القاصة الليبية رحاب شنيب:
أنا لا أكتب إلا نفسي
حاورها: عبدالرحمن سلامة
القاصة والشاعرة الشابة رحاب عثمان شنيب التي أبصرت النور في مدينة بنغازي وتلقت تعليمها فيها حتى تخرجها في كلية الصيدلة هي شاعرة رقيقة وقاصة متفردة منذ أن كانت تزين مدرجات الجامعة حتى أن زميلاتها كن يطالبنها دائما بأن تسمعهن أعمالها فكانت حروفها ذات تأثير خاص.
أحبت الأدب وحفظت الكثير من القصائد، وعشقت السرد فظهرت قصصها الشعرية في نصوص غاية في الروعة، شاركت في أنشطة الجامعة فلم تكن تمر أصبوحة أو أمسية أدبية إلا وزينتها، كتبت أيضا الشعر الغنائي ولحنت بعض أعمالها وكثيرا ما تردد في بعض المهرجانات المدرسية، فهي قاصة شابة وموهبتها فرضت نفسها، فقد قال عنها القاص سالم العبار عندما أرسلت بقصة لم تكتب اسمها عليها إن القصة كشفت عن قاص موهوب يجيد توظيف تقنيات الفن القصصي، وقال عنها أيضا الكاتب مفتاح العماري عندما تجاوزت حدود بنغازي وأرسلت بكتاباتها إلى صحيفة الجماهيرية ان نصوص الكاتبة رحاب شعرا ونثرا تضعنا أمام تجربة طموحة تتكئ على صدقها فهنيئا لرحاب بوعد الكتابة، تحصلت على الترتيب الأول للقصة القصيرة في المسابقة الفكرية الأدبية على مستوى الجامعات في دورتها الحادية عشرة، ورشحت لنيل الترتيب الأول لجائزة عبد الله القويري للقصة منذ عدة سنين، والآن أصبحت القاصة والشاعرة الشابة رحاب شنيب لها مكانتها، وصوت نسائي مميز ومحط إعجاب الكثيرين داخل وخارج الجماهيرية ولقد كتب عن تجربتها العديد من النقاد خصوصا بعد صدور كتابيها..
* كيف تلمست رحاب شنيب طريقها للأدب والكتابة؟ وهل ثمة مشجع لها؟
– لا أعرف كيف ولماذا، كل ما أتذكره هو شغفي بالكلمات التي كانت تعبر دربها في داخلي وتؤثث بيتا لثرثرتها، كنت ولا زلت أحب الإنصات إلى حديث العجائز يغزلن في خيالي حكايا مخضبة بالدهشة فتورق في أعماقي أشجار الرؤى وعندما عانقت القلم لأهبه بوحي غردت عصافير التوق في وجداني ولازالت تغرد حتى يومنا هذا. من الأهل لم يعارض رحاب أحد ولم يكن تشجيعهم مدويا فهو فرقعات من كلمات الاحتفاء ولكني لن أنسى زوجي الذي وهبني الحرية المطلقة والثقة التامة والذي يحتمل الكثير من ثرثرتي، ومن الكتاب القاص سالم العبار الذي لا أراه كثيرا في المناشط الثقافية لذا سأبعث له منشورا ضد غيابه والشاعر مفتاح العماري وأقول له حضورك باذخ وكلنا نشتاق إليك والقاص محمد الأصفر وأقول له نلاحق النجمة التي تقودك والكاتب حسين المزداوي وأقول له وإن كنت بعيدا عن الوطن لك مكان في القلب.
* أنت شاعرة رقيقة وأيضا في الآونة الأخيرة برعت في كتابة القصة القصيرة، فهل رحاب قاصة وشاعرة أم شاعرة وقاصة؟
– بعضهم يقول تكتبين الشعر والبعض الآخر يقول تكتبين القصة وأنا لا أكتب إلا نفسي، بوحي هو امتداد وجعي، انكساري، أمنياتي، فرحي، إحساسي بالآخرين وتسكعي في شوارع الوطن، لا أستطيع أن أفرق بين كلتيهما كما لا أستطيع التفرقة بين أبنائي فتبقى دائما الكلمة هي الفاصل والمعنى هو الذي يبقى وبعيدا عن المسميات التي لا تعني لي شيئا فأنا رحاب ورحاب.
* نلاحظ أن الكثير من الشاعرات لا يحبذن كتابة الشعر العمودي في الوقت الذي نرى فيه الشعراء الشباب يكتبون الشعر العمودي كيف ترين هذا الأمر؟
– لا أستطيع أن أسلط الضوء على هذا الموضوع فهو يحتاج إلى دراسة وتحليل منطقي يلزمه الوقت والبحث، ولكنه يظلُّ سؤالا جديرا بالاهتمام، ربما لأن النساء يحاولن كسر كل القيود وكل ما يجبرهن على البقاء في قالب يُضيق أنفاسها أو هناك احتمال آخر فالنساء عادة لا يكن على ارتباط مع بعضهن مثل الشباب الذين يجدون من يبحر معهم في بحور الشعر فتظل الشاعرة متناثرة في فضاء البوح و ليس لها إلا هذا البراح الفسيح من الإفصاح بما يغمر قلبها من المشاعر بعيدا عن قيود الشعر العمودي.
