النقد

قصيدة النثر في ليبيا..

بين الانطلاق  والدخول في القمقم

فوزية شلابي نـموذجاً

د. علي عبد المطلب الهوني

لم يعد المارد ساذجاً ليعود إلى القمقم  بجرة قلم، لقد صار المارد مثقفاً، فعلينا أن نتعامل معه على هذا الأساس لأنه حاضر بيننا، يتأثر بنا فيبدع وعلينا أن نتقبل هذا الإبداع لأنه صار حقيقة، وأن نتعامل معه نحن النقاد على ذلك الأساس، فلا نرفضه جملة ولا تفصيلاً كما فعل غيرنا لأننا نكون بذلك مثل النعامة التي تدخل رأسها في التراب ذلك لأن الشاعرُ متمردٌ بطبعه فهو متمردٌ على محيطه غير راضٍ بواقعه ويتضح ذلك أكثر ما يتضح عند الشاعرات اللاتي يردن حياة طبيعية لا تفرق بين رجل وامرأة فيصطدمن بمجتمع يرفض أن يمنحهن ما يمنح الذكر من الحرية والاستقلالية في اتخاذ القرار، إنه مجتمع ذكوري أخص ما يميزه أن الصوت الوحيد والمسموح به هو صوت الرجل، فلا صوت يعلو فوق صوته، وعلى المرأة السمع والطاعة، كل ذلك في غياب الوعي الديني الصحيح، فالدين في مجتمعاتنا يبرمجه الرجل على مقياسه، فهو الوحيد الذي من حقه أن يلبس ما يشاء وبالطريقة التي يشاء، ويناقش أمور الدين بما يشاء وكيفما يشاء، ويُدخل فيه ما يشاء من الخزعبلات والخرافات، فإذا حدث وقامت امرأة واحدة بشيء من ذلك أنقلب المجتمع عليها ووصفها بنعوت أقلها أنها سيئة السمعة وإن كانت أعف العفيفات وأطهر الطاهرات. كل ذلك ورجالات الدين مشغولون بأمورهم الجسام فما كان لمثل هذه التوافه أن تشغلهم وتحركهم لمناقشتها مع أبنائهم لإرشادهم إلى الطريق الأقوم المأمون الجانب، هذا وللشاعرات العربيات وقفات وصولات، فهن من خلال شعرهن يقفن ضد قدسية هذا المجتمع الذكوري الذي يحل للرجل أن يتحدث وأن يكتب في أحاديث مسموح بها، ويحرم على المرأة أن تخوض فيها فكيف إذا قامت شاعرة منهن بالمساس بهذه القدسية أن المجتمع يجرمها بلا أدنى شك وتقوم قيامته ولا تقعد ولو اعتذرت له ألف مرة فإن الألسن تظل تلوكها وإن كانت أطهر وأنفع لمجتمعها من مائة ذكر.

لذا بات على المبدع أن يستحضر المتلقي أثناء العملية الإبداعية ليجنب نفسه مزالق ومحرمات وما أكثرها وليخرج بذلك شعره من كونه إبداعاً إلى نظم لا علاقة له بالشعر إلا من خلال الوزن والقافية.

