الأمازيغ في ليبيا.. حوار مع الدكتور علي فهمي خشيم
نحن هنا إخوة لا فرق بيننا في شيء
المشكل يكمن في “توظيف” هذا التراث
من لا يؤيد مطالب الأمازيغ وحقوقهم اللغوية
الجزيرة نت
في محاولتنا لإغناء ملف الأمازيغ وتوسيع دائرته وإتاحة الفرص لجميع الأقلام المهتمة بالموضوع من مختلف الأطياف أن تجد لها مكانا في هذا الملف، اتصلت الجزيرة نت بالباحث الليبي المهتم بالثقافة واللغات الدكتور “علي فهمي خشيم” وكان لنا معه الحوار التالي:
– يقول البعض إن الأمازيغ مضطهدون ثقافيا في بلدان المغرب العربي، فهل تعتقدون بصحة هذه الدعوى خاصة بالنسبة لليبيا؟
– لا أفهم معنى هذا الاضطهاد الثقافي ولا أعرف مظهره أو شكله أو صورته، ولا أعلم أحدا اضطهد بسبب من ثقافته التي يعتنقها دون أن يسيء إلى مجتمعه ووطنه وأهله. وفي تصوري أن من حق الدولة بل من واجبها أن تحمي مواطنيها من أي تنظيم داخلي أو تأثير خارجي يسعى إلى تقويض النظام الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي بوسائل العنف والسرية، وذلك في حدود القانون والشريعة المتبعة في تلك الدولة.
إن كلمة الاضطهاد تعبير قاس وجائر وغير واقعي، فليس معنى كوني أعارضكم وأختلف معكم أني اضطهدكم، وهي كلمة يطلقها من يحاول إيهام الآخرين أو طوائف من الآخرين بأنه مظلوم وأن حقه مهضوم، ولابد بحكم المنطق أن يبرهن من يزعم أنه مضطهد بوقائع عملية مشاهدة وليس بمجرد إطلاق الكلمات والتعبيرات الغامضة.
أما فيما يتعلق بالقطر الليبي فإنه ما من يوم ثبت فيه اضطهاد فئة من مواطنيه مهما كانت صفتهم، ولم أدر أو أعلم أن مواطني هذا القطر ممن نسبتهم “الجبالية” أو “الزوارية” تعرض لسوء أو عنت سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي كان. والمجتمع الليبي يضم أعراقا كثيرة، منها العربي والجبالي والتركي والشركسي والألباني “الكرغلي” والأفريقي الأسمر، وقد تفاعلت هذه الأعراق وتلاقحت عن طريق التزاوج والاختلاط وهم جميعا يتكلمون العربية باللهجة الليبية وفروعها. ولهم كل حقوق المواطنة الكاملة في كل شيء ولا يوجد أي تمييز على أي أساس من اللون أو اللهجة أو الموقع على الإطلاق.
فإذا رمت بسؤالك المبطن أن تزعم أن هناك اضطهادا في ليبيا لأي فئة من فئات المجتمع الليبي فعليك تقديم الدليل والواقعة، وهناك أمانة لحقوق الإنسان في المؤتمر الشعبي الليبي ولجنة لحقوق الإنسان كذلك يمكن تقديم الشكوى إليها بكل بساطة.
– متى طرح الموضوع الأمازيغي ثقافيا في ليبيا؟
– عن أي موضوع تسأل؟ وهل ثمة موضوع يطرح بهذه الصورة؟ أما أن يكتب بعض الأفراد في الإنترنت أو وسائل الإعلام الأخرى بعض المزاعم فلا أحسب أن هذا يعبر عن المجموع. ونحن نعلم أن إثارة الغبار وتهويل المسائل عادة متبعة في بعض وسائل الإعلام أرجو ألا تكون الجزيرة نت من بينها. أنا شخصيا لي أصدقاء أحباء أعزاء من الجبل الغربي، كما أن لي مثلهم من مناطق أخرى في بلادي، زملاء دراسة وعمل وحياة ولم أسمع أو أر شيئا مما تتحدث عنه.
يا أخي قلت لك وأقول لك ألف مرة نحن هنا إخوة لا فرق بيننا في شيء، وليس في مصلحة بلدنا أو أمتنا أن تثار زوبعة وهمية ربما للتغطية عما يفعل بنا في أجزاء أخرى من وطننا العربي وما يدبر لنا في العلن بعد الخفاء من مكائد ومؤامرات.