* بمن تأثرت الشاعرة والقاصة رحاب شنيب؟ ولمن تقرأ؟
– تأثرتُ بالكلمة وأقرأ الكتاب الذي يقع بين يديّ.
* في رأيك ما الذي ينقص الصوت النسائي الإبداعي في ليبيا لكي يصل إلى مستوى أكثر تقدما؟
– احتياجات الصوت النسائي الإبداعي تقع معظمها ضمن احتياجات الصوت الإبداعي الليبي الذي لا يزال يتأوه في الحلق والذي يحتاج إلى الكثير لكي يصل إلى مستوى أفضل ويخرج الصوت صادحا في فضاء الإبداع ولا يمكن فعل ذلك إلا بالتخطيط والتنظيم الدقيق وتوزيع فرص المشاركات بالنسبة الى المبدعين كما يحتاج الصوت النسائي إلى أجواء فاضلة يسود فيها الاحترام و التقدير كي تتمكن النساء من الانطلاق بحرية دون أي منغصات تعرقل إبداعهن.
* هناك من يرى أن النقد الأدبي في ليبيا دون المستوى الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى المادة الأدبية؟
– القضية ليست في النقد الأدبي وإنما تكمن في المشهد الثقافي بأكمله فهو مصاب بالصدوع إثر زلازل الصراعات الداخلية والتي تؤثر سلبيا على المشهد الثقافي كما أنه لا يوجد ترابط ولا توجد خطط من أجل تفعيل هذا المشهد فكيف يكون النقد خاليا من الأمراض إذا كان النتاج الأدبي مصابا بها فهناك سوء توزيع في الكتب الأدبية الليبية وعدم تعريف بالمبدعين الليبين وعليه يمكن القول إنه يوجد نقاد متميزون يضيعون وسط غير المتميزين ووسط هذه الفوضى مثلما الشعراء وغيرهم كما أن كثيرا من النقد مغلف بالمجاملات أو المشاحنات وهذه هي أحد المشاكل التي تكدر صفو مشهدنا.
* ما الذي تطمح إليه رحاب شنيب على مستوى الإبداع؟
– أن أبوح بما يهمس به فجر أشرق في أعماقي وأن تكون الكلمة التي أكتبها بوحا يدغدغ مشاعر محبي الوطن والخير والحرية.
* المؤسسة العامة للثقافة تحاول هذه الأيام تأسيس وانجاز خطوات مهمة من أجل النهوض بالثقافة الليبية، في رأيك ما الذي ينقص المشهد الثقافي الليبي ويقع على عاتق المؤسسة وكيف نصل بمشهدنا الثقافي إلى شاطئ الأمان؟
– أول الخطوات هي البحث عن الأكفاء وتسليم المهام لمن يستحقها، والقيام بمسح ثقافي شامل لجميع مبدعي ليبيا وتفعيل رابطة الأدباء ، وإقامة مهرجانات كبرى والتكثيف من الأمسيات الأدبية وأن لا تكون مقتصرة على البعض، الاهتمام بالنقاد، إقامة مسابقات أدبية على مستوى الجماهيرية، وما ينقص مشهدنا الثقافي هو أن نبرز الصورة ونبعد عنها كل ما يحاول تكدير إطلالتها، أن تكون الخطوات مدروسة دراسة جيدة وتعطى المهام لمن هم أهل لذلك وأن نعمل من أجل هذا المشهد بعيدا عن المصالح الشخصية، ولن نصل بمشهدنا الثقافي إلى شاطئ الأمان إلا بعد أن نحب ليبيا ونعمل من أجلها بعيدا عن حب الذات الذي يقتل فينا كل جميل.
* حسب رأيك متى يسقط الكاتب؟
– يسقط الكاتب عندما يلتهمه الغرور وعندما يقول ما لا يفعل، فالكاتب هو الذي يعبر عن الناس ويقول ما لا يستطيعون قوله وعندما يتعالى عليهم لن يصبح منهم وعندما يقول ما لا يعمل به فهو يخونهم.
* هناك معارك وهمية تدور رحاها على الشبكة بين كتاب وأدباء ليبيين من هم ضحايا هذه المعارك؟
– الكتاب والأدباء الليبيون هم أول الضحايا وليبيا بمشهدها الثقافي الذي يفترض أن يكون أحد دعائمها هو ضحية أخرى ولا ننسى الشعب الليبي الذي يضيع بين صراعات مثقفيه.
