المقالة

تأملات في فن السرد

إهداء إلى المهتمين بالنحت ضمن نظرية للسرد

من أعمال التشكيلي الليبي محمد الخروبي
من أعمال التشكيلي الليبي محمد الخروبي

فن السرد هو فن شد المتلقي و / أو فن نقل الشحنات العاطفية والنفسية، لرصد الحالات والتحولات التي تعيشها الشخصيات، من خلال بناء مجتمع سردي مواز للحياة فأي تقنيات سردية يتم توظيفها يجب أن لا تخلو من تصور هذه الفكرة أي فكرة المجتمع الموازي.

شد المتلقي

يحدث شد المتلقي من خلال الكلمات التي تشكل الجمل التي تشكل فصول أو مقاطع القصة أو الرواية، لهذا فإن أي اشتغال تنظيري أو تطبيقي لا ينتبه لهاتين الخاصيتين، التالي ذكرهما، هو اشتغال خاطئ، والخاصيتين كما يلي: الخاصية الأولى: أن المجتمع السردي مجتمع مواز لمجتمع حقيقي، ولكنه ليس مجتمع حقيقي، هذا المجتمع الموازي يتحقق حضوره من خلال الكلمات المكتوبة لا غير، وأنه لا يمكن تصور نظرية للسرد كاملة دون الوعي بالخاصية الأولى، بينما الخاصية الثانية أن ذلك المجتمع السردي الموازي يتحقق من خلال الكلمات لا من خلال تصور وهمي (دال على العبط) لما تحيل له تلك القصة أو الحكاية من شخصيات خارجية، يدخل في هذا العبط كل توظيف لنظريات خارج الكلمات أو نظريات لا تضع في تصورها خصيصة تحققه من خلال الكمات المكتوبة.

الخاصية الأولى تستلزم بل وتفرض أن يكون كل تنظير للسرد يتم من خلال تصور مجتمع سردي تتحرك شخصياته وفواعله ضمن إطار زمان ومكان، وأن هذا المجتمع السردي يُنْتَبَهُ له من خلال الحواس كما ينتبه الكائن البشري لما حوله من خلال الحواس؛ بذلك نحن أمام مستويي فعل يمارسهما الراوي على المتلقي وهما مستوى شده من خلال ترابط الحكاية ومستوى شده من خلال الحواس.

شد المتلقي يتم عن طريق التقنيات السردية التي تساهم في إشعارك بتميز النص الذي أمامك، وهي عادة ما تكون أكثر ما يمكن في البداية، ثم تخبو قليلا مع استمرار النص وتتقد مرة أخرى في نهايته، كافة التقنيات السردية القديمة والحديثة تظهر في هذا الإطار، وهو موضوع مفتوح بشكل كبير على التنظير من خلال ما تحقق من كتابات يفترض ان تكون مادة لاستنباط قواعد فعلها على متلقيها، لا الهرب في الاتجاه العكسي الأحمق ومحاولة الناقد (المنظر) أن يوجه تنظيره الأخرق إلى الكتاب بتصور إمكانية أن يقود توجهاتهم أو يؤطر كتاباتهم المستقبلية التي لم تُحين بعد في أساليب يمكن معالجتها أو دراستها؛ أقصد بدقة أولئك الذين يحدثونك عن سرديات ما بعد كلاسيكة وغير ذلك من التسميات المترجمة المتهافتة.

فن نقل الشحنات العاطفية ونقل الأفكار أو التصورات:

لأن السرد، كما أسلفنا، فن تشكيل مجتمع مواز تتحرك شخصياته في إطار الزمان والمكان، ويتم تلقي حركتها المكتوبة بشكل أكبر من خلال إطار الحواس وفن الترابط بين المكونات؛ فإنه بذلك يستلزم الجانب الثاني من جوانب الفعل السردي الذي يتضمن نقل إدراك ووعي الشخصيات من جهة ونقل عواطفها وكنوز نفوسها المهتاجة في لحظاتها الخاصة.

الجوانب الإدراكية والوعي يتم نقله (غالبا) عن طريق توظيف الأساليب الإنشائية والحجاج والاعيب السرد التأكيدي او سرد المشكوك فيه من خلال شخصية مناسبة وضمن وضع سردي درامي مكتوب مميز.

يتم عن طريق السرد بوجهة نظر مميزة قادرة على النقل غير المباشر لتلكم الشحنات الخاصة التي تمثل و/ أو تكون مناسبة للشخصيات الخاصة، لهذا فإنه تم توظيف وجهات نظر مميزة مختلفة خرقاء أو مجنونة أو عميقة فلسفية تناسب الشخصيات (الخاصة) التي يتم عبر النص إبرازها، وتظهر المزيد من هياج وعيها وشطط أنفسها في تميز فني وكلمات دالة مختارة بعناية ودقة، عاكسة (في الآن ذاته) الشحنة العاطفية أو النفسية أو غيرها من شحنات القلق التي تناسب شخصيات الرواية، ليتشكل عبر نسيج تداخل التقنيات والشحنات حالات التعبير عن تلكم التحولات التي تعيشها المجتمعات المفتوحة أو المعزولة أو الشخصيات الفردية أو فواعل غير انسية، مع وعي الكاتب وراويه داخل النص بذلك التناغم واجب الحضور بين شد المتلقي وبين الشحات العاطفية والرؤى الإدراكية، ضمن خط درامي مميز، واستعداد دائم لمفاجأة القارئ بالاختلاف من خلال حِدة أو تميز تلك الشحنات العاطفية والرؤى الفكرية أو التأملية.

أخيرا. هذه التصورات كانت مصاحبة لي منذ بداية تأملي لفن السرد كوني متلقيا، ومحاولة ترجمة ذلك في صورة قواعد ممكنة التطبيق من الأخرين، وما اعادها للذاكرة (أي تلك التصورات القديمة) قراءتي البارحة للمقطع الأول من كنز الرواية العربية : رواية (كيف تقتل امرأة ) للروائي المميز ا. عبدالله الغزال

ما أستخلصه من هذا: أن النصوص العظيمة تصنع رؤى وأساليب جديدة وتحقق إمكانيات تطبيق للتنظيرات مميزة بل تبيح لمن حاول ان يفكر قليلا عوالم تحققها وأساليب فعلها لتكون مادة للتقعيد.

مقالات ذات علاقة

ما بعد المكرونة

نجوى بن شتوان

الصورة حكاية

سالم الكبتي

جديد الحياة.. وحرية الاختيار

خلود الفلاح

اترك تعليق