طيوب | حاورهم: رامز رمضان النويصري
من الدارج أن تتحول الأعمال السردية؛ من قصة ورواية، إلى أعمال درامية وسينمائية، لكن أن تتحول قصيدة إلى عمل سينمائي، هذا ما سنحاول اكتشافه من خلال هذه الحوار، الذي نلتقي فيه، الشاعر، والسيناريست، والمخرج.
في هذا الحوار، ركزنا على ثلاث مسائل أساسية: النص الشعري وعلاقته بالسينما، الكتاب المشهدية وتحدياتها، الرؤية الإخراجية لهذا النوع من الأعمال.
للدخول إلى عوالم هذا العمل، حملنا أسئلتنا والتقينا أقطاب العمل، في لقاء سريع، خاصة وإن الفيلم يشارك في مهرجان خارجي، ببريطانيا، كلنا أمل أن يحقق فيه حضوراً مميزاً
يوسف عفط: إلى أي مدى يمكن للنصوص أن تبدل جلدها؟
بداية التقينا الشاعر “يوسف عفط“، صاحب النص الفيلم (القصيدة السوداء)، للاقتراب أكثر من هذه التجربة.
بداية، هل فكرت قبلاً في أن تتحول أحد نصوصك الشعرية إلى عمل سينمائي؟
قبل سنوات كان تفكيري في الذهاب بالنصوص إلى أبعد من المقروء، فالصورة أكثر انتشارًا خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ولأني مهتم بفن الإلقاء تحديدًا، نشرت قصائدي على شكل فيديوهات، وقد حظيت بتفاعل أكبر، أنا لم أفكر في نقل نصوصي إلى شاشات السينما، ولكن ربما كان السؤال الذي يراودني، إلى أي مدى يمكن للنصوص أن تبدل جلدها؟ وكيف يمكن لنفس النص أن يكتبه شعراء آخرون بعيدا عن الانتحال والابتذال؟
لماذا (القصيدة السوداء) وليست غيرها؟
ربما هي ليست أفضل ما كتبت، ولكنها قصيدة ثائرة من ناحية، ومن ناحية أخرى هي محظوظة أيضًا، القصيدة السوداء؛ اختارت نفسها بنفسها عندما استطاعت أن تنبهنا إلى إمكانية تقديمها برؤية أخرى، بعد التناغم الذي حدث بينها وبين المتلقي، كان التفكير في فيلم (القصيدة السوداء) مشتركا بيني وبين المخرج الشاعر سيف الدين الهمامي، ثم أوكلت المهمة للسيناريست سفيان قصيبات .
في العمل كنت ممثلًا، كيف تقيم الأمر وأنت الشاعر؟ هل كان شخص يوسف من يمثل أم الشاعر؟
لقد كانت تجربة فريدة من نوعها، على الرغم من قصر الدور ، إلا أنني استمتعت جدا بالتجربة، أما فيما يتعلق بمن قام بالتمثيل يوسف أم الشاعر؟ فأنا لا أشك لحظة أنهما واحد، الشاعر يسكنني في أدق تفاصيل حياتي اليومية، وربما كنت محظوظا لأن الدور في الفيلم كان (الشاعر)، ولو كان السؤال متعلق بيوسف وأي دور آخر، لربما كان الأمر مختلفا.
كيف تقيم هذه التجربة؟ والذي أضافته لك في العموم؟
بالطبع هي تجربة جميلة، عندما ترى نصك برؤيا أخرى وصورة أخرى، وأنا راض عنها تماما، ولم أكن أخشي مآلات الأمور التي عادة تحدث عندما نخوض تجربة لأول مرة، وأعزو ذلك إلى أن النص استلمه مخرج شاعر، ورغم حداثة تجربته في مجال السينما إلا أنه يعرف جيدًا قدسية النص الشعري، ويعرف كيف يكون شاعرًا شرعيًا آخرا لهذا النص.
سفيان قصيبات: السينما الشعرية هي بمثابة امتداد لعلاقة الأدب بالفن
الوقفة الثانية مع الكاتب وأستاذ الإعلام “سفيان قصيبات“، الذي يمكن وصف عمله، بإعادة كتابة النص مشهديًا، أو كما ألمح “عفط”: أن ترى نصك برؤيا أخرى!
كيف جاءت فكرة تحويل نص شعري إلى عمل سينمائي؟
القصيدة السوداء؛ هي شكل من أشكال السينما تتداخل فيها الأجناس بين الفيلم الروائي والفيلم الشعري أو السينما الشعرية، وهذا لا يعني أن نعالج القصيدة سينمائيا، مثل فيلم “تروي” الشهير المبني على النص الشعري الملحمي لهوميروس في الإلياذة، بل هي سينما تفكير، فالمشاهد مطالب بأن يفكر ويحلل وأن يحس، كأهم سمة، مثلما يعبر إنجمار بيرجمان المخرج السويدي.