* أنت متخصصة في علوم الصيدلة فهل الحالة الإبداعية التي تعيشينها هي وصفة ناجعة من صيدلانية لمتيمة بالأدب والشعر والقصة؟
– الامتزاج في الحياة اليومية بجميع متطلباتها وانحشارها في انفعالاتك من أكسدة مشاعرك وتذبذب أحاسيسك هي التي تصهر الكاتب في بوتقة البوح فالكاتب الذي يتفاعل مع من حوله هو الذي يستطيع أن يصرف الوصفة الطبية بنجاح.
* كيف توفقين بين عملك كمبدعة وبين عملك كصيدلانية وبين أعبائك الأسرية؟
– أعاني من صدمات كهرباء الوقت الذي يتسلل مني ببراعة نتيجة الضغط العالي ولكن الحمد لله وكل ما أتمناه أن لا أقصر في مسؤوليات البيت.
* حدثينا عن مشاركاتك داخل وخارج الوطن؟
– مشاركاتي في الخارج معدومة وأهم أسبابها الظروف الاجتماعية فعدم اقتناعي بالسفر دون محرم حرمني من بعض المشاركات الخارجية التي أتيحت لي ولم أندم عليها لأني أقتنع بذلك والحمد لله، أما بالنسبة الى المشاركات داخل الوطن فقد شاركت في معرض طرابلس المحلي 2006 وفي مهرجان زلة للقصة والشعر 2008 وفي معرض طرابلس الدولي 2007 وشاركت في العديد من الأمسيات في مدينة بنغازي، أيضا في مهرجان الفاتح للشعر 2008 ومهرجان المرأة و مئوية الأسطى عمر 2009.
* لماذا تكتب رحاب شنيب؟
– عندما نتساءل لماذا نكتب نقتل طفلا يحبو في مخيلتنا يثرثر لنا برؤاه ونسجن عصفورا يغرد في فضاء الدهشة يهبنا براحا من التوق ونسرق اللذة من أفواه مشاعرنا فلا نتذوق إلا جفاء هذا السؤال، الكتابة احتياج دائم كالماء والهواء ولعنة نتلذذ بسطوتها، هي كون آخر نحب أن نؤثث فيه عالمنا الخاص فلا يمكننا طرح هذا التساؤل لأنه يقتل لذتها.
* ماذا يمثل الرجل في حياة الشاعرة والقاصة رحاب شنيب؟
– الرجل هو الرجل أيا كانت صفته يظل بينه وبين رحاب المودة والاحترام.
* ماذا بعد الفستان الأبيض وسكرة الحياة ؟
– ‘الفستان الأبيض’ عن مجلس الثقافة العام و’سكْرة الحياة’ قصائد عن اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام وهناك بعدهما مخطوط شعر ‘النزف قلقا’ ومخطوط قصص قصيرة جدا.
* كثير من قصصك تتخللها حوارات فهل فكرت في كتابة رواية؟
– هي قيد الإنجاز وقيد الكسل والتوعك تبحث عن متسع للوقت، عن هدوء تفقده رحاب هذه الأيام فهي لازالت في مخاضها.
* في رأيك ما الذي يشكله عزوف الناس عن القراءة لدى الكاتب؟
– عزوف الناس عن القراءة هو مشكلة وطن بأكمله ومن هنا تقع على الكاتب مسؤولية أكبر وجهد أكبر فاهتمام الكاتب لا يتركز في عدد من يقرأون له بل في مدى أهمية ما يكتبه وأيضا هناك مسئولية كبيرة للمؤسسة العامة للثقافة في هذا المجال.
* ما الذي تقولينه للمؤسسة العامة للثقافة، وللهيأة العامة للصحافة، وللرابطة العامة للأدباء لصحيفة الجماهيرية؟.
– المؤسسة العامة للثقافة: نحتاج إلى الكثير مثل الجوائز الأدبية والمهرجانات التي على مستوى أعلى والاهتمام بالمراكز الثقافية في جميع مدن الجماهيرية وتفعيل نشاطها وتفعيل اتصالها ببعضها والتركيز على المبدع الحقيقي الذي هو أحد ركائز تقدمنا.
المؤسسة العامة للصحافة: أسكن في الهواري في مدينة بنغازي وعندما أريد اقتناء الصحف يجب أن أذهب إلى وسط المدينة وأحيانا أجد البعض والبعض الآخر لا أجده وعندما أسألهم عن سبب اختفاء البعض يقولون ليس هناك طلب عليها.
صحيفة الجماهيرية : صحيفة شهدت بداياتي تظلّ دائما في الذاكرة.
* كيف ترين الحركة النقدية في ليبيا؟
– الحركة النقدية تتبع الحركة الأدبية مصابة بالتخثر وتحتاج إلى أدوية سيولة.
* كلمة أخيرة؟
– أشكرك جزيل الشكر وتحياتي للمبدعين الحقيقيين والصادقة كلماتهم الذين يكتبون من أجل الحرف المنور.