حوارات

الشاعر علي صدقي عبدالقادر: أنا مغرم دائما بالتجديد

الشاعر الليبي.. علي صدقي عبدالقادر

أنا مغرم دائما بالتجديد

المرأة رمز العذوبة والحب

الإنسان الذي لا يحب لا يمكن أن يبدع

الشعر الأجمل هو الخارج عن القاعدة

الشعر الحديث ظاهرة تدل على أن الحياة في أدبنا متجددة

حاوره: عادل هاشم الميالي

الشاعر: علي صدقي عبدالقادر

الشاعر الذي لا يحلم بعيون مفتوحة لا يستطيع كتابة الشعر.. والشاعر الذي لا يكون عاشقاً حد الجنون لا يستطيع أن يكتب كلمة شعرية واحدة.. والشاعر غير المصاب بفيروس الهوس والخيال والحب قد يكتب قصيدة تتفق مع العروض ولكنها لا تتفق مع الشعر.. هذا الكائن الذي به جنون وبه هوس وبه أكثر منهما.. هكذا هي رؤية الشاعر علي صدقي عبدالقادر، أو شاعر الشباب كما يصفه النقاد.

ويكتسب الحديث مع الشاعر “علي صدقي” نكهة خاصة، ذلك أن شاعرنا هذا لا يؤمن بالأطر المحددة والقوالب الجاهزة في الحوار، لذا فقد جاء هذا الحديث مشوقاً وممتعاً ومفعماً بالأفكار والتأملات والإجابات غير النمطية التي تفرز توجهه الرافض لكل ما هو تقليدي وجامد ورتيب.

والشاعر “علي صدقي” هو من الشعراء البارزين في ليبيا والوطن العربي، حيث استحق مكانته المتميزة عن جدارة، نظراً لقدرته الشعرية الفائقة وقريحته الباذخة وتجدده الدائم وحضوره المتواصل في كافة المناشط الأدبية والثقافية، وهو يدفعك إلى أن تعشق شعره كونه ذلك الكائن الرقيق والمرهف والشفاف، والعاشق الأبدي الذي لا ينفصل عن ذاته.

إن الشاعر “علي صدقي” هو طراز نادر من الشعراء، فحب الأرض والوطن والعروبة يسري في دمه، وهو عاشق لكل المدن والقرى الليبية، فطرابلس في شعره هي عروس البحر، وبنغازي هي العطاء والثقافة والإبداع.

ولتسليط الضوء على المسيرة الشعرية لهذا الشاعر، كان لنا هذا اللقاء، حيث دار الحوار التالي:

بداية الرحلة الطويلة

– رحلتك الطويلة في عالم الشعر، كيف كانت بدايتها ؟

– منذ طفولتي وأنا أحب الحياة والجمال، وكنت متفائلاً جداً وكانت أمي عندما تعاقبني أحياناً، أقف بجانب الجدار وأضع ذراعي فوقه وأحاول أن أبدو وكأني أبكي منتظراً إياها أن ترضيني، ولا أتوقف عن ذلك حتى تأتي وترضيني, فمن خلال الكلمات الجميلة التي أسمعها من أمي، والحكايات التي كانت تزودني بها في الليالي الشتائية والليالي الرمضانية والتي ما تزال عالقة بذاكرتي.. تلك الحكايات كانت هي الشرارة التي أشعلت في نفسي محبة الكلمة الجميلة، محبة القصة.. لهذا بدأت كما يبدأ الطفل بالخطوة الأولى، وكنت أتمنى أن أكون ذلك الفارس الذي أخذ حبيبته فوق حصانه وذهب مع الريح ليعيش حياة سعيدة.

– وما هي أول قصيدة نظمتها ؟

– محاولتي الأولى كانت مع حبّي للحياة ولأمي وللأشياء الجميلة، حيث بدأت معي بقول الكلمات الجميلة التي حسيتها شعراً وهي لا أدري إن كانت شعراً أو غير شعر، ولكنها كانت جميلة، فأنا أول ما كتبت ليس عن الفلسفة أو عن علم الحياة أو عن قانون الجاذبية وغيرها، ولكني أول  ما كتبت عن الحب فذلك هو البداية، وبداية كل شاعر كما أظن وأعتقد، تكون عن الحب والحياة، فالحب شيء مقدس، وليس هناك من يقدر على الإبداع إلا إذا كان عاشقاً ومحباً، كما أن حب الإنسان للآخر هو شيء رائع وجميل يدفعنا إلى الكتابة، فلذلك أنا كتبت عن الحياة الجميلة عن الأمل المنتظر، عن الفتاة التي أحُبها، ذلك أن الأشياء الجميلة تكون في فنجان الصباح كالسكر في حياتنا، والحياة بدون أمل وحب وابتسام لا تساوي شيئاً، فهي تكون كأنها أوراق يابسة من أوراق الخريف.