– ما المشكل في إحياء التراث الثقافي الأمازيغي بليبيا؟
– ليس هناك مشكل على الإطلاق، ونحن شديدو الاعتزاز بهذا التراث مثلما نعتز بأي تراث آخر على مستوى الوطن الأصغر ليبيا أو الوطن العربي الكبير، أو حتى التراث الإنساني في مجمله. وربما أنك لا تعلم أنني شخصيا من أوائل من كتب في التراث الذي تدعوه “الأمازيغي” وأدعوه “الليبي” منذ أواسط ستينيات القرن الماضي وخاصة في كتابيِّ “نصوص ليبية” و” قراءات ليبية” وعدد كبير من البحوث والمقالات في مثل كتابيّ “بحثا عن فرعون العرب” و”التواصل دون انقطاع”…إلخ.
المشكل يكمن في “توظيف” هذا التراث.. إنني أنطلق من أنه تراث واحد لأمة واحدة منذ فجر التاريخ وقبل هذا الفجر يجمعها لسان واحد أسميه “العروبية” في بلاد الرافدين والشام وشبه الجزيرة ووادي النيل والشمال الأفريقي، ذو لهجات ندعوها البابلية أو الكنعانية أو المصرية أو اللوبية أو العربية بفروعها. أمة تمازجت هجرات وتلاقحا إثنيا وثقافيا بل حتى دينيا، وربطت لحمتها روابط كثيرة ثم انصهرت مكوناتها أخيرا في بوتقة واحدة بفضل الإسلام فيما نسميه اليوم الوطن العربي الكبير.
واليوم لدينا لغة مشتركة هي العربية “نسبة إلى جزيرة العرب” ذات لهجات “عراقية، خليجية، سودانية، تونسية، موريتانية”، ولا عاقل يقول إن هذه اللهجة أو تلك تكون كيانا خاصا أو قومية خاصة أو ما شئت من المزاعم.
– صدر في ليبيا عام 2001 قانون يمنع التسمي بالأسماء غير العربية في السجلات الحكومية، ما الدلالة الثقافية لهذا القانون؟
– هذا قانون أصدرته المؤتمرات الشعبية وصاغه مؤتمر الشعب العام في ليبيا وهو ليس بدعة لأن أغلب دول العالم فيها مثل هذا القانون. ودلالته الثقافية –إن شئت– هي الحفاظ على هوية الشعب العربي المسلم في هذا القطر، بعد أن قامت موجة اتخاذ الأسماء الأعجمية إما تقليدا لأسماء تظهر في المسلسلات المعروضة في الفضائيات التلفزية أو رغبة في اتخاذ اسم غريب أو عدم إدراك ووعي بالذات الوطنية والقومية.
وأقول إن هذا القانون ليس بدعة، وأنت تدري أنه لا يسمح في الصين “ربع سكان العالم” باتخاذ اسم غير صيني، وفي تركيا يفرض استعمال اسم طوراني إلى جانب الاسم العربي في الإسكندرونة، والكردي في شرق تركيا، وكل من يجلب إلى فلسطين من يهود العالم يفرض عليه تغيير اسمه الأول، سواء كان في أصقاع سيبيريا أو جزر الواق الواق إلى اسم عبراني. وأذكر لك أن سيدة في النرويج “الديمقراطية” غرمت بمبلغ مالي كبير لأنها رغبت في تسمية وليدها باسم غير توراتي. كذلك الأمر في بريطانيا وفرنسا، إذ هناك اسم التعميد النصراني ومعه الاسم الشخصي، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى.
إن أبسط مبادئ الديمقراطية يقول إن قرار الأغلبية هو الذي يؤخذ به، وقد قررت الأغلبية العظمى من الشعب العربي الليبي المسلم في ليبيا هذا القانون لصالح وحدة الشعب والحفاظ على هويته وكونت لذلك لجنة من العلماء والمختصين من مختلف مكونات المجتمع الليبي المرجع في هذا الموضوع، علما بأنه لا يمتنع أن يتسمى بما شاء من أسماء في حياته الخاصة، أما في الأوراق الرسمية والمعاملات الحكومية –كما تسميها- فإن القانون هو الذي يطبق وهو المرجع والحكم.
