الكاتبة نجوى بن شتوان
حوارات

نجوى بن شتوان لـ”ليبيا المستقبل”: رغم الإنقسام.. المشهد الثقافي الليبي بقي حيا ونابضا

ليبيا المستقبل (حوار: هادية العـزقالي)

عرفت بجرأة طرحها لكل ماهو مسكوت عنه، فهي تمزق بحروفها أكفان الصمت وتطرح في كتاباتها قضايا مسكوت عنها، لطالما حبذا عديدون التطرق لها غير أنهم افتقدوا شجاعتها، هي المرأة التي ترفض كل القيود التي يفرضها المجتمع على المرأة، ويفرض لها صورة نمطية كزوجة وربة بيت، تدافع عن حقوقها كإمرأة في مسار أدبي حافل بالألق وبالسرد الجميل.

الكاتبة نجوى بن شتوان

حاصلة على ماجستير في التربية وهي مساعد محاضر في جامعة قاريونس. مقيمة في إيطاليا وتعد لشهادة الدكتوراه في جامعة روما. كتبت العديد من المقالات في مواقع وصحف عربية، شاركت في العديد من الندوات والفعاليات الثقافية داخل وخارج ليبيا، لها مؤلفات عديدة في مجال الرواية والقصة والمسرح منها رواية “وبر الأحصنة” الصادرة عام2005 و”الماء في سنارتي” و”مضمون برتقالي” وأخر مجموعة قصصية صدرت لها في 2012 بعنوان “الجدة صالحة”، مهتمة بتاريخ العبودية فى ليبيا وكان هذا موضوع روايتها الصادرة سنة 2016 “زرايب العبيد” والمرشحة لنيل جائزة ‘البوكر’ للرواية العربية.

هي الباحثة والروائية الليبية “نجوى بن شتوان”، التي تمكنت من الكتابة في سن مبكرة رغم نشأتها في بيت تخيم عليه الأمية ومجتمع يقيد حرية المرأة، ولأن الإبداع لا حدود له استطاعت أن تحول صورة فوتوغرافية إلى رواية تسعى فيها لتحرير العبيد، من زمن تاريخي بعيد… ومن وسط الأحياء الفقيرة، تلقفت أصوات لم يسمعها أحد ولايزال صداها يتردد في أرجاء الوطن. تقول بأن موهبتها وحبها للكتابة جعلها تتخطى هذه القيود وتثبت بأن المرأة قادرة على أن تحقق ما ترنو إليه.

نجوى بن شتوان، لم يبعدها عيشها في بلاد الغربة عن الواقع الليبي، بل بالعكس ظل يعتمل فيها وتناجيه في كل لحظة، ولعل حنينها إلى وطنها والاهتمام بقضاياه، كان من أسباب تألقها في الكتابة، إذ أن الجوائز في مسيرتها الأدبية متعددة، حيث فازت مسرحية (المعطف) بالجائزة الثالثة لمهرجان الشارقة للإبداع العربي سنة 2002، كما تحصلت روايتها “وبر الأحصنة” على جائزة مهرجان البحراوية الأول للخرطوم 2005 وجائزة مؤسسة “هاي فيستيفال” لأفضل 39 كاتباً عربياً للعام 2009. والان مرشحة بروايتها “زرايب العبيد” لنيل جائزة “البوكر” للرواية العربية…. ليبيا المستقبل” التقت الروائية الليبية على هامش مشاركتها في فعاليات مهرجان “من أجل ليبيا” الذي نظمته سفارتا فرنسا بليبيا وتونس بالتعاون مع المعهد الثقافي الفرنسي، يومي 11 و12 مارس 2017 بالمعهد الفرنسي بتونس العاصمة وكان لنا معها هذا الحوار:

غلاف رواية زرايب العبيد – الروائية نجوى بن شتوان

– ما الذي دفع نجوى بن شتوان للكتابة .. وما الذي تأملين في الوصول إليه من خلال الكتابة ؟

• الموهبة دفعتني للكتابة، فأنا منذ الصغر موهوبة بالكتابة وكنت عاشقة للكتابة وهي موهبة كموهبة الغناء والرقص. الكتابة ليس لها حدود، أحب أن اصل إلى كتابة نص جميل يكون مثاليا ومتكاملا، فيه لعبة روائية او حكاوية، تجذب القارئ وتشد انتباهه، نص ليس مفرغا من المضمون.

