واحدة في النحت والخزف، لأن ما يجعل من هذا عملا خزفيا هو اللون، اللون هو السر في العمل الفني الخزفي، الفنانة ميسون عبد الحفيظ تحب الإنتماء إلى «الخزف» حيث تحصلت على بكالوريوس فنون تطبيقية، قسم الخزف من كلية الفنون والإعلام طرابلس، وشاركت في معارض محلية ودولية، وتحصلت على الجائزة الأولى عن طفئة الخزف «في مهرجان المرأة 2007.
حين أتأمل كائناتها الصغيرة أتساءل عن معنى وأبحث عن شكل، أعمالها تبدو مرتبطة «بالمتناهي في الصغر» كما يسميه «غاستون باشلار»، ثمة حميمية ودهشة تأخذني إلى عوالم الطفولة حيث « المكان الذي نحب». «رأيت قبل أشهر نموذجا لبيت غدامسي، وسألت لمن هذا العمل، وعرفت أن ميسون عبد الحفيظ هي من أبدعته، وكان سؤالي الأول عن هذا البيت..
فقالت: (بيت غدامس) هو قطعة من مجموعة قطع بمشروعي الخاص، مشروع بدأت محاولة تأسيسه عام 2005م، وهو حلم بإنشاء «أتيليه صغير» خاص بإنتاج القطع الخزفية، فكرتي وتصميمي تباع كهدايا تذكارية تحمل شيئا من ليبيا والبيئة الليبية، أي إنتاج ليبي محلي من الفكرة إلى التنفيذ».
وأحببت أن أناوشها، وأن أجسّ نبض الفنانة تجاه هذا التخصص..
فقلت: «الخزف يبدو كتخصص ترفيهي، معنّي بالديكور أكثر من الفن».
انسابت إجابتها وهي تحدثني عن العمل الفني الخزفي ثم انتبهت لتلك الجملة: الفخ «تخصص ترفيهي».. العمل الفني الخزفي هو رسالة إنسانية للارتقاء بالحواس وتوسيع الآفاق والرؤية الفنية، وهو منجز فني قابل للتفسير والفهم، فالأعمال الخزفية أحرزت تقدما في الفكرة والأساليب والتقنيات الحديثة، والبحث الدائم عن أفكار جديدة، بعيدا كل البعد عن المنجز التقليدي «النفعي» في الشكل والمضمون، حيث يشعر كل فنان بحرية كاملة في التعبير عن فكرته الخاصة، لقد كانت الحرية أهم خصائص الفن الحديث، وهذا أحدث تحولات كبيرة في المنتجات الخزفية المعاصرة،أضافت معاني وقيما جمالية للمنجز الخزفي.
وواصلت: «ماذا؟ الخزف تخصص ترفيهي، الخزف حرفة وفن وعلم، هي أقدم الحرف والفنون في تاريخ البشرية، وقد واكب مراحل تطور الإنسان عبر العصور حتى هذا اليوم، وحتى هذه اللحظة لم يُعرف أين ومتى بدأ هذا الفن، ولكنه وليد الصدفة والحاجة، فقد احتاج الإنسان الأول إلى أشياء يحفظ فيها السوائل والحبوب،ومن هنا تطور الخزف من أدوات وأوان نفعية إلى فن مايعرف بـ( Cermic art). والخزف لمن يجهل هذا المجال هو طينة يتم تحضيرها وخلطها بالماء حتى تصبح لينة وتشكّل منها نماذج وأشكال مختلفة، والتي تتصلب بالحرارة، بعد الحرق داخل فرن خاص بالخزف في درجة حرارة معينة، وهذه العملية تسمى «الحريق الأول»، وبعد خروجه من الفرن يطلى بطلاء زجاجي ويُدخل الفرن مرة أخرى «الحريق الثاني»، حتى يضفي على الشكل سطحا ناعما. فهل تستطيعين تسمية هذا تخصص ترفيهي؟».
