الفنان التشكيلي/ علي عمر الرميص
تواصل تام بين الفن والأدب
حاورته: لولوة الحمود- لندن
ما إن تدخل القاعة الإسلامية في المتحف البريطاني وسط لندن حتى تستوقفك لوحة قوية في بساطتها ورائعة في تواضعها، تحوي حرفاً واحداً من الحروف العربية وهو حرف الكاف كتب بحرية متجرداً من قوانين الكتابة وموازينها المعروفة لدينا. رسم الحرف باللون الأسود على خلفية بيضاء وحوله خطت أبيات من الشعر بالخط المغربي تقول:
حتى متى لا نرى عدلاً نسر به ولا نرى لولاة الحق أعوانا مستمسكين بحق قائمين به إذا تلون أهل الجور ألوانا يا للرجال نداء لا دواء له وقائد ذي عمىً يقتاد عميانا تلك هي أبيات رويت للمنصور في نهاية الدولة الأموية ومطلع الدولة العباسية. لا شك إنني أسرت بمعانيها الناطقة عن الحالة التي نعاني منها اليوم.
عند لقائي بالفنان العالمي والكاتب “علي عمر الرميص” وجدته مفكراً اجتماعياً أكثر منه فناناً. فبالرغم من تعدد الأسئلة إلا أن إجاباته كانت كلها تدور حول الإنسانية والعدل وبوجه خاص حال الأمة الإسلامية اليوم. وهو يقدم فكراً اجتماعياً وبحوثا من خلال مقالاته ومحاضراته في لندن. يرى الرميص إن دور الفنان لا يختلف عن دور المسئولين عن قضايا المجتمع ويقول: إن مسؤولية الفنان كبيرة ولا بد له أن يحمل حضارته ويعبر عنها في العرض والتفكير والإيجاز فأنا ارسم لوحاتي مثلما اكتب مقالاً أو القي محاضرة. الرسم بالنسبة لي ما هو إلا نتيجة بحث وتفكير عميقين.
مزج علي عمر الرميص مفهوم الرسم مقابل الكتابة. يحدثنا الرميص عن استخدامه للحرف العربي كمحور أساسي في اللوحة بقوله: أنا لست بالخطاط وإنما رسام للحرف، هو بالنسبة لي اختصار لتاريخ وحضارة أمة.
وعن اختياره للتعبير التجريدي في لوحاته يعلق الرميص قائلا: فكرة التجريد أصلا هي فكرة إسلامية تكونت حولها فلسفة واضحة. فنحن لا يوجد لدينا تصور مرسوم عن الله سبحانه وتعالى، بل نستطيع أن نعبر عن شعورنا وإيماننا بالخالق عز وجل.
أما عن موقفه من المدرسة الواقعية في الرسم فيقول: إنها وجدت لأنها كانت تعمل عمل المصور الذي يصور الشخص أو الحدث أو المكان.
ويتساءل: لماذا نقلد الأشكال التي ابتدعها الله عندما يكون هناك إبداعات أخرى يمكن عملها. لقد اخترت أن يكون الحرف العربي احد المحاور الرئيسية في اللوحة لأنه يفوق حدود المكان والزمان وليس هناك أكثر تجريداً من الحرف بشكل عام.
بالرغم من أن لوحات الرميص تحتوي دائماً على حروف عربية إلا أن استخدامه لها حديث ومتنوع في مدى التجريد واستخدامه للألوان، فهو تارة يرسم حرفاً واحداً بلون واحد وتارة أخرى يستخدم حروفاً متعددة مستخدماً ألوانا كثيرة الطبقات.
إن استخدامه للون في لوحاته ينم عن تقنية وحرفية رفيعة المستوى يخلط فيها الحبر مع ألوان «الاكريليك» مضيفاً بذلك عمقاً للعمق القائم وشفافية لمضمون اللوحة ومبتعداً بذلك عن الطرق التقليدية المستخدمة عادة. ويرى الرميص أن أسلوبه هو حصيلة تجارب شخصية. ويقول: هذا ينبع من عدم الخوف من الوقوع في الخطأ فالطريقة التي اسلكها قد تكون ممنوعة في مدارس الفن المتعددة. لقد تعلمت وأتقنت هذه المدارس ثم اتخذت أسلوبي الخاص بي الذي يميزني عن غيري.
لوحات الرميص شدت العديد من المهتمين بالفن في العالم الغربي. فهو يرى إن الفنان ليس فقط منتجاً لصور جميلة فحسب وإلا أصبح عملاً جاهلاً بل لا بد أن يترك حضارة وتراثا يعبران عن العالم الذي أتى منه بما في ذلك اللغة والأدب والأخلاقيات وهي مادة فكرية قد تظهر بشكل كتابة أو رسم أو شعر.
يحظى الفنان الرميص بشهرة واسعة لدى المهتمين بالفن في العالم الغربي، وقد عرضت لوحاته في بلاد أقصى الشرق كما في أقصى الغرب كالمتحف البريطاني بلندن والاشمولي في مدينة أكسفورد والمتحف الوطني في ماليزيا كذلك معهد سميشسونيان في واشنطن.
وتمتلك أعماله مؤسسات عامة مثل مطار الملك خالد في الرياض والسفارة السعودية في لندن كذلك الحكومة البريطانية وشركة موبيل للبترول. كما إن أعماله جزء من الممتلكات الخاصة لدى بعض الأمراء منهم الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا.
الرسم لغة عالمية
بالرغم من أن المحور الأساسي في لوحاته هو العنصر الأدبي، إلا انه لا يرى ضرورة لترجمة موضوعها لإيمانه أن فن الرسم أشبه بلغة عالمية فهناك معالجات أخرى للون والحجم والكتلة والفراغ والنغم التي تكون معاً عملاً فنياً متكاملاً يمكن للجميع الاستمتاع به.
وعن موقفه تجاه الفن الغربي بشكل عام يقول الرميص: إن الإنسان في العالم الغربي أصبح متمركزاً على ذاته وغرائزه وفنه هو حالة تعبر عن ذلك حيث أصبح تعبيره الفني كالغريزة الفطرية لا مكان للإبداع فيها، فقد غابت الروحانيات عن هذا العالم الذي أصبح مادياً بحتا.
ويرى الرميص إن المجتمع العربي والإسلامي في الغرب مغيب وفي بحثه عن هذا الموضوع يتساءل: أين الإضافة الفكرية للفن العربي الإسلامي المعاصر؟ ليس من العيب الاستفادة مما هو جديد في العالم الغربي الذي استفاد بذكاء من خبراتنا فليس من الممكن أن ننكر هذه الحضارة وما وصلت إليه ولكن العيب هو أن ننقل الأمور كما هي بلا فهم ونصبح كالعادم الذي احترق في عملية التفاعل الحضاري. لقد فرط العرب بأنفسهم بتفريطهم بلغتهم ودينهم وهم يدفعون ثمن ذلك اليوم، ولا بد من التوازن في كل شيء حتى نكون مجتمعاً فعالاً فنحن لا تنقصنا الكفاءات ولا المواهب بل نحن مساهمون في بناء الحضارة الغربية التي نعيش فيها، وهناك أعداد هائلة من المحامين والأطباء والمهندسين والفنانين في بريطانيا. وما ينقصنا هو منهاج فكري ننطلق منه بدلا من أن نستمر في لوم الآخرين.
عن صحيفة الشرق الأوسط