اسمه بالكامل : عبدالجليل سيف النصر عبد الجليل سيف النصر سيف النصر غيث، من بيت الغيوث من قبيلة أولاد سليمان .
ولد في الفيوم بمصر، يوم الأثنين 6 يونيه 1949م، ووالدته هي سليمة ابنة الشيخ عبدالسلام عبدالقادر الكزة، أحد مشايخ العواقير.
التحق شاعرنا في طفولته بالكتَّاب، فحفظ أجزاءً من القرآن الكريم، على يد أحد الفقهاء بالفيوم، ثم درس المرحلة الأولى بالمدرسة الانجليزية بالقاهرة، وعاد الي مدينة سبها ودرس بها الصف الأول إعدادي، وفي سنة 1962م رجع من جديد الي مصر، والتحق هناك بمدرسة النصر الإعدادية بمصر الجديدة، وأكمل دراسته الاعدادية والثانوية، وكان في الاجازة الصيفية يسافر إلي بنغازي لزيارة أمه وشقيقه عبدالسلام، الذي هو أصغر منه بثلاث سنوات، فهومن مواليد 1952م، وله أخت غير شقيقة تدعى حليمة، ثم عاد إلي ليبيا ولم يغادرها إلا في سنة 1975م ، حيث رجع إلي مصر وبقي هناك، وكان من بين الطلاب الذين اعتصموا ضد النظام السابق في السفارة الليبية، بالقاهرة في ابريل 1976م احتجاجاً على ملاحقة النظام لطلاب جامعتي بنغازي وطرابلس.
ودرس شاعرنا القانون بجامعة القاهرة ، وتخرج منها، وتزوج من السيدة الفاضلة نجوى موسى سيف النصر السمالوسي، وانجب منها ولدين هما محمد سنة 1980م وأحمد سنة 1983م واشتغل بمزرعته في الفيوم لكسب رزقه بعرق جبينه ، لم يدخل سلك الوظيفة قط ،في قناعة ورضا بما رزقه الله سبحانه وتعالى.
وشاعرنا عبدالجليل سيف النصر كان يهتم بسماع الشعر الشعبي، فهو من عائلة كانت تجيد قول الشعر الشعبي.
وأحتك من خلال إقامته في المهجر بالشعراء الشعبيين، وبالمثقفين من كافة أنحاء الوطن العربي، وتعرَّف على العديد من قادة الفكر والتيارات السياسية حينذاك.
اختار أن يكون معارضا مستقلاً للنظام الليبي، وأن يسهم في نقل شعره للجميع, فقد وقف ضد النظام وعاش في القاهرة والفيوم، وهو يهتم بالشعر الملتزم, أي أنه صاحب قضية في شعره.. وعاش في النجوع وبيوت الشعر في بادية مصر, ومن هنا كانت لهجته البدوية الدارجة التي يقترب فيها من الفصحى, ووجد أن الشعر الشعبي هو الذاكرة والوجدان لشعبه الليبي، وإن كان الشاعر يختلف في شعره الشعبي عن شعر المنطقة الشرقية في ليبيا.
كانت قصائده الوطنية، تعد سجلا تاريخيا لكل الأحداث بأدق تفاصيلها ووقائعها, خلال النظام السابق ، وخدم الشاعر بشعره الشعبي جوانب الرصد والتوثيق .
وانعكست خلفيته الثقافية على شعره الشعبي, فهو قاريء جيد للأدب العربي وخاصة الشعر العربي مثل المتنبي، وأحمد شوقي, و شعراء الشعر الشعبي في ليبيا مثل: حسن لقطع ، وخالد بورميله، ورجب بوحويش وغيرهم.
لاقت قصائد الشاعر عبدالجليل سيف النصر صداها عند عامة الناس، واعتبرها نقاد الأدب الشعبي من روائع الشعر الشعبي.
يتميز في شعره بصور رائعة، ولغة فنية راقية، استطاعت أن تمزج بين البدو والحضر, بين الشرق والغرب والشمال والجنوب, بروعة الاختيار، وقوة الفكرة وجمال الصور التعبيرية، شعره مركّب يصعب تلحينه وغناؤه ، فتفوق في نسج أبيات قصائده ، وتفوق في شعره على معاصريه، وكانت قصائده منشورات سياسية تعبر عن مقاومة الظلم والطغيان، ومعاناة الشعب وآماله وآلامه.
ويطغى علي شعره انتقاد رأس النظام السابق وفساده وجبروته، وقام بهجائه ، وان كانت قد خفت وطأة وتأثير قصائد الهجاء بعد اندلاع (ثورة 17 فبراير 2011م) ، وإسقاط النظام ورحيل كلا من القذافي والشاعر، وأصبحا كليهما في ذمة الله.
