ضمن مشاركة ليبيا بفعاليات الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب،نُـظمت الخميس ندوة بعنوان«الثقافة الليبية جذور وامتدادات»، شارك فيها كلٌ من الناقد والأكاديمي فوزي حداد كمدير للندوة، والناقدة فاطمة الحاجي، والكاتب والناقد جابر العبيدي.
تناولت الناقدة فاطمة الحاجي في مشاركتها تعريف الثقافة من منظور الأنثروبولوجي، ومدي تأثر الثقافة الليبية بالثقافات الأفريقية والأمازيغية والعربية والإسلامية، فتقول الحاجي«مازالت الاكتشافات العلمية تظهر لنا المزيد من الجوانب المتنوعة من هذه الثقافة، و مازال البعض منها رهن الاكتشاف مثل اكتشاف أقدم مومياء في الصحراء الليبية، وأسرار جبال أكاكوس، و الرسومات المدهشة على الجبال في الجنوب الليبي».
و لتقديم تحيليل فكري لتشكلات الثقافة الليبية،اِهتمت الحاجي فى مشاركتها بمحورين أساسيين فى مكون الثقافة نظراً لتنوعها الكبير، لتطل من خلالهما علي الكشف عن بعض خصائصها، فاختارت مكونًا من الأدب وهو الرواية ومكوّنًا من الفنون وهو الموسيقي.
الأدب و الموسيقى و الموروث التاريخي
وأوضحت الحاجي أن «الأدب ألصق الفنون بالحياة الإنسانية، الأدب هو فكر الأمة الموروث»، و جاء اِختيار الرواية لقدرتها على نقل الموروث التاريخي وحمل هموم وقضايا عصرها الذي كُـتبت فيه.
فتقول الحاجي «ليس هناك تاريخ بلا تراث،هناك عملية تداخل بينهما ولا يعني بالضرورة التكافل، فالمقارنة تكون مشروعة عندما تكون بينهما علاقة تكافل، والفكرة المستنتجة من الأعمال الروائية هي أن الرواية الليبية متجذرة حسب الوعي المتفاوت بين الروائيين وحسب نضج قدرتهم الفنية في التعامل مع هذا التراث».
وقدمت الحاجي بعض الأمثلة علي هذه الروايات التى حملت جانبًا من الموروث التاريخي والثقافى في ليبيا واستطاعت أن تقدمه عالمياً ، مثل أعمال الكاتب إبراهيم الكوني الذي «اعتمد فى كل أعماله على مكونات الثقافة الليبية وجسد لنا ثقافة الطوارق، ويؤكد لنا بأن الرواية الليبية متجذرة فى تراثها المحلي»، وأعمال الصادق النيهوم وعائشة إبراهيم التى اهتمت بنقل تراث الصحراء أيضاً الغاص فى محليته ،وأحمد إبراهيم الفقيه فى روايته خرائط الروح،وفريدة المصري فى روايتها أسطورة البحر وأحمد الفيتوري فى روايته ألف داحس وليلة غبراء.
أما عن المكون الثاني وهو الموسيقى قالت الحاجي «الموسيقى من الفنون أيضاً المرتبطة بالإنسان منذ بدايته، وهي من أكثر الفنون إرتباطًا بالتراث بمكوناتها وتركيبتها المختلفة، وتتشكل من التراث الموروث،فالموسيقى الليبية هذه هي الصفة المميزة لها في ارتباطها بهذا التراث».
إزدهرت الموسيقى الليبية «وامتد أثرها حيث أثرت في الفنِّ الغنائي فى تونس وساهمت فى انتشاره بواسطة الفنان بشير فحيمة، واقنعت بمميزاتها كبار الموسيقيين العرب، حيث استعمل الفنان الكبير محمد عبد الوهاب مقطعًا من أغنية المرحوم نوري كمال زهرة الياسمين وغنتها أم كلثوم».
ثم عرجت الحاجي على ارتباط الموسيقى الليبية بفنِّ المالوف وجذوره الأندلسية وظهور موسيقى المرسكاوي وموسيقى الطوارق.
