شاعرالمحكية الصيد الرقيعي
الشعر الشعبي: وصل إلى طريق مسدود
أنا رجل منحاز للحداثة ولدي آراء متطرفة قليلاً
بعض أخر يقول: من يستمع إلى شعرك ؟
حاوره: خالد محـمود
شاعرنا هو الحالم بواقعية جديدة يفرضها عصر جديد، ذو معطيات تختلف عن تلك التي أشعلت في الماضي مشاعل الأدب والفكر وأسهمت في كتابة التاريخ، لكنه بحسب وجهة نظر شاعرنا المشاغب تاريخ قديم لا يعنينا نحن المجددون في شيء على الإطلاق إلا الاكتفاء بالنظر خلاله دون نقله مرة أخرى أو اجتراره.
هذه الأفكار حركت فيا شعور الصحفي الباحث عن الحقيقة فبحثت عن الأستاذ الشاعر “الصيد عبد السلام الرقيعي” فقيل لي أنه يعيش في مدينة طرابلس وعرفت أيضاً أنه من سكان قرية تسمى (الرقيعات) تبعد عن طرابلس حوالي ثمانين كيلومترا، وعرفت أيضاً أن شاعرنا تحصل على ليسانس لغة عربية من إحدى جامعات بنغازي وهو الآن يعد أطروحة ماجستير بعد أن أجتاز الدبلوم بنجاح، شاعرنا واسع الإطلاع كتب باللغة العربية الشعر العمودي ويحفظ المعلقات السبع، ثم عاد للعامية متأثراً بـ”صلاح عبد الصبور” و”بيرم التونسي”، ويعتز كثيراً بالشاعر الشعبي “عبد السلام الحر”، ولديه وجهة نظر فالشعر الشعبي فيقول عنه: أنه وصل إلى طريق مسدود لم يعد هناك جديد ليقدم وحتى وصفنا للفتاة بالغزال أو الريم أصبح وصف بالي لا يتناسب مع مكونات العصر الجديدة: الفضائيات، الانترنت،الموبايل، السيارات الفارهة والبيوت الفخمة وغيرها من سبل الحياة الرغد.
استطعت بعد مجهود ليس بالقليل أن أجري معه حديثاً عبر الهاتف وكنت قبلها أطمح أن يكون لقاءاً عبر الإذاعة المسموعة ولم يكتب له نصيب فوجدت في موقع اجدابيا نت البراح المناسب فاستودعته هذا اللقاء.
خالد: ألو.. ألو…..
الصيد: أيوه.
خالد: مرحبا أستاذ الصيد الرقيعي.
الصيد: نهارك طيب، عاش من سمع صوتك
خالد: الله ايسلمك..
الصيد: كيف حالك وحال الأسرة وكيف حال طبرق.
خالد: بخير الحمد لله، أستاذ الصيد لقد عثرت على صورة لك في موقع بلد الطيوب، هل هذه الصورة يظهر من خلالها عمرك الحقيقي.
الصيد: (يضحك) نعم.. وأيضا بالموقع ديواني (في غفوة السرداب)
خالد: كم عمرك الآن ؟…
الصيد: خمن ؟..
خالد: خمسين سنة ؟
الصيد: ليس تماماً، سبعة وأربعون سنة هو عمري الآن.
خالد: أنت لا تزال في عنفوان الشباب. الصيد: ( يضحك ) الحمد لله.
خالد: المتجول في أشعار الصيد الرقيعي وقصائده العامية تستوقفه كلمات كثيرة يغيب عنها الأمل وتسكنها الحرقة والألم والقطيعة، ويلحظ أيضاً حدةً واضحةً في أشعارك.
الصيد: نعم صحيح، معروف عني أنني رجل حاد التفكير وفي أرائي نوع من التطرف.
خالد: ما سبب هذه الحدة وهذا التطرف ؟
الصيد: أشياء كثيرة يمكن أن أقول إنها تجارب حياتية مختلفة عشتها أنا شخصياً أكسبتني هذه الحدة التي يسميها البعض (الثورة العارمة) أوالرغبة الجامحة نحو الجديد.
خالد: ماذا تقصد وضح لنا أكثر ؟
الصيد: أنا رجل منحاز للحداثة ولدي آراء متطرفة قليلاً مما دفع بعضهم إلى القول بأنها هي السبب الأساسي في عدم انتشار الصيد الرقيعي، أنا رجل قليل الاهتمام بالتراث يدعو إلى القطيعة مع الماضي أنا رجل يقول أن الماضي لا يعنيني في شيء، أنا أراهن على المستقبل وعلى الحاضر.