نلاحظ في قصائد الشاعر عبدالجليل سيف النصر هموم الغربة، والشوق والحنين إلي الوطن، إذ لم نجد له قصيدة غزل عاطفية إلا في وطنه ليبيا ، كما أن له قصيدة طويلة في الشعر العكنسي، وله العديد من المساجلات والمراسلات مع الشاعر المرحوم إدريس الزوام وغيره.
شارك شاعرنا عبدالجليل سيف النصر في الملحمة الشهيرة : (مازلت نا هو نا ) للشاعر عبدالسلام بوعجيله القبايلي التي شارك فيها العديد من الشعراء الشعبيين.
كان الشاعر من ضمن الطلاب الفاعلين والنشطاء في الجالية الليبية منذ منتصف السبعينيات ، وفي الاتحاد الطلابي الليبي بمصر.. كما حضر اللقاء الطلابي لسنة 1986م.
وفي عام 1988م توقف نشاط الاتحاد العام لطلبة ليبيا في مصر، بعد تحسن العلاقات بين نظام القذافي ونظام حسني مبارك في مصر الذي تنحى عن الحكم في 11فبراير 2011م ، عقب اندلاع ثورة 25 يناير .
شارك الشاعر في المجلس الوطني للجبهة الشعبية لإنقاذ ليبيا بالعراق ، كضيف شرف فقط مثل الشخصيات الوطنية المعارضة الأخرى.
ولعل الفضل في انتشار قصائد الشاعر عبدالجليل سيف النصر، ترجع إلى الجبهة الشعبية لإنقاذ ليبيا ، التي سجلت له العديد من قصائده الوطنية باسم عبدالكريم عطية ، وبثتها من خلال إذاعتها صوت الجبهة الشعبية لإنقاذ ليبيا في السودان 1982م – 1985م، أو تشاد1987م- 1989م، وعلى أشرطة كاسيت وقامت بتوزيعها، كما نشرتها له في مجلة الانقاذ، وفي مطويات منفصلة ، مثل قصيدة : مايغركم تبديل أحواله وغيرها.
وبعد ثورة الاتصالات، قام محبو ومتتبعو شعره، بتبادل قصائده عبر صفحات التواصل الاجتماعي على الفيسبوك واليوتوب والتويتر وغيرها.
برز عبدالجليل سيف النصر كشاعر شعبي، مؤمناً بدور الكلمة في مقاومة الظلم والطغيان، وكان ينظر لنفسه في شعره ككاتب منشور سياسي، وكانت قصائده من الشعر المركب الذي يصعب تلحينه وغناءه, وقد وصل إنتاجه الشعري إلى أربعين قصيدة.
واذا استعرضنا قصائده في المجال القومي نجد له قصائد قومية مثل قصيدة عن غزو العراق في 19 مارس 2003م من قبل الولايات المتحدة الامريكية ودول غربية وعربية أخرى يقول في مطلعها الشاعر:
«تلاقى حلف ثمود وعاد وذو الأوتاد ومعا الموساد
وبعض أوغاد على بغداد».
وقصيدة عن أطفال الحجارة في فلسطين، وإذا تطرقنا إلي قصائده نجدها منشورات سياسية هجائية يبدأها معارضة لرأس النظام ويهاجمه بالعديد من القصائد من بينها قصيدة: مايغركم تبديل بعض أحواله سنة 1988م، وقصيدة عن قضية لوكربي وإسقاط الطائرة الأمريكية البان آم، التي راح ضحيتها 270 راكباً، والتعويضات الجسيمة التي دفعها النظام الليبي لأهالي الطائرة المنكوبة 1988م.
«كبرت لوكربي لاخينا كاثر لينه سايل ع الهرام دهينا»
وقضية المفاعل النووي في الرابطة، والذي كلف النظام الكثير من الأموال في إنشائه، وتحت رغبة الغرب وضعف النظام قام بتفكيكه، بعد أن خسر الأموال الطائلة في تركيبه في الرابطة بغريان.
«بابا نويل هدايا عيده لك تجريده ناوي للمصنع تحييده»
ويحرض الشاعر عليه الشعب في العديد من قصائده في هذا الديوان، ويتطرق إلي مثالبه وعيوبه، وأنه مجرد خطب نارية بعكس أفعاله، وذلك كما في قصيدة:
إن ريت الكلام تقول فيه عداله وإن ريت شعبنا تصعب عليك أحواله
كما لم ينس الشاعر ان يتطرق الي الأزمات التي مرت بها البلاد مثل أزمة لوكربي، وهزيمة حرب تشاد، والحصار الجائر الذي تعرضت له البلاد بفعل سياسات نظام القذافي.