قصيدة علي صدقي عبدالقادر

– متى يكتب الشاعر علي صدقي عبد القادر ؟

– إن الزمن هو مثقوب دائماً، وقد جربت أن أضع فيه الماء فتسرب منه الماء، وجربت أن أضع فيه حلم الليل فلم أجد الحلم في الصباح، هذا الزمن الذي يكون حاوياً وفي الوقت نفسه غير أمين لما يحويه، فهو يبدد ويبعثر كثيراً مما نأتمنه عليه.

لذلك فأنا لا أحدد ميعاداً مع القصيدة، ولكن القصيدة بالنسبة لي هي تلك المرأة التي تبتسم، وعندما تبتسم أعرف أنها في حالة انفتاح، حينها أقترب منها وأستمع إليها وتستمع لي.

والقصيدة لا تأتي قطعة واحدة، ولكنها تأتي فكرة، وقد تكون جملة أو كلمة واحدة فقط، ولكنها تأتي وتطلب أن أسمعها بإلحاح وإذا لم أفعل فهي تنصرف ولن أجدها بعد ذلك.

لهذا حينما أقود سيارتي في الطريق، كثيراً ما تلح علي كلمة تقول: اكتبني وإلا غادرتك، عندها أقول لها: يا سيدتي الكلمة لا تغادريني وأنا أكتبك، وحين أكون واضعاً رأسي على وسادتي غالباً ما يكون القلم والورقة بجانبي، منديل فاطمة تحت وسادتي… من يدري قد تأتي الكلمة، وقد يأتي طيف فاطمة، لذلك يكون القلم والورقة على استعداد.

– وماذا عن بناء القصيدة لديك ؟

– القصيدة لدي هي ليست مجموعة من الكلمات والحروف، ولكنها تعني كائناً حياً، قد يكون أحياناً طائراً، وقد يكون ظلي، وفي أحيان أخرى قهوة أشربها في الصباح.

لقد كتبت القصيدة وأنا صغير، هذا إذا كانت تلك المكتوبة يومئذٍ قصيدة، ولكن إذا كانت هذه القصيدة يمكن أن توضع في القالب ونحدد ملامحها مسبقاً، فإننا لا نحتاج إلى كتابة القصيدة، إذ يمكننا أن نعين مقاساً وتحديداً معيناً ونطلب القصيدة الجاهزة.

لذلك فأنا لا أكتب القصيدة الجاهزة، إنما تكتبني القصيدة، وعند نهايتها لا تقول لي وداعاً… بل تعين لي ميعاداً آخر للقاء، فالقصيدة هي مرأة.. فهل حبيبتي عندما التقي بها تقول لي وداعاً.. لا وإنما نتبادل كلمة واحدة يقولها فمانا دفعة واحدة.. إلى اللقاء.

إن الشعر لا يحمل في ذاته قيداً ولا ميسما ولا اسماً محددا، ولكنه يضوع مثل الزهرة ويتلون مثل الوردة ويرفرف مثل الحمامة.. ذلك هو الشعر.

لهذا فأنا كتبت الشعر، واكتبه الآن، ولازلت أنتظر القصيدة التي أشتاق إليها، وهي آتية مستقبلاً بالتأكيد، ولم أيأس من حضورها، ولو يئست من حضورها لما كتبت الشعر.

ومن هنا فأنا أكتب الشعر.. وأكتبه ثم يكتبني ويكتبني، ولا أعلم بالضبط من يكتب الآخر، فالشعر كائن جميل علينا أن نقبله كما هو دون تحديد ودون قيد لأنه كائن حر.

