كان الشيخ قنيص ( شيخ المالّوف والموشحات بليبيا ) يردد: (أن (مالّوفنا) ليبي مئة في المئة لكنه استطاع أن يجمع كل اطراف الإرث الموسيقي العربي من (غرناطة) غربا الى (اسطمبول) شرقا وهذا ما ميزه)..
هذا القول ينطبق على العديد من الاشياء المميزة في ليبيا ومنها الزي التقليدي .. ربما الموقع الجغرافي ربما المكانة التاريخية أو ربما لحكمة ليبية خاصة أو ربما كل هذا مجتمعاً اعطى للزي الليبي تماما كما فن (المالوف ) تميزه وتفرده ..فالزي الليبي جمع الأبعاد الثلاثة التي جعلته مميزاً كزي عربي وإسلامي وهي البعد المغاربي والبعد المشارقي واخيرً الكثير من الخصوصية المحلية ..من هنا نستطيع أن نحكم ونبني على ما يميز هذا الزي عموما والـ(رجالي) في .. معرضنا .. هذا ..ونستطيع أن نعرف كيف تأتى له كل هذا السحر والألق والهيبة .
لكن ما هو هذا الزي ما تفاصيله ومكوناته ؟؟ .
البدلة الرجالية .. علي نوعين (كبيرة وصغيرة) الأولي وتسمي (كاط ملف) وتتكون من (الطاقية) عندما تكون عادية ، أي لا يلحق بأعلاها (دنادش) علي هيئة شعر من صوف وعندها تسمي (بُسكل)، وارتداء الطاقية نفسها يعكس زهو صاحبها بنفسه ، كذلك هي تدل عليه فربما المتمعن أو العارف يفهم جيداً حتي منطقة سكن مرتديّها .. .وهم اهل طرابلس عادة .
وعنها نحن نقول مثلا (مَعنّقرها) أي ارتداها بميلان للأمام فترمز حينها إلي الاحساس بالانتصار، كذلك ميلانها إلي أحد الجانبين ، يمثل الاعتزاز بالنفس وهذا واضح عند الشباب عموما .
أيضا الـ (كاط ملف ) يتكون من (الزَبُون) وقد جاء الجاكيت الغربي علي منواله ، ثم (الفَرمَلة) وهي الأخرى استوحى (الجيليه) أي الصدرية الرجالي في البدلة الغربية نمطها ، وهي ترتدى تحت الزبون وكلاهما يمتازان بالزركشة بخيوط (الخَرج) علي واجهتيهما الأماميتين كذلك علي عنقيهما , أيضا الفرملة مجهزة بأزرار تسمي شعبيا (بالبطُم) .
أما (السرّوال) فهو علي النمط الشامي .. متسع .. مما يسمح لصاحبه بالحركة وربما جاء هكذا لعلاقة هذا الارتداء بركوب الخيل ، أيضا يلحق بهذه البدلة (الجُبّة) وهي فسحة من الزهو تتسع لكل هذا الارتداء الذي شرحناه، وهي اكبر مُعبّر علي فخامة الزي ، ونشاهدها أحيانا ملقاة على الكتف بأناقة غير متكلفة وبطيّه جميلة لأن ارتداءها يحتاج للجلوس , والحركة لا تتناسب مع وجاهتها ..
أيضا كان من المتّبع في تقاليدنا وتتمة للبدلة الكبيرة نفسها ارتداء (البَرنُوس) وهو ياتي اخيراً ليقع علي كتفي الخيال وربما إنسحاب ركوب الخيل إلي خانة الهواية جعل من ارتداء (البرنوس) وطلب اقتنائه شيئا نادرا .
البدلة الكبيرة حاليا , وللحسرة لا تصنع محليا , وهذا ربما لمتطلبات صناعتها المكلفة جدا لذلك تولي أمر صناعتها أشقاؤنا بمصر العربية ، ومع العلم فهي تصنع هناك خصيصا لليبيين وهناك أمر اخر ربما لا يعلمه الجميع وهو أن هذه البدلة والتي نعي انها ليبية تماما يرتديها إخواننا بأفريقيا خاصة الذين تقع قبائلهم علي حدودنا الجنوبية المتاخمة للصحراء حيث نجد القبائل في مالي والنيجر وغيرها يقبلون علي هذا الاقتناء المميز،(طبعا باختلاف ملاحظ ) وهنا لا يجب أن نندهش فهذا الأمر يؤكد على الرابط التاريخي الذي يجمعنا بجيراننا .
أما البدلة الصغيرة فهي اختزال لكل فخامة (الكاط ملف) وهي تتكون من (فرملة وسروال ) فقط وهي للارتداء اليومي على عكس الـ(كاط) والذي تؤهله فخامته للمناسبات الرسمية والأعياد.
ايضا هي تصنع محليا , والاختلاف في النقش بينها وبين البدلة الكبيرة مرده إلي الاصرار علي صياغة كل هذا الحسن بالطريقة الليبية ..لذلك يصر الصانع المحلي على ابراز التفاصيل في نقوش البدلة الصغيرة ربما كتعويض للمقتني على فخامة (الكاط) ..
وصناعتها على أيدي العائلات كما في القديم بل احيانا نجدها من مجهود عدة عائلات مشتركة , فتشترك مثلا حتى أربع عائلات في صنعها , عائلة لصنع (الكردون) وأخري للأزرار وعائلة تعمل علي صنع البطانة الداخلية للفرملة وعائلة لصنع الخرج وهكذا دواليك …
يظل هناك الكثير عن الزي الرجالي بليبيا والذي لم نذكره وتركناه لفراغ اخر كـ(الجرد او الحولي) هذا الارث الازلي والذي يميزنا عن كل سكان العالم والذي يملك سيرته الذاتية الموغلة في القدم بل واساطيره حتى قيل أن اليونانيين والرومان نقلوه حرفيا بالنص عن سكان ليبيا الاقدمون ودلت على هذا الكثير من النقوش ..
لكننا هنا اختصرنا حبرنا بهذا الارتداء الأنيق بليبيا هو الأرتداء .. المديني فقط .. لكن ليبيا جغرافيا قارة لا ينحصر زي رجالها في لباس أو أثنان او عشرة .. فللصحراء لثامها ..وللجبل عباءته .. ولشرقها البعيد قميصه الفضفاض .. لكن ما يجمع كل هذا هو نغمة التفرد وإن كل زي يحمل حكاية معه تبدا منه وتنتهي عميقا هناك في دروب التاريخ الموغلة في الأزل.