– التقى القائد الليبي العقيد معمر القذافي بداية الشهر الماضي (نوفمبر) برئيس المؤتمر العالمي الأمازيغي بلقاسم لوناس، فما هي الانعكاسات الثقافية للقاء العقيد برئيس أكبر تجمع أمازيغي يطالب بإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية؟
– الذي أعرفه أن القائد معمر القذافي مستعد دائم للنقاش والحوار في أي أمر ومع أي كان، ولا علم لي بما ذكرته من لقاء مع السيد لوناس -وصواب اسمه في لهجة الشمال الأفريقي لونيس بمعنى الأنيس أو الونيس- ولا ما دار فيه، ومعذرة إن قلت لك إنني لا أفهم معنى لتعبيرك “الانعكاسات الثقافية” أو “المطالبة بإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية”، هذه الثقافة معتبرة جدا ومحترمة للغاية باعتبارها جزءا من مكونات شعبنا العربي في هذا الجزء من الوطن الكبير.
وفي تصوري إن هناك فرقا كبيرا بين الاعتبار أو إعادة الاعتبار –كما تقول– لشيء وبين فرضه على الآخرين فرضا. جميع أطياف المجتمع الليبي محترمة ومعتبرة، أفرادا وجماعات، ولها الحق الكامل في التعبير عن ذاتها في المؤتمرات الشعبية، غير أن القرار في النهاية يكون للأغلبية مع الأخذ في الاعتبار رأي الأقلية.
– زار رئيس مؤسسة القذافي للجمعيات الخيرية سيف الإسلام القذافي في أغسطس/آب 2005 بعض مدن غرب ليبيا وأعلن دعمه لمطالب الأمازيغ الثقافية وتأييده لحقوقهم اللغوية، فكيف ترون بوصفكم أحد المتخصصين في الشأن الثقافي العربي عموما والليبي خصوصا هذا التصريح؟
– ومن لا يؤيد مطالب الأمازيغ وحقوقهم اللغوية بشرط واحد وهو أن تحدد هذه المطالب وتبين هذه الحقوق؟ فإذا كانت هذه المطالب تندرج ضمن ما يؤدي إلى وحدة الشعب وتماسكه فيا ألف أهلا وسهلا، وإذا كانت هذه الحقوق داخل بوتقة المجتمع الموحد المتضامن فمن الذي ينكرها؟!
إن ما يهمني كمواطن ليبي عربي مسلم ألا يطغى الضجيج على الحقائق وألا توجد ثغرات يمكن أن تؤثر في وحدة بنيان مجتمعنا، فإن الحق أبلج والباطل لجلج. ما يهمني رد هذه الهجمة الاستعمارية الشرسة التي تستهدفنا على جميع الجبهات عسكريا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
ما يهمني صد هذه الغارة الجديدة/القديمة على وطننا العربي وعالمنا الإسلامي والسعي الدؤوب إلى تمزيقنا وتحويل صراعنا ضد الأعداء الواضحين إلى معارك مفتعلة فيما بيننا.
– شاع عنكم أيها الدكتور قولكم “الأمازيغ أعرب من العرب العاربة” ما يعني أن الأمازيغية ليست سوى لغة عربية قديمة. غير أن بعض الدارسين يقولون إنكم تسيسون الدرس اللغوي وإن الأسماء المشتركة بين الأمازيغية واللغات السامية في شكل كلي لا يزيد عن 300 لفظ، فما تعليقكم؟
– عندي وعند غيري من الباحثين الغربيين الموضوعيين أن الأمازيغية لغة خليط من العروبية الأولى والعربية الجزيرية (العدنانية) ودخيل من اللاتينية ثم من اللغات الأوروبية الحديثة. وعندما أقول إن الأمازيغيين أعرب من العرب فذلك:
أولا: لأن كلمة “العرب” بدلالة قومية لم تبرز إلا مع ظهور الإسلام، والدليل على ذلك أنها لم ترد في الشعر الجاهلي كلمة بهذه الدلالة إلا في بيت واحد مشكوك في صحته. فهي مصطلح يعني البداوة ليس في شبه الجزيرة وحدها بل في بلاد الشام وصحراء ما شرق وادي النيل وغربه. لم ترد في القرآن الكريم كلمة “عرب” وإنما جاءت “أعراب” بمعنى بدو. أما “عربي” وصفا للسان فتعني الواضح المبين، والمبين ضد الأعجمي أي المبهم الغامض بدليل قوله تعالى “إنا أنزلناه قرآنا عربيا”. ونحن نعلم أن الإسلام جاء للناس، البشر، بني آدم كافة وليس خاصا بأهل الجزيرة.
ثانيا: أن أهل الجزيرة “من يدعون العرب العاربة أو المستعربة” جاؤوها من خارجها، وعندما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أنتم معشر قريش؟ قال: نحن نبط من كوثى، أي الأنباط القادمون من كوثى في العراق.
