حوارات

الشاعر: فرج العربي: نعيش مناخاً مشتركاً بأنفاس مختلفة

شاعر ليبي يقول نفسه بهدوء ويعيش كما يريد..

فرج العربي:

نعيش مناخاً مشتركاً بأنفاس مختلفة….

هناك شرخ عربي عام بين حداثة وافدة ومجتمع متخلف

الجرأة أهم ما يميز المشهد الشعري في ليبيا وكل الأجيال تعيش حالة تصالح

حواره: أحمد راشد ثاني

الشاعر: فرج العربي

بقيت التجربة الثقافية الليبية المعاصرة مجهولة لدى القارئ العربي، ولعله تفاجأ بنوعية بعض الأسماء والظواهر الثقافية حين قرأ بدءا من منتصف الثمانينيات لكتاب كالصادق النيهوم وإبراهيم الكوني وغيرهما.. والتجربة الشعرية الشابة في ليبيا تطلعت كغيرها من التجارب العربية إلى طرح مختلف عن الطرح السائد عربياً، أو في ليبيا على الأخص. وهي بذلك شاركت أقرائها العرب في هذا التطلع.

هنا في هذا الحوار نجمع مجموعة من الأسئلة الأولى حول هذه التجربة ونطرحها على الشاعر فرج العربي. وفرج من مواليد الجبل الأخضر بليبيا عام 1961. بدأ بالكتابة في صحيفة الجماهيرية عام 1980 وأصدر مجموعتين: (بدايات) عن دار الجماهيرية في ليبيا عام 94 و(الوقت دفعة واحدة) عن نفس الدار عام 1998.

نشر في صحف ومجلات عربية عدة كالنهار اللبنانية والحياة والقدس العربي اللندنيتين والناقد ومواقف ونزوى، له تحت الطبع مجموعة شعرية قد يعنونها ب(كل أرواحنا فقط) وكتاب بعنوان (صمت اللغة وفضاء الشعر) وهو مجموعة قراءات وأبحاث في الشعر العربي، يعمل الآن مديراً للمركز الثقافي الليبي في أنقرة.

* أهكذا فجأة يكتشف العرب في التسعينات نتاجاً أدبياً قصصياً كان أو روائياً أو شعرياً في ليبيا؟

** ربما.. أو السبب هو النشر حيث لم ينشر الكتاب نتاجهم خارج ليبيا وعندما نشر بعضهم في دور نشر معروفة وتوزع بشكل جيد في الوطن العربي عرفت بعض الأسماء الليبية أمثال الصادق النيهوم، إبراهيم الكوني، أحمد إبراهيم الفقيه وغيرهم.. وهذا لا يعني عدم وجود أصوات أخرى لها حضورها الإبداعي المميز غير هذه السماء ولكن هذه الإشكالية ليست في ليبيا فقط بل في أقطار عربية عديدة.

* أفهم من ذلك أن الأصوات الشعرية الجديدة لديها إصداراتها في الداخل الليبي.. ما شكل ونوع هذه الإصدارات.. كتب، مجلات، نشرات، وهل هي خاصة أو عامة ورسمية؟

** في فترة سابقة كانت هناك إشكالية على مستوى نشر الكتاب، حيث هناك دار نشر رسمية واحدة وتراكمت مجموعة كبيرة من الكتاب من دون كتب وهذا أعاق حركة الحضور الثقافي حتى في الساحة المحلية ولكن الآن تعددت دور النشر وصار هناك تراكم كمي في الإصدارات.. مع ذلك ظلت بعض المجلات مستمرة في الصدور مثل مجلة الفصول الأربعة التي تصدر عن رابطة الأدباء الليبيين ومجلة الثقافة العربية إضافة إلى الملاحق الثقافية التي تصدر عن الصحف، وظلت هذه المجلات هي المتن الحقيقي لحركة النشر وتشكل حولها هامشاً ثقافياً أثيرت من خلاله أسئلة كثيرة حول الإبداع في ليبيا وأقيمت بعض الندوات والأمسيات.