نصيب المرأة

– للمرأة في أشعارك نصيب وافر وحضور متميز، فما هو تعليقك على ذلك ؟

– للمرأة لم تكن مجرد أنثي فقط، ولكن المرأة واهبة الحياة.. المرأة أعطتنا الفرح.. المرأة أمي التي لو لم تكن تربت على كتفي وأنا صغير لما تعلمت الابتسام، ومن يومها عرفت أن الطريق إلى العيد.. الطريق إلى الوطن يؤدي بالضرورة إلى الأم حيث هناك تكون المرأة صديقة… تكون المرأة هي التي تقول أ، ب، ت حب وطن وشعر.

إنني لا أستطيع أن أنام قبل أن أتأكد أن صورة أمي فوق سريري.. إنني لا أستطيع أن أحلم إلا إذا كان منديل فاطمة الذي أهدته لي ونقشت عليه حرف (ف) وحرف (ع).. إلا إذا كان هذا المنديل تحت وسادتي.

إذن فلولا المرأة لفقدت الأشياء جماليتها، فهي رمز العذوبة والحب، وكما أن الأشياء الجميلة كلها مؤنثة، فالشمس مؤنثة، والحياة مؤنثة. والمرأة كائن جميل فهي من يعطينا الكلمة الجميلة، ويدفعنا للتضحية والعمل والإبداع، ولولا المرأة في حياتي لكنت مزقت دفاتري وأوراقي وذهبت لأصنع مثلاً أوعية الحديد أو الفخار أو أعمل شيئاً آخر، ولكن المرأة لها الفضل على المبدع كونها كائناً جميلاً في حد ذاته، فليس هناك امرأة ليست جميلة، فقيس عندما أحب ليلى لم تكن ليلى أجمل فتيات قبيلته، فالجمال لا يكون بالقاعدة العامة التي تشترطها مسابقات الجمال التي نراها في الفضائيات، ولو قدر أن نرى ليلى التي مات من أجلها قيس، فربما لا تكون امرأة بذلك الجمال المتفجر الأنوثة، ولكنها في عينيه جميلة ونحن في عيوننا ذلك الشغاف الذي لا يفسر.

– ولمن تكتب الشعر أيضاً ؟

– أكتب الشعر للحياة وهي مؤنثة.. أكتب الشعر لصديقتي لتبتسم لي.. أكتب الشعر لنخلة الوطن لتظللني عندما أمر بها في يوم شديد الحرارة وتمنحني التمر.. أكتب الشعر لأولئك الأطفال الذين أمر بهم في زقاق مدينة طرابلس القديمة وهم يلعبون فأتفرس في وجوهم عساني أرى وجهي حين كنت طفلاً ألعب بين أزقة مدينة طرابلس  القديمة في زنقة الجمل.

لهذا فالشعر يكتب للحب، للوطن، للمرأة، للحياة، وماعدا ذلك لا يكون شعراً.

روح التفاؤل

– هل تعتقد بأن الحب يساهم في تحقيق الإبداع لدى الشاعر ؟

– أنا لا أعتقد أن إنساناً يستطيع أن ينام وأن يحلم وأن يبدع في الحياة إذا لم يكن عاشقاً، فالإنسان الذي لا يحب لا يمكن أن يبدع، والإنسان العاشق هو الذي يعطي للحياة ما يجعلها تغني وتزغرد في عيون المحبين، لذلك فأنا لا أؤمن بالموت (موت الشعر عند الشاعر) ولا بالنهاية، فالتجديد والبداية من جديد هما شعاري في الحياة.

– ومن هو الشاعر بنظرك ؟

– الشاعر ليس ذلك الإنسان الذي يرتدي ثيابه في الصباح ويخرج إلى الشارع ليشتري أو يبيع.. الشاعر هو ذلك الكائن العجائبي الذي يخرج من بيته ولا يخرج، الذي يعبر الطريق ولا يعبرها، ذلك لأنه يبحث عن بقايا أحلام الليل التي تعثرت في الطريق ولم تدخل بيوت أصحابها.. الشاعر هو الذي يسأل المارة، هل مرت مرأة الريح العجائية وهي ترتدي ثوبها الوردي.. الشاعر هو الذي يمر على حنفية الشاعر ويملأ كفيه بالماء ويمدهما إلى حمائم الجامع لتشرب.. والشاعر لا يفتح القاموس ليكتب الكلمة القاموسية فقط، ولكنه يفتح قلبه الأحمر ويجلس  على مصطبة جامع الناقة بطرابلس ليقرأ الكلمات الحمر ثم ينثرها   لحمائم الجامع لتقرأها هي بدورها مرة أخرى.