– بين كتابة المقالة والقصة والرواية… كأن نجوى بن شتوان ترفض الانحياز الى لون أدبي محدد، أيها تفضلين وتشعرين معه أنك توصلين أفكارك؟

• أنا متعددة الاشكال الأدبية، فأنا أكتب القصة والنثر والشعر  والمسرح والرواية، وكل نص له شكله الخاص، وعندما تأتيني فكرة كتابة نص، لا أحدد أن تكون قصة قصيرة أو رواية كما حدث مع رواية “زرايب العبيد”، لا أحدد أن تكون مسرح أو مقال ولكن هي تأخذ شكلها خلال الكتابة، فيمكن أن يخرج النص، مقال أو قصة قصيرة أو رواية أو خاطرة أدبية.

– أين تجد نجوى بن شتوان راحتها بين هذه الاشكال الادبية؟

• أجد نفسي دائما في التفاصيل والتفاصيل تتوفر في القصص.

– كيف تلقيتي نبأ ترشح رواية “زرايب العبيد” لجائزة البوكر للرواية العربية والصادرة عن “دار الساقي” وخاصة أنها ليست أول جائزة تتحصلين عليها فقد سبقتها مسرحية المعطف بمهرجان الشارقة للإبداع العربي، وروايتك الأولى “وبر الأحصنة” بمهرجان البحراوية الأول في الخرطوم.. وهل كنت تتوقعين هذا الترشح؟

• تلقيت نبأ ترشح “زرايب العبيد” لنيل البوكر، بفرح كبيرجدا، وأن يحظى عملي بهذه الثقة وهذا التقدير، سعدت جدا حقيقة بترشحي وكانت سعادتى أكبر لان اسم ليبيا موجود في “البوكر”، ان تكون لدى المسؤولية لحمل هذا الإسم وان يكون اسم ليبيا مقرون  بإسمي، كان إحساس جميل. وأتمنى أن تفوزليبيا بهذه الجائزة.

– “رزايب العبيد” اخر رواياتك، لو تقدمي لنا هذا العمل المرشح لنيل جائزة البوكر للرواية العربية؟

• الرواية تطرح معاناة ذوي البشرة السوداء، والمآسي التي يتحملونها سواء كانوا مملوكين من قبل البيض، ويخدمون في منازلهم، أو حصلوا على حريتهم فذهبوا ليعيشوا فصول الفقر والحرمان في الزرايب التي سميت باسمهم، عالم العبودية يحتوى على كل الاشياء السيئة في الحياة، تطرقت إلى هذه المسألة عقب دراسة معمقة لها، وهي رسالة حتى يتم تسليط الضوء على هذه القضية الاجتماعية المسكوت عنها في المجتمع الليبي.

– ما  الذي جعلك تتناولين قضية إجتماعية هامة مسكوت عنها كالعنصرية والتمييز في المجتمع الليبي والاضطهاد الذي مورس على هذه الفئة في روايتك “زرايب العبيد”؟

• “زرايب العبيد” من خلال تطرقها لهذه القضية، أثارت الجدل، والجدل بالنسبة لي جيد لان المواضيع المتحركة والحية هي التي تثير الجدل وأنا لا احبذ المواضيع الساكنة، لكن عندما كتبت “الزرايب” لم أقصد اثارة الجدل بل اردت التطرق إلى موضوع العبودية التي يعاني منها المجتمع الليبي ولم يجرأ أحد على التطرق اليه فهو مسألة مسكوت عنها تحتاج إلى شجاعة وجرأة أدبية. أنا الحمد الله امتلكت الجرأة والشجاعة وكتبت جزء من تاريخ بلادي في عمل أدبي، وأنا سعيدة بإنجاز هذا العمل ولإني كنت جريئة وشجاعة.. أنا في نهاية الرواية وقفت على نهاية البحر المتوسط وقلت للجميع “أنا لقد فعلتها”.