وبعد إطلاعنا على قصائده نلاحظ كيف تعرض الشاعر إلي الهجرة القسرية عن بلاده والغربة في مصر:
«الغربة هبتنا طولت بزياده وعيشة الصغا في الوطن عيشة هده»
وقصيدة ماك هاينة والتي يقول مطلعها:
«ماك هاينه غير الصغا في المربا يزرك بلا رغبه تروم الغربة»
كان دائما يشعر بالشوق والحنين إلي وطنه، ويتذكر الأصدقاء والأقارب والأيام الجميلة ويفتخر بكل ذلك في قصائده، وشاعرنا كان دائما صابرا مرفوع الرأس، عصامياً عفيفاً لم يهادن، ثابتاً على المبدأ، ولعلنا نتذكر قصيدته المشهورة: «حشاهم من قولة الجرذان» بعد اندلاع ثورة 17 فبراير 2011م التي جاءت كرد على خطاب معمر القذافي يوم 22 فبراير سنة 2011م ومطلعها يقول:
«حشاهم من قولة جرذان وهم شجعان صيود اتقاحر في الميدان»
وقصيدته الأخيرة التي كانت أمنيات للعهد الجديد والتي كان يتمنى ان يكون العهد الجديد للثورة الليبية عهد خير ورخاء وأمن وتقدم ونماء وعدالة ومساواة، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن:
«اجعنك سعد تاتي بالسعيد علي لنسان ياالعهد الجديد»
والشاعر عبدالجليل هو صاحب صنعة في شعره، فقد كان يستغرق وقتاً في كتابته للقصيدة الشعبية، والقصيدة لديه كانت تمر بعدة مراحل من التدقيق والمراجعة، يُخضعها لاستبدال بعض كلماتها، وتعديل بعض صورها الوصفية، بل حتى حذف بعض شطرات منها إذا لزم الأمر. وهو بلا شك، كان شاعراً ماهراً في صناعته, بحكم امتلاكه لمفاتيح الصنعة، واستحواذه الكامل على أدواتها ومفرداتها, وكان شعره ذا مستوى فني رفيع.
وفي مايو 2011م وصل شاعرنا عبدالجليل سيف النصر عن طريق البر إلى بنغازي، ومقر سكن والدته وشقيقه عبدالسلام، واستقبلته الجماهير هناك استقبال الأبطال، وأعتلى خشبة المسرح بساحة محكمة شمال بنغازي، فوقفوا له وقفة احترام وتقدير مع صيحات التكبير، وموجات هائلة من التصفيق، وبدأ في القاء قصيدته المشهورة: «حاشاهم من قولة جرذان»، والعديد من قصائده الأخرى.
كما تقاطر على منزل شقيقه عبدالسلام سيف النصر عدد من أهالي بنغازي للسلام عليه، وتهنئته بسلامة العودة منتصرا شامخ الرأس إلي أرجاء الوطن.
وبدعوة من اتحاد كتاب وأدباء بنغازي بتاريخ 24 يونيو 2011م، ألقى قصائده الوطنية، والتي قدمه فيها الشاعر: سليمان علي الساحلي، ثم بعد ذلك كانت ندوة عن شعره النضالي، أدارها الكاتب الصحفي طارق الشرع.
بعد ذلك سافر شاعرنا إلي مدينة درنة، حيث أقيمت له أمسية شعرية، أدارها الشاعر: عبدالحميد بطاو، وحضرها العديد من كتاب درنة ومثقفيها ومحبي الشعر الشعبي.
أيضا أقامت له العديد من مؤسسات المجتمع المدني، أمسيات شعرية، كما قامت بتسجيل قصائده الوطنية، وأذاعتها الاذاعات المحلية مثل اذاعة شحات وغيرها.
كما كرمته العديد من الجهات كشاعر وطني مناضل، من بينها على سبيل المثال المجلس الوطني الانتقالي، والمجلس المحلي غدوة بدرع ، وكذلك كرمته قناة فزان الفضائية في سبها.
وبعد أسابيع قليلة من مغادرة الشاعر عبدالجليل ليبيا، وعودته إلي مصر، داهمته أزمة قلبية في بيته الكائن بمقر سكنه بالقاهرة على أثرها نقل للمستشفى غير أنه توفي بتاريخ 8 سبتمبر 2011م ودفن في مقابر العائلة بالفيوم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
__________
نشر بموقع المستقل