– هناك روح تفاؤلية تكاد تطغى على معظم نتاجاتك الشعرية، فما هو قولك في ذلك ؟

– لقد ألغيت الموت والشيخوخة في أشعاري، فالزهرة التي تظن أنها سقطت ويبست أوراقها، هي لم تسقط ولم تيبس أوراقها، عليها أن تنتظر وقتاً آخر وإذا بها تخرج من جديد في الربيع القادم.. والحياة دائرة لا تنتهي، ولأنني أحب الحياة فسأظل ضد اليأس والتشاؤم، فأنا مع الحياة والحب والمرح والتفاؤل، وليس هناك في قلبي ولو ذرة واحدة من التشاؤم، ذلك أنني أؤمن بأنني سأعيش ليس في هذا العصر، بل سوف أراكم بعد عشرات السنين، وتذكروا هذا الموعد…

كذلك فإن لي القدرة أن أكون في ليالي الشتاء والمطر ينهمر والرعد يصم الآذان، ومع ذلك أحس أن الربيع في بيتي، وأن الحياة جميلة فأنا بطبيعتي أفلسف الأمور  إذ لا أقول أن هذا النهار غائم بدون شمس، بل أقول بأن الشمس في هذه الحالة تستعد وراء خبائها.. إنها تتزين وتنتظر أن تخرج بشكل أجمل، فلماذا لا ننتظرها…

لهذا فإننا عندما نكون متفائلين نستطيع أن نرى عرجون الفل ونحن في ليلة شتائية ممطرة.. ونكون قادرين على تغيير الفصول ودورة الزمن وكل الأشياء الرمادية لنجعلها مشرقة.. لذلك فأنا دائماً متفائل ولو كان الدمع يملأ عيني، فلقد ألغيت النهايات من حياتي وصرت أبدأ من جديد كل يوم، لا آسف على ما مر لأن الطبيعة تدور وتعيد إليّ ما فات مرة أخرى.

التقليدي والحر

– ما بين الشعر التقليدي والشعر الحر (الحديث)، أين يجد الشاعر علي صدقي نفسه، ولماذا ؟

– أنا لا أفرق بين الشعر العمودي وشعر العصر، لأن كلا اللونين له جمالية، وله المبرر لوجوده.

فكيف يمكن أن أقبل من يضع على زنده إشارة ويقول: أنا أنظّم مرور الشعر.. الشعر لا تنظمه خرقة مربوطة على زند مدّعي التنظيم لأنه شعر، ولو كان قابلاً للتنظيم لكان ذلك مدعي التنظيم أعظم الشعراء.

الشعر هو ابن زمنه وابن حالته، لهذا فأنا مع الشعر الحر الذي يظهر كما تظهر الزهور، هذه زهرة حمراء، تلك زهرة برتقالية، وأخرى زهرة بنفسجية.. وأنا مع الشعر الذي هو يفرز قواعده الخاصة ويستحدث شكله الذي يريد..

لذلك فأنا لست مع من يقول بأن الشعر الحديث خارج عن القاعدة بل أقول بأن الشعر الأجمل هو الخارج عن القاعدة، لأن القاعدة القديمة لا تستطيع أن تؤكد أن هذا شعر.

كما أن الشعر الحقيقي هو الذي تخرج قاعدته من بين ثناياه.. من بين خفقاته، فخفقات قلوبنا، ورمش عيوننا، وحركات أصابعنا، وخطانا بالطريق، لها حركاتها ووزنها ولها نبضها الخاص، وهي لا تحتاج إلى من ينظم لها تلك النبضات.

لقد بدأت الكتابة بالشعر التقليدي، وفي ديواني الأول كان هناك شعر تقليدي وكذلك شعر حديث، فأنا مغرم دائماً بالتجديد، لهذا يقول النقاد (إنك تكتب شعر ما بعد الحداثة أيضاً) ومن هنا فإنك تجدني دائماً حتى عندما ألقي كلمة لا أقولها كالعادة، فأنا لا أريد أن أقرأ ما هو مكتوب بورقة الكاربون، بل أريد أن أكون أنا، فالكلمات الجميلة ليست موجودة على طبق بحيث يقرؤها أو يستفيد منها الجميع، ذلك أنه لا يمكن أن يقبض على الفرح من يستطيع أن يزن كلمة صباح الخير، فهذه الأشياء لا توزن  ولا يقبض عليها ولا تلمس، لهذا فنحن سعداء بهذه الأشياء المسحورة العجائبية الغرائبية التي نحس بها، ولا نعرف ماهيتها ولا وزنها ولا شكلها ولا لونها.

