حوارات

القاص: أحمد يوسف عقيلة/ القصة بالنسبة لي متعة وممارسة حياة

قرأتُ ربع قرن في كل الآداب العربية والعالمية

القصة بالنسبة لي مُتعة وممارسة حياة.. وأنا أكتب بدهشة طفولية

الإنسان الأول يحفر على جدران الكهوف.. ونحن الآن نسجِّل على الورق.. ما الذي تغيَّر

حاوره الشاعر: عبدالباسط أبوبكر محمد.

القاص: أحمد يوسف عقيلة

 

أحمد يوسف عقيلة كاتب القرية الذي لم يفارقها يوماً.. هذا الانهماك بالتفاصيل الصغيرة.. هذه الدهشة التي تلتصق بك وتفاجئك من خلال أشجار الشماري والبطُّوم.. تجربة قصصية يكتبها أحمد يوسف بأدوات مناسبة وبتقنية بسيطة.. وعبر امتداد زمني ليس بالقصير.. استطاع أن يُحدِّد أغلب الخطوط الرئيسية.. ما يشدُّنا في تجربة أحمد يوسف هذا الانشغال في كتابة قصصه.. لذلك فهي تستوقفنا كثيراً للتأمل.. معه كان لنا هذا الحوار:

.. من خلال مجموعتك القصصية الأولى (الخيول البيض) تظهر حالات واضحة من التأثيرات المختلفة. أيّ التجارب القصصية _عربية وعالمية_ كانت صاحبة النصيب الأكبر في تجربتك؟

– قبل أن أبدأ الكتابة.. قرأتُ ربع قرن في كل الآداب العربية والعالمية.. كنتُ أقرأ بنهم.. وحين بدأت الكتابة تأثرتُ بكل مَن قرأتُ لهم.. ولم أقع تحت تأثير كاتب معين.. وأعتقد أن التأثر شيء طبيعي في المراحل الأولى من حياة   الكاتب.. لكنني كنتُ أسعى دائماً لأقول نفسي.. ليكون لي صوتي الخاص.. بغضّ النظر عن قيمة هذا الصوت.

.. حالة البحث المحموم عن تجربة قصصية متميزة تطرحها من خلال أجواء القصة.. فبعد أن كانت القصة لديك تقوم على الحوار وصنع جدلية خاصة بين الشخوص والمكان.. جاءت القصة التصويرية _إن صحت التسمية_ لتحمل وصفاً مشهدياً للمكان.. مع محاولة تحميل اللغة مجموعة كبيرة من الإيحاءات التي تحمل رؤية القاص الخاصة.. إلى أي حدّ ترى أن هذا النوع من القصص يُلائم تجربتك؟

– القصة بالنسبة لي مُتعة وممارسة حياة.. وأنا أكتب بدهشة طفولية.. (الدهشة إزاء البديهيات) كما يقول الشاعر “مفتاح العمَّاري”.. و(لكي يكون للحياة معنى.. فلا بد أن تصبح قصة) كما يقول “كولن ولسن”.. واللغة بالنسبة لي جماليات وليست مجرد وسيلة تعبير.. أمَّا ماعدا ذلك فإنني لا أعرف.. بعيداً عن أي تواضع زائف.

.. إلى أي حدّ تظل تجربة القصة القصيرة ناضجة في نظرك؟ وهل تحتوي القصة القصيرة على كل ما يريد القاص أن يقوله؟ وهل تلمس تكراراً في المواضيع المطروحة من خلال قصصك؟ مع الأخذ في الاعتبار الاتساع الذي توفره الرواية.

– الحكم على تجربة الكاتب بالنضوج من عدمه يُقرره الآخرون.. أمَّا بالنسبة للقصة القصيرة فإنني أراها _حالياً_ تُعبِّر عن كل ما أريد قوله.. وكتابة الرواية ليست موضةً أو ترَفاً.. بل هي حاجة.. حاجة للكاتب نفسه قبل كل شيء.. وينبغي للقاص أن يعرف إمكاناته جيداً قبل أن ينتقل إلى كتابة الرواية.. أما عن التكرار فإن الكاتب له موضوعة واحدة يُقلِّبها _إن صحَّ التعبير_ كما يُقلِّب شخصٌ ما شيئاً بين أصابعه لينظر إليه من زوايا مختلفة.. وهذا ما قد يُوهِم بالتكرار.

 

.. تأخذ أغلب قصصك مستوىً آخر.. هو صهرها لأغلب الروايات الشفهية المتناثرة في المجتمع القروي الليبي.. هل تعطي الروايات الشفهية للقصة القصيرة فضاءً متسعاً؟ وإلى أي مستوى تظل إضافة القاص لمسة أساسية وبارزة في هيكل الحكاية الأصلية؟

– للإجابة عن هذا السؤال أُحيلك إلى ما قاله القاص (عمر الككلي) عن مجموعتي الأولى (الخيول البيض) حيث كتب: (وفي قصص أحمد يوسف عقيلة نجد الْتزاماً صارماً بخطِّية السرد.. والْتزاماً أقلّ صرامة باتساع زمن الحكاية.. ثم قدراً ما من التحرر فيما يتعلَّق بالالتفات إلى التفاصيل الصغيرة والاهتمام برسم ” الشخصيات ” واستبطان عوالمها الداخلية.. وهو ـ إضافة إلى هذا التحرر النسبي ـ يقوم ببعض الإجراءات التي تؤدي وظيفة كسر الشكل النمطي للحكاية.. فهو غالباً ما يدخل صلب الحكاية دون تمهيد.. وزيادة في تأكيد هذا الدخول أو الاقتحام فإنه كثيراً ما يبدأ السطر الأول في القصة بثلاث نقط.. وهذه الحيلة تجعل القارئ يحسّ كما لو أنه يدخل مجلساً للسمر ليجد شخصاً قد انخرط في سرد حكاية قبل دخوله.. كما أنه يلجأ في بعض أماكن من الحكاية إلى إدخال قدر من الشعرية تعتمد التكثيف وتحريك الإيقاع الداخلي للجُمَل.. ويلجأ كذلك إلى التركيز على الحوار في حالات عديدة.. وأخيراً يقوم بتقسيم العمل إلى فقرات مرقَّمة كسراً لاستطالة الزمن..).