ثالثا: العروبة ليست عرقا وإنما ثقافة ولغة، ونحن نعلم أن الجد الأعلى للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام هو إسماعيل عليه السلام وأبوه إبراهيم من العراق وأمه هاجر من مصر، فهو قادم إلى شبه الجزيرة العربية ومكة المكرمة بالذات من خارجها.
رابعا: إن قريشا نفسها لم تكن تحيط علما بكل ما في العروبية الأولى من ألفاظ فقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الآية الكريمة “وفاكهة وأبا” ثم سأل وما الأب؟ وهو لم يكن يعرف أن معناها العشب والكلأ في العربية كما في الأكادية والمصرية والكنعانية وغيرها من اللغات العروبية القديمة.
خامسا: أن في الأمازيغية مفردات وألفاظا قد لا نعثر عليها في معاجم لغة الجزيرة (اللغة العدنانية) بينما نجدها في معاجم السومرية والبابلية والكنعانية (المدعوة خطأ الفينيقية) المكتشفة حديثا.
فإذا اتفقنا على أن كلمة “عرب” لم تكن تحمل دلالة جنسية أو عرقية أو سلالية وإنما عنت الظهور والانكشاف والبدوَ (البداوة وليست البدائية) فإن أهل شمال أفريقيا الذين كانوا يسمون اللوبيين (الليبيين) كانوا -ولا يزال الكثير منهم- أهل بداوة. وأضيف أن تسمية الليبيين لم تكن تخص ما يعرف الآن باسم “الجماهيرية الليبية” بل كانت تعم من كان في غرب وادي النيل حتى المحيط الأطلسي. وكلمة “ليبو” أو “لوبو” في النصوص المصرية الأولى وقد ترجمها شامبليون “قارئ الرموز الهيروغليفية” إلى بدو وليس إلى ليبيين. وهنا أوضح أن الهمزة في “أربو” مبدلة من العين في “عربو” (أي البدو، الأعراب، العرب) بالضبط مثلما نقرأ النصوص المسمارية الأكادية: أربو، أريبو، أربايا، أريبي، وصفا لأهل بادية الشام، أي الأعراب، العرب.
فهل تجدني مخطئا إذا قلت إن الأمازيغ أعرب من عرب الجزيرة بهذا المفهوم وبكل المقاييس؟
ثم نأتي إلى بقية السؤال وقول بعض الدارسين إني أسيس الدرس اللغوي، وأنت لم تحدد من هم “بعض الدارسين” هؤلاء فليكونوا من يكونون، أما أنني أسيس الدرس اللغوي فهذا هو البهتان بعينه. إنني أحاول جاهدا حصر النقاش في المجال الثقافي واللغوي بالذات وغيري هم الذين “يسيسون” هذا المجال. أقول لإخوتي وأهلي: تعالوا إلى كلمة سواء، ولنتحاور بعقلانية وهدوء دون صراخ وضجيج مفتعل، ولتكن اللغة بالذات هي الحكَم والفيصل.
ثم من قال لك إن “الأسماء المشتركة بين الأمازيغية والسامية لا تزيد عن 300 لفظ”؟
1. لا يوجد شيء في علم اللغات اسمه “سامية” إنها أكذوبة يهودية توراتية خرافية دحضت منذ زمن طويل. أنا أسمي ما يدعى مجموعة (اللغات السامية/الحامية) اللغات العروبية في الوطن العروبي القديم/الحديث.
2. ليست الأسماء فقط هي المشتركة بل الأفعال وأدوات الوصل وحروف الربط.. ولقد كتبت مجلدا ضخما بعنوان “سفر العرب الأمازيغ” بينت فيه الصلات الوثيقة بين الأمازيغية والعروبيات -خاصة عربية الجزيرة- في مئات قد تبلغ آلاف المفردات، كما وضحت القرابة الواضحة في القواعد النحوية وعرضت 15 نقشا “لوبيا” قديما يرجع إلى وقت مجيء عرب الجزيرة إلى الشمال الأفريقي بألف عام مكتوبة بالحرف اللوبي العتيق وقارنتها بالعربية.
كما ناقشت عشرات أسماء الأعلام القديمة والمعاصرة في الشمال الأفريقي وجليت عروبتها وكذلك أسماء المواقع والأماكن الجغرافية والألقاب وما إليها. لقد قلت كلمتي بصدق وموضوعية وتجرد كامل ولا أدري لما ذا يحارب هذا الكتاب وتطمس أخباره ويتجاهل هذا التجاهل كله.. لعلك تدري.