– هل تعد نفسك من رواد حركة التجديد الشعري في ليبيا  ؟

– لو كنت أنا أعلم بأن قصيدتي في أحد دواويني مثلاً هي المثل الأعلى لكنت كتبت نسخاً أخرى منها، ولكنني دائما أنظر إلى الشمس من أين تطلع وأسمعها، فالشمس حين تطلع من المشرق تقول لنا عليكم أن تكونوا مع التجديد، مع الحياة، لأنني أعتقد أن الشمس في كل يوم هي جديدة وليست شمس الأمس، لهذا فأنا مع التفكير، مع التجديد، مع التمرد، وحتى في مقابلتي هذه فأنا لا أقول شيئاً مألوفاً، ولكنني أقول شيئاً خارجاً عن الأشياء التي تقال عادة في مثل هذه المواضيع، لأنني لا أصعد النخلة من جذورها فقط، ولكنني أصعد النخلة عن طريق آخر، قد يكون عن طريق الريح، وقد يكون عن طريق جناح أصنعه لنفسي وأطير به.

ويمكنني القول بأنني من أوائل الذين كتبوا الشعر الحديث في ليبيا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وصدر لي بعد هذه الفترة عدد من الدواوين مثل ديوان (أحلام وثورة) و(مطر وزغاريد بالفجر) و(الكلمة لها عينان) وغيرها. لذلك فأنا أضع نفسي بين ورق خضرته وورق ضوئه وزهره، ذلك أن الشعر الحديث هو ظاهرة طبيعية تدل على أن الحياة في أدبنا متجددة وليس هناك توقف أمام الأبواب المغلقة.

– مدينة طرابلس، وما هي ملامحها أو صورتها في أشعارك ؟

– لقد كتبت الكثير عن مدينة طرابلس، وآخر ما كتبته عنها (طرابلس نصفها حب ونصفها وطن).. وأستطيع القول بأنه خلال مسيرة حياتي الطويلة زرت الكثير من المدن العربية والأوروبية، ولكنني لم أسمع في أي مدينة زرتها في الخارج أن جدرانها تتكلم إلا طرابلس، فطرابلس جدرانها تتكلم في الليل، وشرفاتها تتكلم، ولنسائها بسمة وملامح خاصة، لذلك فأنا أضع طرابلس بين جفوني وأذهب في الشوارع وأغني وأقول ” طرابلس الحب “.

الثقافة والشعر

– إلى أي مدى تسهم الثقافة في إثراء التجربة الإبداعية للشاعر ؟

– الثقافية مهمة في كل عصر ولكل جيل، فأنا أحلم دائماً بالثقافة حلما جميلا، فالذي ليست له معرفة بالأشياء وبالحياة فإنه يعيش حياة محدودة كأنه في صندوق، ذلك الصندوق ليس به مساحة يستطيع أن يمتد بها.

– وبمن تأثرت من الشعراء العرب والأجانب ؟

– أود أن أقول بأن التأثر شيء والإعجاب شيء آخر، فإذا كان المقصود من التأثر هو النسج على منوال هذا الشاعر أو ذلك الكاتب، فهذا ما لا أفعله، ذلك لأن لي لوني الخاص وذاتي الخاصة، ولي أسلوبي المميز، فأنا من أساليبي التي استعملتها قد تخرج أحياناً عن الواقع، منها مثلا أشعاري يحيا الحب، لا موت بعد الآن، لا شيخوخة.

وبشكل عام ليس هناك شاعر محدد تأثرت به، ولكنني أحببت الكثير منهم، وبشكل خاص الذين كانوا يعبرون عن أنفسهم وعن الحياة وعن العواطف الجميلة، فمثلاً من الشعراء العرب القدامى امرؤ القيس لأنه شاعر عاشق استطاع أن يكون أمير الشعراء حيث تميزت معلقته بالعواطف والحب، والشاعر الشريف الرضي، ومن المهجر إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران، ومن الأجانب رامبو وبترارك.