كما أن السينما الشعرية معالجة الفيلم بجميع أبجدياته معالجة شعرية من الجذور تتناص مع المفاهيم الشعرية، ومحاولة كتابة قصيدة ما بالأدوات البصرية. وهذا ما وضعته نصب عيني وفي خارطتي الذهنية عندما كانت فكرة النص تتولد عند الشاعر يوسف عفط في رغبته لتحويلها لفيلم رفقة المخرج سيف الدين الهمامي.
ما هي الأليات والتقنيات التي اعتمدت عليها في الكتابة المشهدية للعمل؟
النصوص الشعرية هي بمثابة امتداد لعلاقة الأدب بالفن فالسينما الشعرية لا تقتصر على الحوارات واللغة اللفظية فقط، وإنما تمتد إلى الصورة البصرية وما تملكه من قوة لتوليد حالة مشاعر تؤثر على المتلقي، وهذا ما يوجد في النصوص الشعرية أصلا، لهذا تعتبر السينما الشعرية من خلال فيلم القصيدة السوداء كتأسيس لبداية هذه المدرسة في ليبيا لأنها موجودة أساسا كمدرسة معاصرة في الفن السينمائي عالميا هذا لو أخدنا فيلم “أغنية الهند”؛ الذي اُفتتح بلقطة غروب الشمس وحوارات شعرية انتقلت إلى أغنية بعد دخول الليل مباشرة؛ ليستعرض بعدها مشاهد من أفلام اعتمدت على العناصر البصرية وما رافقها من مؤثرات صوتية أسهمت في تحقيق الإشباع الفني. فضلا على أن هذا النوع خرج من عباءة المسرحيات الشعرية والملحمية المعروفة في مجال المسرح.
هل هناك من مواصفات خاصة ليتحول نص شعري؛ بعينه إلى عمل درامي؟
أما عن الشروط وما إلى ذلك فخصائص السينما الشعرية؛ تتميز بكونها: لا سردية، وغير واضحة لخطوط الزمان والمكان، ومتجردة من الواقع، وتعتمد على الإيقاعية، فيما تستخدم الأدوات السينمائية كمحرك انتقالي بين الأحداث الزمانية والمكانية في الفيلم؛ متكأة على التقنيات المستخدمة في السينما الشعرية.
سيف الدين الهمامي: إذا أتيحت الفرصة والنص المناسب لما لا!
في ختام اللقاء، والختام مسك، التقينا مخرج القصيدة، “سيف الدين الهمامي”، الذي برغم حداثة تجربته الإخراجية، قدم عملاً روائيًا مميزًا. كما إنه شارك “قصيبات” في كتابة سيناريو العمل.
ألا ترى معي أن هذا العمل هو تحد من لحظته الأولى؟
لا شك أنه كذلك من حيث نوعه كفليم روائي، لكننا في الحقيقة لم ننتبه لحجم هذا التحدي إلا في مراحل متقدمة من العمل، كنا مشغولين بحماس الاشتغال والتجهيز للفيلم.
كيف تعاملت مع العمل، كنص شعري / وسيناريو؟
كنص شعري أعتقد بأنني أعرفه جيدا منذ سنوات، بل كنت شاهدًا على ولادته، وهذا ما اختصر عليّ الكثير من التحضير لكتابة السيناريو من حيث فهم النص في جوهره والإحاطة به بشكل كلي.
أما كسيناريو فقد مر بمرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى وهي الكتابة الأولية التي تولاها الصديق الكاتب سفيان قصيبات، حيث وضع حجر الأساس لهذا السيناريو كفكرة أولية وهي التي انطلقت منها للاشتغال على النسخة النهائية منه، في خط مختلف عن النص تماما وبأسلوب مختلف عن الشاعر، بل هو خط موازي للنص، يتنافذ معه لكنه لا يتقمصه.
أي أن الفيلم كقصة مستقل بذاته عن النص إلا أنه يستمد شرعيته منه. لأنه برغم تقاطع وتقارب السينما والشعر إلا أن آليات الاشتغال فيهما مختلفة.
كيف بنيت الرؤية الإخراجية لهذا العمل؟ وكيف تم تمرير رسائل الشاعر من خلال المشاهد؟
إخراجيًا حاولت بناء فيلم شعري كقصة وصورة، بغض النظر عن وجود النص، الذي كان دائمًا حاضرا في خلفية هذه العملية، أي أنني أبني فيلمًا في مجال أتاحه لي هذا النص، وهذا شكل نوعا من التحدي في خلق المعادلة الأنسب التي تحتوي هذه الرؤية.
بالنسبة لقضايا ورسائل النص، كانت حاضرة في كل رمزيات الفيلم، إما بشكل واضح أو مجرد، كل مشهد يكثف داخله الكثير مما يقوله النص.
يقال إن هذا النوع من الأفلام يهم النخبة؟ هل تتفق؟
هذا يعتمد على تعريفنا للنخبة، لكن بشكل عام وبالمفهوم السائد، نعم! هو كذلك، وأعتقد أن الفن عموما في جوهره نخبوي.
ختاماً، كمخرج؛ هل تعاود ذات التجربة مع نص شعري آخر؟
إذا أتيحت الفرصة والنص المناسب لما لا.