فالشاعر الذي يخاف من كل شي لا يبدع شيئاً وإن أبدع يكون إبداعه مجذوذاً غير ناضج ومرتعش، فالمبدع سواء أكان شاعراً أم روائياً أم غير ذلك لابد له من الإحساس بالأمن والحرية وهما ما ينقص المبدع في بلادنا العربية، فهو خائف من الموروث الديني المشوه من قبل العامة الذي عليه أن يستحضره أثناء الكتابة حتى لا يتهم بالكفر وخائف من السلطة التي عليه أن يستحضرها حتى لا ينام بسرير غير سريره ويستبدل بأهل غير أهله، وعليه أن يستحضر عادات وأعراف المجتمع حتى لا ينبذه وخائف من زوجه التي عليه أن يستحضرها حتى لا تتهمه بالخيانة، وأخيرا عليه أن يستحضر أبناءه حتى لا يرى نفسه في عيونهم صغيراً كل هذه من معوقات الإبداع في وطننا العربي، فلك الله أيها المبدع العربي فإن نجوت من واحدة سقطت في الأخرى ومع ذلك، ومن بين مرارة وركامات هذا الواقع العربي المزري خرج مبدعون عرب وإن كانوا قلة، إلا أن أشعارهم  ضلت تجوب الوطن وإن كانوا في عمومهم قد مارسوا هذا الإبداع من خارج بلدانهم، مثل نزار قباني ومحمد الفيتوري والبياتي ومظفر النواب وغيرهم، كما ظلت بعض قصائد أولئك الذين كتب عليه البقاء في بلدانهم تمارس الرمزية المغلقة خوفاً من المعوقات سالفة الذكر إلى حد تحول الشعر معها إلى طلاسم لا يستطيع فكها حتى الشاعر نفسه لأنه في كل إبداعاته عليه أن يستحضر المتلقي وهذا ما جعل جل المثقفين يزهدون  في قراءة أي ديوان شعر، يقول أحد النقاد إن الشاعر المبدع أثناء عملية خلق القصيدة تبدو أمامه القصيدة مكتملة ويشعر في ذات الوقت وكأنه موجود في شخصيتين، هاتان الشخصيتان شخصية تعانى الخلق وتسيطر عليها الموهبة، وشخصية تعي الخلق وتراقبه ويسيطر عليها الوعي الذي ينظم الأفكار داخل القصيدة ويضبط عملية الاختيار بين الصور والأفكار الكثيرة المتزاحمة ولا نقصد بالوعي، وعي الشاعر بما يحيط به إذ يكون في حالة غياب عن الزمان والمكان والأحداث التي تجري حوله والتي متى وعى بها تنتهي مرحلة الخلق عنده.

وبعد هذا الاستعراض المبسط لما يعانيه الشاعر أثناء عملية خلق القصيدة يمكننا أن نسأل:

– أين تقف الشاعرات الليبيات في إبداعاتهن أثناء عملية الخلق؟

– هل يستحضرن المتلقي؟

– هل لهن هامش حرية من تلك المخاوف سالفة الذكر؟

سأحاول أن أجيب عن هذه الأسئلة مجتمعة أثناء تناولي لبعض قصائد الشاعرة “فوزية شلابي”.

هل نستطيع أن نطبق على هذه الشاعرة نظرية (قلت ما لم أقله) بمعنى أنها شاعرة مبدعه تغيب عن ذاتها في ذاتها، بمعنى أن اللاشعور عندها يطفو بكل ما فيه من تجارب سابقة وعقد استقتها في طفولتها من الخرافات والأساطير التي تحكى لها في فترة طفولتها فانطبعت في لا شعورها وما فيه أيضاً من آلام الحرمان وأمراض نفسية إن وجدت، تقول “فوزية شلابي”:

لكم يبدو

المصباح

كبيراً في مسرح الممثل الواحد (1).

إنها تتحدث هنا عن الزعامات والدكتاتورية حيث الحكم المطلق والحاكم الفرد وحيث كل الأضواء تتجه إليه فقط ويعزز هذا قولها:

يا إلهي ما هذا الرجل الضخم الجثة؟

إنه يضحك يدلف إلى الفراغ.

إنه

في الحفرة (2)

الزعيم الفرد ليس ضخماً بجثته ولكنه ضخم بجبروته وحاشيته التي تنفذ مشيئته بإيمائة من رأسه؟ أو بنظرة من عينه ويبدو أنها تقصد زعيما بعينه لذا فهي تتساءل:

هل أضع النقاط علي الحروف. هكذا.

واحداً

فواحداً

فواحَد (3).

فهي تعرفهم واحداً واحداً ولكنها لا تريد النطق بأسمائهم ولعلها محقة في ذلك وإن عرف وطن ذلك الطاغية وصرح به رمزياً إلا أنها لم تصرح بهذه الزعامات ذات الحكم الفردي المطلق.

تقول الشاعرة:

جاء الآن دور قلبي !

مخروطي الشكل

صغير

حساس جداً

وشهواني (4).

فأي وطن مخروطي الشكل غير الوطن العربي إلا أنها بقولها (مخروطي الشكل, صغير) يدلنا على أنه ليس الوطن العربي بل هو وطن عربي مخروطي الشكل حيث استطاعت الشاعرة أن تذوب في مواطنة ذلك الوطن لتصير لحمة من أهله وتصيغ هذه القصيدة.. وفي قصيدة أخرى تقول الشاعرة:

شاحب

هذا المساء

أقصد

أنه قاسي (5)