خالد: ما رأيك في القول الشائع لولا الماضي لم يكن الحاضر والإنسان لا يستطيع تجاهل التاريخ ؟
الصيد: أنا معك، الماضي يكون شيئاً جيداً إذا أخذته كمنطلق، تتخذه كذخيرة كزاد.. لا أن تظل سجيناً في الماضي وأنا أختلف مع الذين ينغمسون في الماضي وكأنهم وتد قديم في خيمة قديمة لقد أصبح التراث عندهم سجن من كثرة اجترار الماضي حتى تجمدوا فيه، وبرزت أمامهم إشكالية وهي أنهم في واد والآخرين في واد أخر، وتظل رؤيتهم مجمدة في الماضي والزمن يمر والمجتمعات تتطور وتتغير وهم لازالوا متعلقين بماضي كان سعيد ربما لم يعد له الآن من وجود.
خالد: قد يستعصي علينا وعلى القاري فهم هذه الجزئية بالذات المتعلقة برأيك الصريح حول الماضي والمستقبل لو تستطيع أن توضح لنا أكثر نكون لك شاكرين.
الصيد: اقصد أن وجدان الناس طبع بطابع بدوي صرف وهذا راجع للبيئة والحياة الطبيعية لكني أخالف من يتمسك بالقول أن الماضي أفضل من الحاضر(وأن الجنة دائماً موجودة في الخلف)، أريد أن أقول إننا لا يجب أن نهرب من الحاضر بذريعة الماضي، علينا أن نعمل ونتحرك إلى الأمام نحو المستقبل الواعد.
خالد: دعني اقرب الصورة أكثر إلى ذهن القاري وأحاول أن اضرب مثلا عن الشعر المنثور أو النثر الذي ظل مثار جدل كبير حتى هذه اللحظة والذي رأى فيه بعضهم بأنه ثورة على الشعر العمودي، هل رميت إلى هذا المراد في فكرة اختلاف الماضي عن الحاضر؟
الصيد: نعم صحيح، أنا قلت إن الشعر العمودي أوجدته ظروف خاصة وجاء لكي يلبي حاجة أناس عاشوا في زمن ما في تلك الفترة كان لدى هؤلاء الناس انسجام بين ما يعيشونه وبين ما يقولونه وبين ما يفكرون فيه وما هو موجود بين أحلامهم وبين واقعهم وهذا أوجد تناغم ومن ثم عبروا عن كل ذلك في تلك الفترة التي تسودها الأمية وتبرز فيها الذاكرة، ( والأذن ) كانت هي المجتمع وكانت الرواية هي المسيطرة وهذا أيضا كانت تعززه عوامل أخرى كالعامل الاجتماعي فالقبيلة كانت هي الدولة والعشيرة هي الدولة أما الحياة الاقتصادية فكانت مقتصرة على حرفة الرعي لم تنشأ المدن الكبيرة في تلك الفترة لم تتعقد الحياة وهذا الأمر انتهى بعد أن حدثت الطفرة الكبرى في المجتمعات باكتشاف النفط في طرابلس وبنغازي وحتى طبرق وبالتالي تغير لون الحياة والتفكير، وتوسع التعليم واندحرت الأمية وظهر نسيج اجتماعي جديد، والولاء الذي كان للقبيلة أصبح بعد ذلك ولاء للمدينة وللشارع ( والحارة ) والولاء للشريحة.
خالد:أستاذ الصيد أنت من شعراء العامية أوما تسمى محكية فهل هذا يعني انك خارج دائرة اللغة العربية ؟
الصيد: لا.. أنا كتبت في بداياتي باللغة العربية وكتبت الشعر العمودي ولكن نزوع إلى المحكية أو العامية وهو لشعوري بان لي دور من خلالها أوجه به رسائل تنويرية للمجتمع وهي نقل الذائقة الشعبية أو العامية من الأذن والذاكرة إلى الكتابة والى البحر والى النور والى الطيف والصورة الموسطة.
خالد: ألا توافقني القول أن ما تقدمه من نتاج شعري محكي يحتاج إلى صفوة من المتذوقين الذين يتفاعلون مع مثل هذه الألوان من الشعر الحديث ؟
الصيد: ربما بعض الزملاء تخيفهم هذه الأشياء وبعض أخر يقول: من يستمع إلى شعرك ؟ الناس لايستميلها هذا اللون من الشعر المحكي، أنت تغرد خارج السرب.
خالد: أنت الآن تضعني أمام قصيدة من قصائدك تلامس هذا الموضوع…
الصيد: (مقاطعاً) نعم.. درويش تحت الريح..
(من يسمعك من يخبر ادروب حكايتك
غردت خارج سربك وغيرك عبيد الصمت… الخ
(ويواصل) هذا الأمر لا يزعجني لأني مقتنع تماما أن الذائقة الشعبية لا تتحول بين عشية وضحاها فالشعر الشعبي عمره مئات السنين ولكن أنا حسبي أن أحدث شرخا في الجدار والإنجاز الضخم يأتي على عاتق الأيام القادمة.
خالد: هل أنت تخالف لأجل أن تعرف ولتكون مميزاً عن الآخرين ؟
الصيد: نحن أصحاب رسالة آن الأوان أن نرقى بالمواطن.
خالد: الصيد الرقيعي شاعر المحكية شكرا لك.
الصيد: العفو يااستاذ خالد، خلينا على حب دائم.
عن موقع: اجدابيا نت