أظل أتأمل عملا ما من أو منجز فني للفنانة، أتساءل عن سر التكوين وعن سر اللون، هكذا أتوجه بالسؤال: أعمالك الفنية هل تبدأ كفكرة في مخيلتك؟
أعمالي الخزفية هي أشكال وتصاميم تمثلني بالدرجة الأولى، كونها ترمز لشخصيتي، هي تناغم الذات المعاصرة مع ماضيها للتعبير عن الأنثي داخلي وماتحمله من آلام وأحلام، الفكرة ولادة روحية،أمّا اللون فهوأكثر أهمية في المنجز الخزفي ،كي يكون هناك تناغم في الكتلة والشكل العام لهذا المنجزالفني، فإن اللون ومايحمله من معان ورموز وقيمة جمالية هامة في أي عمل إبداعي، اللون حينما يطابق ويكمل الشكل، فإنه يرفع من قيمة العمل ليصبح ذا قيمة أعلى مما كان عليها قبل التلوين، أي كأن اللون هو تلك الروح الحرة التي أبدعت فكرة العمل وتتبعت التفاصيل، اللون كأنّه ملامسة الجوهر والغوص في الأعماق يمنح العمل قراءة أخرى وفضاء لامتناهيا من التفسيرات، الفكرة هي الشكل الحسي حيث أن قوة العمل تجسدها الفكرة،وهي بالتأكيد الغاية والمضمون، وبما أن الأفكار دائما تخضع للتطوير لذلك لانعثر على الإبداعات في صورة نهائية، فهي لابدّ أن تتغير وتتبدل أثناء عملية الخلق الفني، الأفكار المتولدة هي ناتجة عن تلقٍ وتأثر وانفعال، فالعمل الخزفي يحمل مضمونا تعبيريا لأنه مرآة صادقة للتعبيروللتأثير، وله معانٍ جمالية وفلسفية عدة تعتمد على شخصية الخزّاف وثقافته، كباقي الفنون التشكيلية الأخرى: الفنان ابن بيئته.
وأنا أقرأ سيرة الفنانة ميسون علي عبد الحفيظ، لفت نظري كلمة «المو نودام» حيث شاركت في مهرجان بمدينة نابل في تونس، فتساءلت (مونو دام)؟
(المونودام ) يعني المرأة الوحيدة في الفضاء الوحيد، وهو مهرجان يحتفي بالمرأة المبدعة في شتى مجالاتها الإبداعية.
إذا وأنت التي دافعت بشراسة عن الخزف، ورأيت به فضاء للبوح ورسم الألم والأمل، إلى ما تطمحين؟
لا أخفي عنك.. وأنت تركضين ورائي عبر الفضاء الافتراضي كيف نتوقف عن مواصلة الحوار «( ثمة حرب دارت على أطراف طرابلس) فأقول لك آسفة ع التأخير لما يكون فيه فوضى وحرب وضي مقطوع مش قادرة على التركيز ونفسيتي تتعب». ولاتصدك أجابتي: لوسألتيني قبل سبع سنوات أيام كان عندي طموح لكنت جاوبتك؛ فتقولين (الطموح لا يخلو من عثرات لكنه يظل يناوش الروح).. وأقول (لقد توقف طموحي، والسبب تدهور الوضع الاقتصادي والوضع بشكل عام)، ولكنك مقاتلة شرسة ياحواء تواصلين السؤال: روحك الفنانة لن تتوقف عن الطموح ياميسون. ولهذا سأجيبك: طموحي غير محدود الزمان والمكان، الرؤية المستقبلية تحتاج إلى نظرة متفائلة مهما كانت الظروف المحيطة سلبية، من هذه الرؤية لدي مشروع خاص أحاول تنفيذه الفترة القادمة.
سيرة ذاتية
ميسون عبد الحفيظ
بكالريوس فنون تطبيقية / قسم خزف
كلية الفنون والإعلام
شاركت في مجموعة من المعارض المشتركة داخل ليبيا منذ 2004,وحتى 2012م
تحصلت على الجائوة الأولى في فئة الخزف في مهرجان المرأة عام 2007م
شاركت في معارض دولية
معرض الفنانات المغاربيات : نابل /تونس2007م
ملتقى الفنانين التشكيليين العرب القاهرة 2012م
معرض جمعية الفنانات المغاربيات 2013م
مهرجان “المونودام ” نابل / تونس 2018 م