شعراء الحداثة

* إلى أي مدى تتقبل هذه المنابر أصوات الحداثة، بمعنى هل هناك تقبل وهضم نقدي لشعراء قصيدة النثر مثلا؟

** في البداية تعرضت هذه الأصوات لهجوم عنيف لأنها اخترقت الفهم الجاهز للشعر ولكنها استطاعت أن تفرض حضورها بعمق لأنها انطلقت من أرضية حقيقية بعيداً عن الإدعاء والتهويم وصارت هذه الأصوات ضمن الحضور الثقافي في ليبيا ليس فقط على مستوى الإبداع ولكن حضور هذه الأصوات ضمن المؤسسات الثقافية والمجلات والصحف وبذلك انكسر الحاجز في التعامل مع النص الجديد ضمن المشهد الثقافي الليبي وصارت هناك أسئلة جديدة بعيداً عن تعريف الشعر هل هو الموزون والمقفى أم هو المعرفة والحياة.

وصار الاهتمام النقدي بهذه الأصوات على أنها ضمن تطور القصيدة الليبية بشكل طبيعي بل أن هناك مجموعة من الشعراء من أجيال سابقة صاروا يكتبون قصيدة النثر وأصبحت كل الأجيال تتعايش وسط مناخ صحي إلى حد كبير.

* لا أظنني ولا القارئ هنا على تصور واضح للمشهد الشعري الشاب والحداثي في ليبيا.. كيف بالإمكان توصيف هذا المشهد؟

** المشهد الحداثي في ليبيا لا يختلف عن أي مشهد عربي وإن كانت هناك خصوصية تكمن في التجربة ليس فقط للشعر في ليبيا بل التجربة لكل شاعر وبذلك تتشكل خصوصية القصيدة التي تلتقط اللحظة الشعرية المشهد هو الجرأة ليس فقط في تناول المواضيع المحظورة في القصيدة العربية بل في طرح السؤال الإبداعي الجاد، أيضاً اهتمام هذا المشهد بالتفاصيل اليومية للحياة وبناء النص ضمن حالة معرفية تنطلق من رؤية وشفافية الشاعر.

هذا الكلام يمكن تلمسه عند الإطلاع على التجارب الشعرية في ليبيا ويمكن هنا أن نذكر بعض الأسماء التي أسهمت في هذا المشهد هناك أسماء ودخلت ضمن القصيدة الجديدة مثل الشاعر الكبير على صدقي عبد القادر، على الغزالي، الجيلاني طريبشان، محمد الفقيه صالح.. إضافة إلى الأصوات الجديدة مثل، فوزية شلابي، عاشور الطويبي، مفتاح العماري، خديجة الصادق، محب الدين محجوب، حواء القمودي، سالم العوكلي، فرج أبو شينة، وغيرهم.

هذه الأصوات تحاول أن تخلق مناخاً تؤكد بأن الشعر هو الحياة في تجلياتها.

* إذا أراد أحد أن يقرأ لهؤلاء، خصوصاً الأصوات الجديدة، أين يعثر على نصوصهم، أي ما السبيل للوصول إلى أرواحهم؟

**  منهم من طبع مجموعات شعرية وأغلبها صدرت عن الدار الجماهيرية للنشر بليبيا وتشارك هذه الدار في المعارض التي تقام في الدول العربية ومنهم من نشر نتاجه في الصحف والمجلات الليبية والعربية وقد نشرت مجموعة من الملفات التي تمثل هؤلاء الشعراء في مجلات وصحف عربية منها مجلة الناقد، الشعر (المصرية)، الجيل (الأردنية)، المسار (التونسية) وغيرها.

وتظل هناك إشكالية على مستوى نشر الكتاب في الوطن العربي بل الأهم لإشكالية القراءة وسط المتغيرات التقنية والحياتية التي نعيشها اليوم.

* .. ثم أين فرج العربي من هنا؟

** أنا أسعى إلى أن أقول نفسي بهدوء ودونما ضجة.. أسعى إلى أن أعيش الحياة بكل امتلائها.. أمارس الشعر قبل كتابته، لا يهمني كثيراً أن أكون شاعراً كبيراً بمعنى الشهرة العالية بل يهمني أن أعيش كما أريد ى كما يراد لي.

