المقالة

كُنا دولة قبل إعلان الاستقلال

بمناسبة يوم أستراليا الوطني أقامت شركة «وود سايد» الأسترالية للنفط فرع ليبيا حفلاً في 2006 دعاني إليه أخي «علي» مدير تقنية المعلومات فيها آنذاك، كانت بداية الحفل كلمة لمدير الشركة استهلها بقوله: نحتفل اليوم بالذكرى 218 لتأسيس أستراليا (26 يناير 1788)، ثم يتوقف لعدة ثواني قبل أن يكمل قائلاً: عُذراً ولكن متى تأسست ليبيا؟ في سؤال تهكمي قَصَدَ به إثبات عراقة أستراليا مقارنة بليبيا، معتقداً أنها ما ظهرت للوجود إلا في 1951!

كان الحضور خليط من موظفي الشركة وضيوفهم الليبيين وبعض الأستراليين، وكما توقعت لم يرد أحد من الليبيين! ففي ذلك الوقت كان عيد الاستقلال ملغياً بصفته عيد عمالة وزيف! لكن حتى لو كرّر هذا الأسترالي كلمته اليوم لا أظن أن ردة الفعل ستكون مختلفة! فالجهل بتاريخنا مازال يتلبس الكثير ممن يعتقدون أنهم سياسيين، غير أنني بالطبع لم أترك هذا الأسترالي يهنأ بإنجازه! وبعد إنهائه لكلمته وافتتاحه لطاولة المأكولات اقتربت منه وهو يأكل وقلت له: ليبيا تأسست قبل تأسس أستراليا بـ77 سنة! (قاصداً سنة تأسّس الدولة القرمانلية)، بالطبع فوجئ، وحينما رَد عليَّ إن ليبيا تأسست في 1951 وأن ليبيا قبل ذلك كانت مجرد مستعمرة إيطالية وولاية عثمانية، قلت له: عليك تطبيق ذات المعيار على أستراليا كذلك! ففي 1788 كانت مُجرد مستعمرة للإمبراطورية البريطانية!

بل أن الغموض مازال يلف استقلالها حتى اليوم! إذ يصعب فهم كيف تكون مستقلة والعَلم البريطاني مازال يحتل الركن العلوي لعلمها الوطني! كما أن اللقب الرسمي لرئيسها هو الحاكم العام ممثل ملكة بريطانيا في أستراليا! أي أن ملكة بريطانيا مازالت رسمياً ملكة أستراليا ورئيسة برلمانها!

بينما ليبيا في 1711 (أي قبل استقلال الولايات المتحدة بـ 72 سنة!) كانت دولة «مستقلة فعلياً» رغم تبعيتها رسمياً للإمبراطورية العثمانية، تحكمها «أسرة ليبية مقيمة بطرابلس منذ أكثر من قرنين»، تتحدث اللهجة الليبية لا التركية كما يردّد الجهلة بالتاريخ الليبي، بل جعلت اللهجة الليبية لغة القوانين والمعاهدات والمراسلات الرسمية في البلاد لا التركية كما يظن الجهلة، حيث أبرمت عدة اتفاقيات مع جيرانها لترسيم حدودها التي هي الحالية تقريباً: مصر من الشرق، وتونس والجزائر غربا، فقط تقلصت حدودها الجنوبية في العهد الإيطالي بعد أن كان النفوذ الليبي يصل شمال تشاد والنيجر. وكان لها منذ 1711 أسطول بحري مهيب، لا يتلقى أوامره من السلطان العثماني وإنما من أمير طرابلس، الذي اختلف معه مرة أحد القناصل فهدّده بالشكوى إلى السلطان العثماني، فما كان من الأمير الليبي إلا أن قال له: «السلطان يحكم في اسطنبول.. وأنا أحكم هنا! »، كما كان لليبيا عَلَم مُستَقِل يرفرف أعلى مقر حُكمها (السراي الحمراء) وعلى سفن أسطولها، وميزانية مستقلة عن السلطنة العثمانية، بل تدعم ميزانية الإمبراطورية العثمانية لا العكس! إذ تدفع لها ضريبة سنوية بلا أي فوائد!

كما كانت ليبيا آنذاك تُبرم بنفسها المعاهدات مع الدول العظمى (بريطانيا وفرنسا وأمريكا) مباشرة دون أي تدخل من عاصمة الخلافة العثمانية، ولهذا كانت طرابلس تزخر بالقنصليات الأجنبية منذ سنة 1630، أي قبل يوم أستراليا الوطني بقرن ونصف! حيث كانت البداية مع القنصلية الفرنسية كأول قنصلية أجنبية في العالم الإسلامي، توالت بعدها قنصليات بريطانيا وأمريكا وأسبانيا والدانمرك والسويد والنرويج وهولندا ودويلات إيطاليا قبل وحدتها: توسكانيا وسردينيا والبندقية وصقلية، مع تمثيل قنصلي للبرتغال وروسيا ومملكة هانوفر في شخص القنصل البريطاني، كانت هذه الدول تفتح قنصلياتها في طرابلس رغم وجود سفارات لها في اسطنبول، دون أن يكون لسفيرهم أي نفوذ على قنصليتها بطرابلس، إذ أن قنصل طرابلس تُعينه الخارجية مثلما تُعين سفيرها في اسطنبول! أي أنه كان يمارس مهام السفير، وما تسميته بالقنصل إلا ترضية للعثمانيين طالما باشاوية طرابلس الغرب تتبعهم رسمياً.

__________

نشر بموقع المستقل

مقالات ذات علاقة

أيام عيد الفطر المبارك

رمضان كرنفودة

المجتمعات المعاقة فكريا

عمر أبوالقاسم الككلي

بثوا الهدوء في الداخل كأول الإجراءات الإستباقية لمواجهة عاصفة كورونا في الخارج

علي بوخريص

اترك تعليق