.
أعدتها للنشر: إيناس المنصوري
.
ولد في طرابلس الغرب سنة 1907 م وكانت تربيته بين أسرة اشتهرت بحب الثقافة والفن، كان والده قاضيا ً بالمحاكم بطرابلس، ثم نقل لخارج طرابلس في البادية، ولقد سببت التنقلات لهذا الفنان آثارا ً غنائية ظهرت واضحة في أكثر إنتاجه الغنائي.
بدأ تعليمه في مدرسة تركية بالزاوية وذلك عندما كان والده مقيما ً بها، ثم أنتقل إلى مكتب العرفان بطرابلس فدرس فيه اللغة العربية على يد الشيخ الطاهر الزنتانى، ثم انتسب إلى كتاب سيدي عطية بالمدينة القديمة، وعن طريق شيخه حفظ بعض الأجزاء من القرآن الكريم، ثم ألتحق بكلية أحمد باشا فاطلع على التاريخ الإسلامي، وعن طريق هذه المراكز العلمية ارتفع مستواه الثقافي والديني، أما الجانب الغنائي فلقد بدأ عن طريق تشجيع عائلته للغناء، وخاصة خاله ” محسن ظافر” الذي علمه الأنغام العربية والليبية وجعله يعزف على العود والكمان.
عندما شعر بمقدرته الفنية انضم لفرقة غنائية صغيرة أقامت حفلاتها في الحفلات والأعراس، وظهرت في الفترة ملكته الفنية والصوتية فالتف حوله المشجعون و المعجبون، الذين أعجبوا كثيرا ً بطربه وعزفه، وبعد مدة قصيرة أخذ يذيع أغانيه بطريق الإذاعة الايطالية العربية بطرابلس فنجح نجاحا ً باهرا ً، وكانت الإذاعة تذيع حفلاتها مباشرة من الميكرفون إلى المستمعين الذين كانوا يتجمعون في المقاهي العامة لسماع أجهزة الراديو، وكانت أيضا ً لا تسجل الحفلات على أشرطة وأسطوانات مما سبب ضياع هذه الثروة لفنية الليبية، وطبيعي كان القصد من إنشائها الدعاية المزيفة لترغيب الاستعمار الايطالي ومحاربة أعداءهم.
ولكن رغم طبيعة عملها المزيف فلقد شجعت الغناء الليبي وأوجدت له مشجعين حافظوا على الغناء الليبي قبل وبعد الاستقلال، ولولا هؤلاء الحفاظ لما عرفنا شيئا ً عن الغناء الليبي في السنوات التي سبقت الاستقلال.
لقد أدى هذا الفنان كثيرا ً من الأغاني الليبية عن طريق هذه الإذاعة الصغيرة وأصبح مطرب الشباب فعلا ً في تلك الفترة، إلا أنه شعر بالمضايقة المستمرة من إدارة هذه الإذاعة، كما شعر أيضا ً أن السلطات الإيطالية بدأت تحترس منه فاضطر للسفر على تونس وبصحبته زوجته، في سنة 1924 حيث لم يزاول الفن في بداية إقامته بها، أنما دخل مجال الأعمال الحرة كالحلاقة وصناعة المحافظ الجلدية، إلا أن التونسيين عندما سمعوا بهذا الفنان الليبي الذي سبقت شهرته الفنية إليهم، التفوا حوله وشجعوه، مما اضطر للرجوع إلى الغناء، حيث سجلت أسطوانات غنائية انتشرت في تونس، وبعدها اشترك مع الفرق الغنائية التونسية التي لحن لها بعض الأغاني وفى تونس افتتح محلا لبيع وتسجيل الأسطوانات الليبية أسماه محل”فهيمفون” وعن طريق هذا المحل شجع الفنانين التونسيين لتسجيل وتوزيع أغانيهم، وبهذا العمل قام بأعظم تشجيع ودعاية للأغنيتين الليبية والتونسية خارج وداخل بلديهما، ولم يكتف بالنشاط الغنائي الذي بذله في تونس، وإنما سافر إلى المغرب والجزائر وباريس حيث أقام في هذه البلدان حفلات غنائية ومسرحية، ولكي ندرك التقدير الذي حصل عليه هذا الفنان يكفى أن نعلم أنه قام بتلحين الأغاني الموجودة في فيلمي “معروف الاسكافي” و “ابن الحظ “، وأنه حظى بثقة جمعية الفنانين بباريس التي ساعدته ليكون عضوا ً بارزا ً فيها كما تعلم أثناء قامته بهذه المدينة النوتة الموسيقية عن طريق الفنان الأرمنى المشهور في ذلك الوقت “تتك”.