أسهمت مع جيلي في تأسيس لغة جديدة في الشعر الليبي كما أسهمت على مستوى الثقافة الليبية. في المشاركة بتأسيس مجموعة من الصحف والمجلات والمنابر الثقافية إضافة إلى إقامة المهرجانات والندوات، دورنا له حضور في الثقافية الليبية، وهذا يسعدني كون إني قمت بدور في حياتي.. وتبقى همومنا اليومية التي نعيش، علاقتنا بالعالم من حولنا، رصد رغباتنا، محاولة القبض على الفرح وسط آلام كثيرة.. كتابات كثيرة كتبت عني وهي تسعدني أيضاً، يسعدني أن تتصل بي فتاة جامعية وهي تعد رسالة عن الشعر الجديد وتعتبرني من الأصوات التي لا يمكن تجاهلها في حركة الشعر الليبي.

أحكي هنا بهدوء وأترك للذين يعرفونني في ليبيا أو في غيرها أن يقولوا من هو فرج العربي.

الخليج وليبيا

* نعرف جميعا أن ليبيا جماهيرية عظمى ونفطية. هل حدث لديك كفرد من جيل ذلك الشرخ الذي حدث في الخليج بين مجتمع منسجم ومغلق؟

** في اعتقادي أن الشرخ الذي حدث هو شرخ عربي بين حداثة وافدة ومجتمع متخلف وبذلك حدث عدم التوازن أو الانسجام بحيث صار المواطن العربي يقود السيارة كمن يقود جملا أو بغلا، يتعامل مع المصعد وكأنه طائرة مؤقتة ويمكن له أن يتورط في السلالم الكهربائية.

الشرخ الذي حدث في الانكسارات العربية الكبيرة التي عشناها طوال تواريخ متعددة من القمع ومحاولة نسيان الذات وافتقاد الهوية رغم وضوحها فينا، الشرخ لا أعيشه كفرد ولكننا نعيشه كمجتمع عربي يعاني من الوحل اليومي في الحياة، يعاني من غياب التواصل مع الذات المهزومة قبل تواصله مع الآخر.

* السائد وبغض النظر عن قيمته، إن الإنسان في ليبيا عنيف، جاهلي أي بدوي، وبعيد عن روح القانون ومطبعته كيف هو الإنسان الليبي برأيك؟ كيف هو فيك؟

** الذي يقول هذا الكلام لم يزر ليبيا ولم يعرف من هو المواطن الليبي وهذا ربما يقال من إنسان غير عربي لا يعرف من هو المواطن العربي، والليبي لم يأت من كوكب آخر لكي يوصف بهذا الشكل.. استغرب مثل هذا السؤال- بغض النظر عن قيمته- ومع ذلك اترك للذي يسأل مثل هذا السؤال أن يعرف أولا تاريخ ليبيا وحضورها في الساحة العربية والليبية ويطلع على الثقافة الليبية وإبداعات كتابها ويشاهد تلفزيونها الفضائي ويستمع إلى إذاعتها ثم سيعرف نفسه من هو الليبي.

* كشاعر كيف ترى تركيا، وكيف تعيش؟

** من طبيعتي أحب السفر وارتياد المجهول واكتشاف ما هو غامض وتركيا بالنسبة لي عالم جديد بلغتها وطبيعتها وروح البشر فيها، وعملي في هذا البلد يتيح أمامي اكتشافا جديدا لتركيا غير تركيا العثمانية التي هي موجودة في داخلنا طوال أربعة قرون هناك عالم من المتناقضات بين بلد عصري يريد أن يدخل الاتحاد الأوروبي وبين عالم يعيش عقلية العهد العثماني.. هناك تناقض في السلوك والمعرفة، هناك أسرار في هذا البلد، أسعى اليوم إلى تعلم اللغة التركية لكي أعيش الغموض واكتشف معناه.. وربما ستكون تجربة العيش في مثل هذا البلد مثمرة على مستوى الروح.. يكفي أنني أستشرف نفسي وأنظر إلى الغد بهدوء.

* صحيفة البيان الإماراتية

مقالات ذات علاقة

الأمين المساعد: إبراهيم حميدان/ رابطة الأدباء ليست أمانة للثقافة

المشرف العام

الحبيب الأمين: كتاباتي أزعجت القذافي ومهدت لرحيله

المشرف العام

مريم هنيدي: في الطين تكمن حقيقة الإنسان

حواء القمودي

اترك تعليق