يمكنني طرح سؤال. وهل هناك مساء غير شاحب؟ إن المساء هو نهاية نهار فهل هناك نهاية سارة ونهاية غير سارة لعمر الأشياء والبشر والحيوان؟ ولكن الشاعرة بوضع أسم الإشارة (هذا) فإنها قد تقصد مساءً بعينه، قد سبقته مساءات ممتعة. تقول:

وبهجة المحيط

تركض من ثنية الصوت

من رحيل السعادة

ومن الخشخشةٍ

إلى طفرات العجائز (6)

لعل بعض المساءات السابقة لهذا المساء كانت ممتعة وبهيجة، فلعلها تذم هذا المساء لتمدح غيره الذي سلبها حتى بهجة المحيط الذي يجمعها بذكرياتها أو مع من تحب وركض بالمتعة والبهجة بعيداً عنها وبسرعة الصوت فهل إلى رحيل سعادتها من رجوع.. وفي قصيده أخرى تقول:

وامرأة يثملها القهر

يدعونني تيريز

قالت البنت

ثم

عند أول إشارة ضوئية

خلعت ثيابها (7).

في أزمنة القهر لا تفكر المرأة إلا في عريها لأنها الحاجة الوحيدة التي تتميز بها عن الرجل والتي إن فعلتها نالت حظوة وإعجاباً عند سلاطين الرعب في أزقة الوطن المقهور, أما غير ذلك فكل شيء مغطى ومستور لأن إظهار حقائق الأشياء أمر يعاقب عليه القانون، فالحرية عندما أرادت أن تظهر رأسها قطع، والعدل الذي قال إنها مظلومة اغتيل، والقانون الذي استند إليه العدل وئد، وكل ما لا يعجب سلاطين الرعب محكوم على بالموت قبل ميلاده. فأزمنة القهر لا تفرخ إلا الظلام والجهل والموت والخوف، كما قالت الشاعرة في أبياتها المشار إليها سابقاً.

فإن هذه المرأة التي أتملها القهر هل تملك أن تحتج على هذا الزمن الرديء بغير خلع ثيابها، فبؤساً لها من طريقة احتجاج، وسحقاً لسلاطين هذا الزمن الفاجر الذين غيروا طعوم الأشياء.

وأحياناً تستخدم الشاعرة صوراً بعيدة الدلالة كقولها:

وللنعاس جدل أيضاً

يشبه جيوش النمل

تنخـر

فائض

القمح (8)

عندما يهجم النعاس على عيون عاشقين قضيا ليلهما في الوجد لا يمكن أن يشبّه ذلك النعاس بأفضل من جيوش نمل يغطي الأفق ينخـر بقية جسدين منهكين، وهو كنّت عنهما الشاعرة بفائض القمح الذي تنخره جيوش النمل.

ولعل استخدامها للفعل المضارع تنخر يدل أولاً على شدة التعب في الجسدين المسطحين وكأنهما من فرط التعب منخوران. وثانياً يدل الفعل المضارع (تنخر) على استمرارية الإنهاك والنخر. وهنا تبلغ الصورة المنقولة للمتلقي ذروتها من الروعة والجمال.

هذا وتغلب النظرة التفاؤلية على الشاعرة في جل قصائدها وكأني بها تعيش الفرح دائماً وتعرف كيف تفرح، وهذا ما ينقص كثيراً من الناس الذين تجدهم وسط الفرح حزانى عابسين يلقونك بوجه مقطب الجبين وكأنهم يحملون على كواهلهم صخرة سيزيف.. تقول الشاعرة في إحدى قصائد فرحها بقدوم العام الجديد:

مساء الخير

أيها العام اللذيذ

متى دخلت أمي الفضاء الرومانسي؟

كيف التهم العصفور قضبان الحديد؟ (9)

تستقبل الشاعرة عامها الجديد بتفاؤل وبشرى حتى أنها من فرط تفاؤلها تجد لذة العام بين شفتيها، لتنتقل بعدها فجأة لتحقيق عالم المستحيلات في هذا الزمن الصعب والمكان الأصعب، فالأمهات الليبيات الطيبات لا يعرفن مصطلح الرومانسية, على حد تعبير الشاعرة, وإن كن في علاقتهن بأزواجهن وأبنائهن رومانسيات في كثير من الأحيان فهن كما ترى لا يعرفنها مصطلحاً وإن عرفنها معنى وممارسة وهذا أجدى.