مفهوم الثقافة الليبية يفرقنا أم يجمعنا؟
أما الناقد والكاتب جابر العبيدي فبدأ مشاركته بسؤال «هل ثمة ثقافة ليبية؟»، موضحاً بأنه لا يمكن القول بأن «ثقافة ليبيا يعني عزلها عن محيطها الجغرافي والحيوي، وهذا العزل ذو مردود كارثي ليس الآن فقط ولكن فى المستقبل أيضاً، فالثقافة تجمع و توحد وتجعل إيقاعنا واحدًا، فأنا أعرف أن هناك مصالح متناقضة بين الطبقات والطوائف ولكن هذه التناقضات في إطار الوحدة ، وعندما نعززها بما ليس أصيلًا فنحن نبعثرها، فعندما نمنح مصطلح أومفهموم الثقافة الليبية فنحن نهرب إلي زوايا، كأن نتكلم عن الرواية أو الموسيقى في حين أن الثقافة هي نمط للعيش وأسلوب حياة، ينتج مجموعة من الإشارات وأدوات التواصل تتمثل في اللغة، وعندما نقول الثقافة الليبية أوالإنجليزية أوالفرنسية، هذا يعني أنها كيان محدد بمواصفات لا تختلط مع مواصفات كيان آخر».
وأضاف «هل نختلف عمّن جاورنا ؟ فوهم الهوية الليبية، يتجمع خلفه البعض لأهداف ذات صبغة سياسية، ، لا يمكن تناول مفهوم الثقافة الليبية، فنحن خيط ضمن شبكة تمتد من البحر إلى البحر، عواطفنا وإن تضاربت واحدة، وآمالنا وانتصاراتنا واحدة لها جذور واحدة، ولها تطلعات يمكن الإشارة إليها، وهي التي تحرك مشاعرنا، نحن أبناء ثقافة واحدة هي الثقافة العربية».
و أوضح العبيدي بأن القول «بأننا لسنا أصحاب ثقافة واحدة سيخدم مشروعًا ضربنا من أجله عديد المرات، وحصرنا من أجله وهومشروع النهضة، لذا فإن القول إنه توجد ثقافة ليبية، هوعزل لهذا الجزء من الجغرافيا عن محيطه»، واتهم العبيدي «المروجين لفكرة الثقافة الليبية بأنهم مشحونون بنوايا سيئة، أوعدم فهم».
جدل حول الثقافة الليبية
و ردّت الناقدة فاطمة الحاجي فيما اعتبرت كلام العبيدي تعقيبًا علي مشاركتها قائلة «يبدو أن لدي العبيدي خلط في المفاهيم، ولم يتابع التعريفات حول الثقافة واللغة الواحدة التى قدمتها فى بداية الندوة، فبالتعريف الفكري للرواية والفن، نحن لنا خصوصية في ليبيا ليست موجودة في مصر، الطوارق موجودون في ليبيا، لا في مصر، وإن كنا نشترك في الثقافة كمفهوم أنثروبولوجي، لكن عندما نتحدث عن الثقافة الليبية، فإننا نتعرض لخصوصية الرواية وخصوصية الشعر الليبي، وإذا لم توجد خصوصيات لأبناء الشعب الواحد، لما وُجد الأدب المُقارن، صحيح تجمعنا اللغة لكن هناك خصائص لا نملكها في ليبيا، ولكننا عرب وربما نتشابه، ولكن هناك اختلافات».
وفي نهاية الندوة شارك الحضور فى هذا الجدل حول مفهوم الثقافة الليبية ، حيث وجدت الشاعرة الليبية فريال الدالي ، أن المحتوى الذي تم تقديمه لم يقترب من عنوان الندوة، وأوضحت أن لكل شعب خصوصيته، والحاجي نقلت الثقافة الليبية من منظور الأكاديمي والباحث، وبعين الناقد ذكرت تلك الروايات، التي نقلت الموروث الليبي المحلي، إلا أن جابر العبيدي، ينظر للموضوع من نظرة أوسع، بنظرة قومية أشمل.
واختتم النقاش الأكاديمي ومدير الندوة فوزي الحداد، قائلاً «تجمعنا الثقافة بمعناها الشامل، لكن في القرون الأخيرة بدأت هذه الثقافات المجاورة تكون لها خصوصية، ويظهر ذلك بشكل واضح حتى بالأغاني الشعبية مما يعزز الثقافة المحلية لكل بلد عربي، وهذا لا يقلل من وحدة الثقافة العربية فى نهاية الأمر».