ليس هذا فحسب بل أردفت كتابي ذاك بمجلد آخر عنوانه “لسان العرب الأمازيغ” وهو معجم عربي/بربري مقارن مستند إلى “المعجم العربي/البربري” لصاحبه الأستاذ محمد شفيق، وأوضحت عروبة ما زعم بربريته (وهذا هو تعبيره) من ألفاظ، ولم أصل فيه إلا إلى حرف الخاء مما يظهر لك وفرة التوافق اللفظي والقاعدي بين الأمازيغية والعربية وبقية العروبيات.. 300 لفظ فقط؟ يا للهول!
لا يجوز –في رأيي– أن تلقي الأقوال هكذا “على عواهنها”. من رام أن يستوثق فليقرأ، فإن لم يرق له قول عربي مثلي -متحامل أو محرف كما يزعم- فليقرأ ما كتبه الأجانب في هذا الباب وأشهرهم العالم الألماني الكبير روسلر كي يدرك الحقيقة عن صلة الأمازيغية بأختها العربية ويعرف الذي يفترض أننا جميعا نبحث عنه.
– هل لديك تعليق أخير؟
– نعم، لدي تعليقات كثيرة وليس تعليقا واحدا فحسب.
أولا: إن الذين يقولون بدعوى الأمازيغية ويقومون بالدعوة إليها يغلطون حتى في تسمية دعوتهم، فكلمة “الأمازيغ” لديهم جمع ينسب إليها “أمازيغي” والصواب أن “أمازيغ” مفرد جمعه في تلك اللهجة “إمازيغن” وفي العربية “أمازيغيون”.
والذين يسمون أنفسهم “القبائل” –جمع قبيلة– مخطئون، فإن الأصل هو “الجبايل” –جمع جبل– ينطق الجيم قافا معقودة كما هي في القاهرة وبعض أجزاء اليمن وبعض مفردات في المغرب. فلا معنى لكلمة “قبائل” هنا وإنما هم أهل جبال الأطلس، ونحن في ليبيا ندعو إخوتنا سكان الجبل الغربي “الجبالية” وفي المغرب يسمون “الجبالة”. وفي بعض المصادر اللاتينية يسمون جبلين Gabeleen أي الجبليين.. أما “البربر” فكلمة يونانية لاتينية أطلقها المستعمرون اليونان ثم الرومان على سواهم من الشعوب ومن بينهم أهل الشمال الأفريقي، وقد وجدها عرب الإسلام هكذا موروثة ولم يبتدعوها هم ودليلنا المصادر التاريخية الموثقة.
ثانيا: إذا كان ما سبق خطأ لغويا فإن من الخطأ العلمي استغلال جهل أحد الطرفين أو كليهما بحقيقة الوحدة اللسانية -مع تنوعها اللهجي طبعا- في الأساس لتأجيج نار الفتنة وإيجاد التفرقة بين الشعب الواحد والأمة الواحدة.
ثالثا: من الخطر السياسي الاندفاع وراء كل ناعق بباطل لتمزيق وطن هو في أمس الحاجة إلى التماسك والتكاتف في مواجهة الهجمة الشرسة عليه من كل جانب.
رابعا: لو أن كل فريق في مجتمع ما دعا إلى انفصال لهجته (أو لغته) بأية حجة من الحجج لوجدنا العالم قد تحول إلى عدد لا يحصى من الرقع. سوف يكون في بريطانيا لغات كلتية وإيرلندية وويلزية، وإنجليزية محصورة في الركن الجنوبي الشرقي (إنجليا) من الجزيرة البريطانية. وفي الولايات المتحدة ألف لغة –بما فيها لغات الهنود الحمر– وليس الإنجليزية فقط لغة رسمية للتعامل. وفي الهند 500 لغة، وقس على هذا بقية بلدان العالم المتعددة اللغات والأعراق والثقافات.
خامسا: نعم، هناك خصوصيات محلية يجب أن تحترم وتراعى ولا تطمس، لكنها تظل أجزاء من كل. تماما كما هي لوحة الفسيفساء المكونة من قطع صغيرة ملونة تكون في مجموعها لوحة واحدة، فلو نزعنا كل قطعة عن أختها لتفتتت اللوحة وتكسرت وانتهت إلى ركام من قطع الحجارة الصغيرة غير ذات شأن. وهناك الكثير مما يقال ولم يحن الحين لقوله بعد.
قسم البحوث والدراسات- الجزيرة نت / ديسمبر 2005