العون .. الحظ .. لعلَّ منشأ الكلمة جاء نتاج هتاف أحدهم فرحًا بحظٍّ سعيدٍ راقَ له، ابتسمَ له، ثم صارت تصغَّر على سبيل التحبُّبِ (يا اعويني) تصغير لـ (عون)، وتقول فرحًا بالحظِّ السعيدِ، لكنَّه تقالُ أيضًا على سبيل التقريع، كأن تقول الأمُّ لابنها أو بنتها الذي أساء الخلق معها ( يا عوني بيك ..!) وهنا أعطى التعبير الشعبيُّ معنى عكسيًّا لكلمة على سبيل السخريَّة، وندب الحظِّ العاثر..!
والعون من الإعانة وهو ما يعين المرءَ على تحقيق رغباته، وتلبية مطالبه، لذا كان أهلونا يطلقون اسم (عون) على أبنائهم تفاؤلاً.
وللعون؛ الحظِّ السَّعيدِ ريحٌ تروح به وتجيءُ، تحمل البشرى لأصحابهِ، أهل العونِ المحظوظين، يقول الشاعر الشعبيُّ متمنِّيًا أن تكون ريحُ العونِ رسولاً بينهُ وبينَ حبيبتهِ:
لو كان ريح العون يهديه اللهْ … ايشيله سلامي للحبيب ايقلَّهْ
بينما يقولُ الشاعر ابريك ابريدان، متمنِّيًا أن يحظى بتلكم المزيَّة الفريدة وهي مصابحة الحبيبة طويلة الشعر، لتغدوَ بها أيامهم سعيدة:
(يا اعوينكم يا هلها.. وأنت تصابحوا في اللي اطوال خجلها .. مسعد أيَّامكم)
ويقولُ الشَّاعرُ الرَّويعي موسى متضجِّرًا منَ الحالِ المحزنةِ التي آلت إليها البلادُ:
يا عون من هَجَرْ وطن شانن أنفاسه .. علي قيس راسه .. و رونق مع ناس من غير ناسه.
وريح العون هذه هي الريح المباركة التي تأتي بما في قلب المرء من أمنياتٍ، ليس كتلكم التي نبذها المتنبي:
ما كلُّ ما يتمنَّى المرءُ يدركُهُ … تأتي الرِّياحُ بما لا تشتهي السُّفُنُ
إنما هي الريحُ التي تحطِّبُ للمرءِ، صاحبِ السَّعدِ دونَ عناءٍ ( أصحاب السَّعد اتحطِّبلهم الريح )، وأصحابُ السَّعدِ هم أصحاب الحظِّ الحسنِ، أي أصحاب ( العونِ ) يا اعوينهم !!
وتقول الرُّباعية الذائعة الانتشار :
إن كان قابلكْ (عون) ذرِّي .. ما في المواناه خيرهْ.
وإن ما قابلك (عون) خلِّي تبنَهْ امغطِّي شعيرهْ
وفيها دعوةٌ واضحةٌ لاغتنامِ الفرصِ، والاستفادة منَ الظروفِ الحسنة المواتية دونَ تردُّدٍ أو تراخٍ، كأنها تلخِّصُ بيتَ الشِّعْرِ العربيِّ:
إذ هبَّت رياحُكَ فاغتنمْها … فإنَّ لكلِّ خافقةٍ سكونْ
ويبقى العونُ يبتسمُ لكلِّ المحظوظينَ، وتظلُّ رياحُهمُ الطَّيِّبةُ تهبُّ عليهم، تحطِّبُ لهم .. وألسنة الناسِ إمَّا فرحًا أو حسدًا لهم تلهج (يا اعوينهم..!)