– لو لم تكن شاعرا، فماذا كنت تتمنى أن تكون ؟

– لو لم أكن شاعرا، لكنت حاملا للزهور أقف في مفترق الطريق، تمر فتاة أشبك بشعرها وردة حمراء، يمر عاشق أقدم له قرنفلة، يمر طفل في طريقه إلى المدرسة أهديه زهرة، يمر ضائع يسأل عن الدرب الذي فقده أقدم له زهرة وأقول له هذه تدلك على الدرب المنشود.

لو لم أكن شاعرا، لكنت حامل ماء أقف بالطريق وأقدم الماء للعطاشى الذين فقدوا الماء.

لو لم أكن شاعرا، لكنت مغنيا لأجعل المحزونين والبؤساء واليائسين يستعيدون ثقتهم بالحياة ليبدءوا الحب من جديد.

لو لم أكن شاعرا، لكنت حاملا للحلوى أنثرها للعصافير وأقدمها للأطفال ليستعيدوا فرحهم ويغنوا.. الحياة.. الحب.. الوطن.

الحركة الشعرية

– كيف تنظر إلى واقع الحركة الشعرية في ليبيا والوطن العربي ؟

– الزهرة التي تنبت في ليبيا هي نفس الزهرة التي تنبت في بلد آخر، والربيع عندما يأتي هنا فهو لا يأتي بوجه يختلف عن الوجه الذي يأتي فيه ببلد آخر، والشمس التي تشرق على قصر السلطان هي نفسها التي تسقط بأشعتها على كوخ الإنسان العادي..

فالشمس هي الشمس، والشعر هو الشعر، ولكن المذاق هو الأهم، فالشعر يجب أن يتوفر فيه شرطان، أولهما أن يكون الشاعر الذي يلقي قصيدته مقتدرا، وأن يضع يده على النقطة السحرية، وثانيهما أن يكون المتلقي بنفس المستوى، فالشعر والمتلقي كلاهما يشكلان الشعر.

– وماذا عن أبرز دواوينك الشعرية ؟

– إن لي سبعة دواوين مطبوعة، ولي أكثر من هذا ينتظر الطبع، والشعر مثل رائحة الوردة ورائحة أي زهرة أخرى مثل القرنفل أو البنفسج.. من يستطيع أن يقول إن لون قوس قزح الأزرق أفضل من الورد، أو أن الورد أفضل من قوس قزح، هذه الأشياء لا تفاضل بينها ولا يمكن أن نجعلها أولى وثانية…

– المهرجانان الشعرية، كيف تنظر إلى أهميتها ومستواها ؟

– بالنسبة للمهرجانات التي عقدت على الصعيد العربي، فإني قد شاركت في العديد منها إذا لم تكن جميعها، أما في البلاد الأوروبية فقد شاركت في مهرجانات شعرية في يوغسلافيا وأسبانيا وبلغاريا وإيطاليا، لهذا فأنا لا أستطيع أن أكون حكما فاصلا في تقييم هذه المهرجانات ودرجة مستواها، فالأشياء الجملية لا تحدد.

– وما هي الجوائز والتكريمات التي حصلت عليها ؟

– لقد تحصلت على العديد من الجوائز والتكريمات سواء كان في داخل ليبيا أو خارجها أي في العالم العربي، كما ترجمت دواويني إلى العديد من اللغات الأوروبية، وأشعاري متداولة في كثير من البلدان العربية مثل مصر وسوريا والسودان، وهناك فتاة يوغسلافية كتبت أطروحة عن شاعر الشباب “علي صدقي عبد القادر”، واسمها (ياسمين بوشكسفي).

– كلمة أخيرة تود قولها ؟

– أجل كلمتي الأخيرة هي يحيا الحب.

مقالات ذات علاقة

سونيا الفرجاني … تُشفيك اللغة عبر شفتيِّ القصيدة

مهند سليمان

الفنان التشكيلي/ علي عمر الرميص.. تواصل تام بين الفن والأدب

المشرف العام

الشاعرة أميلة النيهوم :اللغة الفخمة تُقرأ بروح حاضرة وقلب مجذوب

مهند سليمان

اترك تعليق