كما أنه حظي بتناول الصحافة في المغرب العربي لأعماله الفنية وبإجراء المقابلات معه، كما قامت الإذاعات العربية والعالمية في لندن وباريس وبرلين وتونس ومراكش والجزائر بتسجيل بعض الأغاني الليبية القديمة من ألحانه وأدائه.
هذا من الناحية الفنية، أما من الناحية الأدبية فلقد نشر كتابا ً سماه ” صحيح الأغاني” جمع فيه الأغاني المشهورة ذلك الوقت، ولقد ظهرت سلسلة هذا الكتاب الهام مابين الفترة الواقعة من سنة 1939 إلى سنة 1946.ولهذه السلسلة أهميتها الآن عند الدراسة الفنية لأنها تقدم لنا صورة طبق الأصل من الأسلوب الفني في تلك الفترة كما توضح لنا أسماء المرطبين والملحنين والمؤلفين. ومن أشهر أغانيه التي تغنى به مطربين من عدة دول وأعمار مختلفة، فقد غناها الهادي الجوينى، من بعده لطفي بوشناق، علاء زلزلى من لبنان.
قالوا لي اللي يغيروا منى هالطفلة إيش عجبك فيها
قلتلهم لجهلوا فنى
خوذوا عينى شوفوا بيها
في عينى تضوى كالقمرة انناجيها وهى في سماها
وهما يوقولى هالسمرة
إيش فيها حتى تهواها
من تأليف الفنان بشير فهمى فحيمه وألحان “الهادى الجوينى” : **
تحت الياسمينة في الليل نسة والورد محادينى
والأغصان عليها تميل تمسحلى في دمعة عينى
والجدير بالذكر بأن هذا الفنان لم يهجر نهائيا ً بلاده من زمن الاحتلال الايطالي وإنما كان يأتي لطرابلس مرات عدة في كل سنة، اشتغل خلالها مطربا ً ومؤلفا ً وملحنا ً بالإذاعة الايطالية العربية بطرابلس وفى تلك المدة حدثت له مضايقات كثيرة من جانب المسئولين بالإذاعة ومن جانب الفنانين ربما لما حققه من نجاح خارج حدود بلاده ومن هذه المضايقات أن أحد المسئولين بالإذاعة رفض التعاون معه.
وفى سنة 1950 رجع الفنان بشير فهمي فحيمه إلى طرابلس بعد غياب طويل عن وطنه، إلا أنه بقى بعيدا ً عن الغناء أكثر من عشر سنوات من سنة عودته حتى سنة 1960م وخلال تلك الفترة اشتغل بمجلة طرابلس الغرب وجريدة طرابلس الغرب ومجلة الإذاعة ونشر مقالاته وزجله الجديد على صحيفة الرائد ومجلة ليبيا الحديثة، ثم تولى رئاسة القسم الموسيقى بالإذاعة المسموعة حيث سجل بعض الأغاني الليبية، ولحن لغيره من المطربين بعض الأغاني الأخرى، ونظرا ً لظهور تطور جديد في الأغنية الليبية بقيادة بعض الشباب الجدد، فقد شعر أن هذا التطور لا يتلاءم مع التزامه بالأغنية الليبية الأصيلة فاضطر لترك الفن مرة أخرى والتزم بالكتابة الصحفية الفنية.
أخذ الفنان بشير يميل للعزلة والإنفراد نفسه بعد تقدمه في السن وبعد ما داهمه المرض وخاصة ارتعاش أصابع اليدين وصعوبة المشي، ورغم هذا فقد امتاز بابتسامته الدائمة ونكاته الرائعة وكلماته الفنية، ورغم اهتمام الدولة بعلاجه في تلك الفترة إلا أن حالته الصحية كانت في تدهور حتى وفاته في سنة 1973، بعد أن قضى حياته عاشقا ً للفن.
_________________________
نقلا عن كتاب: “بشير فهمي حياته وفنه، عبد الرازق محمد أبوقرين (طرابلس، سلسلة كتاب الشهر، 1972) و كتاب “صور من الفن الليبي، عبد الرازق محمد أبو قرين (طرابلس، اللجنة العليا لرعاية الفنون والآداب، 1966).
عن موقع جيل ليبيا