.. في الكتابة بشكل عام.. تظل الخصوصية هي أهم متطلبات أي عمل إبداعي.. هل تُحسّ أنك تكتب بخصوصية تناسبك كقاص.. وتُشكِّل لك بصمة في الساحة الأدبية؟

– الخصوصية ليست شيئاً محدداً يمكن الإشارة إليه بوضوح.. فهي في المكان.. واللغة.. وأساليب التفكير والحوار.. وفي الأكل واللباس والملامح.. وحتى في الفرح والحزن.. وفي التفاصيل الصغيرة التي قد لا يُلتفَت إليها.. والخصوصية شكَّلت لي هاجساً منذ كتابة أول قصة.. أليست لنا خصوصية ليبية في السرد؟ نعم لدينا خصوصية.. وأنا أسعى إلى ترسيخها.

.. الحوار في القصة جزء مهم من فكرة يؤديها النص.. هل ترى أن الحوار العامي يفيد القصة؟ أو هل يظل يُشكِّل حالة انفصال عن المتلقي؟ وهل استفدت من التراكيب اللغوية الشفهية الدارجة في اللهجة الليبية؟

– معظم الحوارات في قصصي تأتي باللغة الفصحى.. فهي اللغة الأم.. الأكثر رحابة.. أما الحوار باللهجة فإنني ألجأ إليه أحياناً للتخفيف من النبرة العالية.. وهو أيضاً جزء من إضفاء الخصوصية.. كما أن اللهجة الليبية غنية بالتنغيمات وبالتراكيب والتعابير.. وأنا أُوظفها قدر المستطاع.

.. بعض قصصك اعتمدت على بعض المفارقات في اللغة.. هل تؤدي هذه المفارقات إلى إكمال الفكرة التي يُقدِّمها النص؟

– أعتقد أنك تقصد بالمفارقات التلاعب باللغة.. كما في قصة (تحولات) من مجموعة (الخيول البيض) حيث تحول الوزير إلى “زير” بعد سقوط الواو.. ثم تحول إلى “زر” بعد سقوط الياء.. ثم تحول إلى “رز” بعد قلبه.. فإنني اتَّبعتُ هذا الأسلوب في بعض القصص كنوع من السخرية.. ولأجعل اللغة تنمو مكان الحدث.. ولأشعل الكلمات المُطفأة من الداخل.. فكما يقول الراحل الصادق النيهوم : (الكلمات- كل الكلمات في كل اللغات- مُطفَأة مثل عيون الخنازير).

 

.. لماذا تكتب؟

– كان الإنسان الأول يحفر إبداعاته على جدران الكهوف.. ونحن الآن نسجِّل إبداعاتنا على الورق.. ما الذي تغيَّر.. لا شيء في الواقع.. الجدران فقط هي التي تغيَّرت.. ولذلك فإنني أنظر إلى الورقة.. أو شاشة الكمبيوتر على أنها جدار.. بل إن شاشة الكمبيوتر أقرب شكلاً إلى الجدار.. ورغم سهولة الكتابة الآن.. إلا أن معنى    “الحفر” لا يزال باقياً.. لكن لماذا كتب إنسان الكهوف؟ “همنجواي” يقول: (نكتب لكي نطرح عنَّا قلقنا).. قد يكون هذا جزءاً من الإجابة.. لكن طرح القلق ليس سبباً كافياً للكتابة.. الإنسان يُمكنه تبديد قلقه بأي سلوك آخر.. باختصار: أنا في الحقيقة لا أعرف لماذا أكتب.. إنني أستمتع بالكتابة وكفى.

***

ببليوغرافيا :

– أحمد يوسف عقيلة.

– الميلاد : 1958 بالجبل الأخضر.

– المؤهل : الشهادة الثانوية العامة (القسم الأدبي).

له :

1. الخيول البيض ـ قصص ـ الطبعة الأولى.

2. غناء الصراصير ـ قصص ـ الطبعة الأولى.

3. الجِراب (سيرة النجع) ـ الطبعة الأولى.

4. حكايات ضِفْدَزاد ـ الطبعة الأولى.

5. عناكب الزوايا العُليا ـ قصص ـ تحت الطبع.

6. الحرباء ـ قصص ـ مخطوط.

7. فرح الكتابة ـ مخطوط.

8. غنَّاوة العلم ـ تأَمُّلات ـ مخطوط.

9. خراريف ليبية ـ حكايات شعبية ـ مخطوط.

11. سوائر الأمثال الليبية ـ جمع وتصنيف ـ تحت الطبع.

12 ـ ديوان الشاعر الشعبي مراد البرعصي ـ جمع وتقديم ـ مخطوط.

E.MAIL:YOUSSOF11@MAKTOOB.COM

مقالات ذات علاقة

محمد أبوميس يتحدث عن مشواره مع الترجمة العلمية والأدبية

يونس شعبان الفنادي

جمعة الفاخري.. لموقع بلد الطيوب: نحاول أن نرمِّم بالثقافة ما أفسدته السياسة

رامز رمضان النويصري

محمد الدنقلي: “كثيرون هم الذين حاولوا تعريف الشعر وتاهوا”

المشرف العام

اترك تعليق