ولعل الشاعرة في الشطرين الآخرين تريد أن تقول: سأحقق عالمي الوجداني مهما كانت صعوبته, وسأطلب حريتي مهما كانت مستحيلة، وكأنها مع بداية العام ترى المستقبل بعين الشاعرة المتنبئة بأحداث مستقبلها في عالمي الوجدان والحرية، بغية الانطلاق والانعتاق من القيود المحيطة بها والتي ترى أنها تقيدها، ولعلها في هذا المجتمع الذكوري محقة فهي على لسان غيرها من بنات جنسها لا تتمرد فقط بل كما يلتهم عصفور صغير ضعيف قضبان قفصه لأنه أحس بطعم الحرية في نفسه فتحول من عصفور ضعيف إلى مارد ضخم يأكل قضبان قفصه لينطلق إلى عالم الحرية لا كعصفور بل كمارد عملاق.

وطعم الحرية هذا هو الذي يغير التاريخ ويكتبه من جديد، فعلى سبيل الأفراد، هذا (عنترة بن شداد العبسي) عندما تاقت نفسه للحرية صار فارس قبيلته وهذا (سبارتاكوس) العبد الروماني عندما ذاق طعم الحرية قاد ثورة ضد القيصر، أما ثورات الأمم فهي دائماً خير من يمثل هذا الجانب، فالثورة الفرنسية قامت لإحساس الشعب بالظلم و الجوع، فغيرت وجه العالم من حولها، وهذه الثورة (الشيوعية) قامت على الإحساس بالغبن والظلم الطبقي فسجلت كثورة عالمية، والتي مازال يتغنى بها البعض رغم سقوطها في بلادها، وهذه الثورة في ليبيا قامت لتحقق الاستقلال التام بعد أن كان ناقصاً بفعل وجود المستعمر على أرض الوطن، و للغبن الذي كان يعيشه المواطن القابع في أكواخ الصفيح.

ومع هذا الاندفاع التام للشاعرة في عالمها المستقبلي يطفو لا شعورها على السطح ليحاول أن يثبط من همتها و يشعرها بصعوبة المهمة المستقبلية.. تقول الشاعرة:

هل

تعثرت في الوحل

قليلاً (10)

ويعني هذا الشطر أنك أيتها الشاعرة مهما كنت مارداً أو أي شيء يكبر في نفسك، فلا بد أن تتعثري ولو قليلا وأنت تشقين طريقك نحو المجد.. ويضيف لا شعورها:

أيها العام  اللذيذ

هذه لوحة الأفاعي

وهذه مقابض الوقت

وتلك !

أتعني التي هناك تلك؟

أوه. إنها زهرة عباد الشمس  (11)

في هذا المقطع تقدم لنا الشاعرة لوحة للحياة اليومية في عالمها الجديد كما يراها لا شعورها لا كما تراها هي، وهذا يدل على أنها لا تتدخل في أعمالها الشعرية لتغير كلمة مكان كلمة، أو لتستبدل معنى بأخر أثناء عملية التنقيح، يخاطبها لا شعورها بطرح سؤال بطريقة استهزائية:

أيها العام اللذيذ؟

وكأني به يقول:

أتقولين عاماً جديداً !

تدلنا على ذلك علامة الاستفهام الاستنكاري وإن كان يجب أن تستبدل علامة الاستفهام بعلامة تعجب. لتتوالى صور الحياة اليومية للعام الجديد، وكل صورة من صورها مثبطة لهمم الشاعرة. فالأفاعي في كل مكان حتى أنها لتكاد تملأ مستقبل الشاعرة وتتحكم في أعمار الناس، بينما توجد بزاوية مهملة مجهولة زهرة لعباد الشمس لم يفطن لها أحد سوى العام الجديد الذي سأل عنها بقوله:

وتلك !

وعلامة التعجب هنا تدل على تعجب العام الجديد من وجود زهرة جميلة بين جحور الأفاعي، وكأني بزهرة عباد الشمس هي الشاعرة نفسها تقف في مكان مجهول ترصد أحداث السنة القادمة ويدل على ذلك قولها:

ويا لك من صياد ماهر

أيها

العام

اللذيذ (12)

أما قصيدتها (الوطن/الحب) فتؤكد فيها الشاعرة على العلاقة بين الوطن والمواطن، بين حب المواطن المتقلب وبين أمومة الوطن الثابتة، شأن كل الأمومات في العالم.. تبدأ فوزية شلابى قصيدتها بسؤال للمواطن الذي فقد أو بالأحرى تخلى عن بعض التزاماته تجاه وطنه:

ماذا يبقى من الوطن

إن لم تلوحه شمس الظهيرة

ولم يحمئه الحب

ولم ترشقه القرنفلة

بقبلة البنت للولد

إن لم تصهل به جياد الرغبة

لم تنفلق به حبة القمح

ولم تتوحد وإياه في اللون

ماذا يبقى مني

ماذا يبقى منك (13)

الشاعرة هنا ترى أن على المواطن أن يتحمل شمس بلاده المحرقة وحرارتها اللافحة وترمي من وراء ذلك إلى التعب والسهر والعمل الذؤوب مهما كانت الظروف المصاحبة،  التي على المواطن أن يؤديها ليخلق وطنا متكاملاً أفضل.. وترى أن على المواطن إذا مسته حرارة شمس بلاده بسياطها أن يتذكر دفء هذه الشمس في فصل الشتاء أو دفء حضن بلاده الذي يتجسد في الأم أو الزوجة وإن كان حبه أكبر وحضنه أوسع ليشمل جميع الشعب فبلثمة منه أو قبلة حنون ينطلق المواطن ليبني بعنفوان ورغبة لا يشعر معهما بتعب ولا نصب، فتبسم له الأرض ويتوحد مع ترابها ليكون جزء منها في كل شيء، فيكون هو الوطن، وهو المواطن في نفس الوقت، أي أنه أحد شطري الحبة المنفلقة والوطن شطرها الثاني، وفي هذا الديوان الذي أسمته الشاعرة بديوان (بالبنفسج أنت متهم ).. نقول إن البنفسج هو لون الغيرة، وكأني بها تريد أن تقول بالغيرة أنت متهم، وهل تأتي الغيرة إلا من محب! ولكنها إذا زادت عن حدها انقلبت إلى ضدها محطمة كل ما يقابلها.. ديوان الغيرة هذا بدأته الشاعرة بقصيدة (تكهن عن زمن ضوئي) تقول فيها:

البنت متعبة. الولد متعب. السوق مزدحم

الطريق واضح

المقعد الرخامي ينادي المتعبين، والوقت ليل.

جلست البنت اتكأ الولد انفرط عقد الكلام تعثر رجل البوليس (14)

نسأل: ما الذي اتعب البنت! ثم ما الذي اتعب الولد! هل هو ازدحام السوق؟ لا أظن. لأن الطريق أي الهدف الذي خرجا من أجله كان واضحاً إلا أنهما ما أن التحفا بالليل حتى جلسا على أول كرسي قابلهما. فاتكأ الولد على البنت وانفرط عقد الكلام لتتحدث الشفاه بلغة غير الكلام.. كما يقول الشاعر:

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت

عينـاي بلغـة الهوى عيناك (15)

إلا أن الاختلاف كان في أن لغة الكلام عند شاعرتنا هو تبادل القبل الأمر الذي جعل الشرطي ينظر إليهما وهو يسير في طريقه فتعثر في خطاه.

من هنا نقول إن سبب تعب البنت والولد هو ضوء النهار وعيون المارة لا الازدحام.. فأين الغيرة في كل ما سبق؟ أهي الغيرة من عيون الناس الذين ازدحم بهم السوق؟ أم هي نظرات ذلك الشرطي اللجوج؟‍

 ___________________________________

الهوامش:

(1) فوزية شلابي، فوضوياً كنت وشديد الوقاحة/ طرابلس: المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، (ط1)، 1985. (ص9).

(2) المصدر السابق، (ص9).

(3) المصدر السابق، (ص10).

(4) المصدر السابق، (ص ص10-11).

(5) المصدر السابق، (ص13).

(6) المصدر السابق، (ص ص 13-14).

(7) المصدر السابق، (ص15).

(8) المصدر السابق، (ص18).

(9) المصدر السابق، (ص19).

(10) المصدر السابق، (ص19).

(11) المصدر السابق، (ص20).

(12) المصدر السابق، (ص20).

(13) فوزية شلابي، بالبنفسج أنت متهم/ طرابلس: المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، (ط1)، 1985. (ص57).

(14) المصدر السابق، (ص5).

(15) أحمد شوقي، الشوقيات، (ص 179).

مقالات ذات علاقة

بما ضاقت العبارة

عبدالله الماي

البطل في قصة النزف.. للكاتب الأستاذ: محمد المسلاتي

إبتسام صفر

ليبيا الاستعمار والاستبداد في رواية “ما بين البرزخين”

المشرف العام

اترك تعليق