قالها مرتين , في صيغة سؤال !
المرة الأولى, عندما حدّثته عن عمر أبو القاسم الككلي, و عن إبداعاته القصصية , تأليفا و ترجمة و نقدا , كان يستمع باهتمام , و لا يعلّق , و عندما أعطيته نسخة من مجموعات الككلي , بناء على طلبه , طلبت منه قراءة ” القفزة ” !
تلك القصة الرائعة التي أذهلتني و أذهلت الأصدقاء , عند قراءتنا لها لأول مرة , و التي ارتبطنا بها وجدانيا في السبعينيات , عندما روّت عطشنا لبارقة أمل , وسط ذلك الظلام الكثيف , الذي رزح على كل شيء , و ذكّرته بأن الكثيرين , قد علّقوا عليها , في وقتها أعجابا بصياغتها اللغوية , و انبهارا بمضمونها التقدمي الرائع !
و عندما التقينا بعدها بعدة أيام , أبلغني , فرحا , بأنه قرأ أغلب القصص , و قرأ ” القفزة ” بشكل خاص , لأكثر من مرّة , و بعد أن لخّص لي انطباعاته عن القصص التي قرأها , و وعد بقراءة ما تبقّى منها , تحدث بإسهاب عن ” القفزة ” و عندما أنهى حديثه , تأمل الأفق لبرهة , و سألني , مبتسما , و هو يتجه بنظره إلى الفراغ الممتد أمامه , قائلا :
هل ستفعلها ليبيا قريبا ؟!
المرة الثانية
عندما قرأ المجموعة السردية ” سجنيات ” التي صدرت مؤخرا , حيث ذكر لي , أنه تأثر كثيرا , عند قراءتها , و كادت دموعه أن تغالب إرادته في كبحها , و قال أنه تأثر بشكل خاص , ليس بمدى المعاناة المبثوثة في النصوص فقط , بل بمستوى التشكّل الفني للنصوص , و ملائمتها لطريقة السرد , و أكثر من ذلك , مدى التسامح , و روح التجاوز , و تغليب الموضوعي عن الشخصي , في رؤية و تعامل الشخصية الرئيسية في هذه السرديات الرائعة , و هو المؤلف نفسه !
و عندما لاحظ مدى اهتمامي بما يقول , ختم حديثه قائلا بثقة :
هذه المجموعة استطاعت في وقت واحد , أن تؤكد على روح المستقبل , رغم رصدها المؤثر لوقائع مؤلمة و قاسية, و أن تؤكد أيضا على أن روح الإبداع هي على المستوى الشخصي و العام , هو طريق التجاوز الحقيقي !
و تساءل , مرة أخرى , و هو يرى ما يحدث من تعثرات في المشهد السياسي الليبي , و يجهّز نفسه لمغادرة المكان :
هل ستفعلها ليبيا , مرة أخرى , و قريبا , يا ترى ؟!