– برأيك ما جدوى الكتابة إلى مجتمع يقيدنا ويحرضنا على الارتماء في أحضان الماضي ويجد خلاصه في العزلة وراء الجدران؟

• الكتابة دائما لاعلاقة لها ببيئة الكاتب الذهينة والإبداعية ولا علاقة لها بالرجوع إلى الماضي أو المستقبل، وبالنسبة لي  لا علاقة لها بالماضي، فأنا أحيانا أكتب أعمال خيالية لا تنتمي إلى زمن محدد، و”زرايب العبيد” هو أول عمل التمست فيه مع تاريخ ليبيا، ويمكن أن هذا العمل توافق مع ماتمربه ليبيا من تشويه تاريخ  وسرقة لهويتها واستيلاب وهذا ماشجعني على كتابة وثيقة ليبية.

– كيف ترين المشهد الثقافي الليبي في ظل الأزمة التي تعاني منها البلاد؟

• رغم كل الظروف التي تعيشها ليبيا ورغم كل ماتعيشه من شتات وانقسام، فان المشهد الثقافي حي ونابض وليبيا لديها كتاب وشعراء ورسامين وادباء، وانا سعيدة جدا عندما قدمت إلى تونس وجدت نبض ليبي وناس يعملون لصالح ليبيا مثلما عملت أنا في ايطاليا، عملوا تحت ظروف أسوء مني واستطاعوا ان يكونوا مشهد ثقافي ليبي حي.. الثقافة هي التي نعول عليها في انقاذنا أو أن تكون حلا للليبيين.

– هل تأملين يوماً ما في أن تنفذ أعمالك الروائية إلى السينما لتصل لجمهور أكبر؟

• امل جدا في نقل أعمالي إلى سينما، وأتوقع جدا ان تذهب “زرايب العبيد” إلى سينما.

– بعد قرار عبد الرزاق الناظوري القاضي بمنع سفر المرأة دون محرم، ذكرتي في تصريح صحفي “أن وجود النساء في المشهد السياسي الليبي هو مجرد “ديكور” وبأن المجتمع الليبي مجتمع ذكوري”، وقد تناولت الأديبة غادة السمان تصريحك هذا في مقال لها، كيف ترين هذا القرار وأبعاده وذكره في الأوساط العربية والعالمية؟

• قرار الناظوري قرار جاهلي مائة بالمائة، وهو قرار لا اعتقد انه مدروس، فأنت مجرد أن تفرض على نصف مواطني البلاد عدم الخروج فهو موضوع يتسم بالغباء، وقراره ليس فيه مجال للدراسة ان تحرم نصف مواطني البلاد من السفرمهما قدمت من أسباب. أنا هاجمت الناظوري لانه اعتدى على المرأة الليبية وانا جزء من المجتمع الليبي وموقفي من هذا القرار كان جريء في الوقت الذي استهان فيه الناظوري بالنساء اللواتي قدمن اولادهن ضحية  لتطهير ليبيا من الفكر الداعشي والفكر المتخلف، وان تدفع المرأة ضريبة لكل تغيير سياسي دون ان تتغير أحوال المرأة  فلماذا نقوم بهذا الأمر؟ انا هاجمته لانه لا يمكن العودة إلى حكم العسكر من جديد ولا يمكن ايضا العودة لحكم العسكر الديني الذي يريد الان حكم ليبيا وينطلق بحكم النساء. نحن جميعا لن نعود للقيود. ليبيا ليست بلاد رجال فقط، ليبيا بلاد النساء ايضا فهن دفعوا ضريبة بقائهم فيها، أولادهم، ازواجهم ونزوحهم ودمعوهم وتشردهم، لماذا يتم تفريغنا بهذا الشكل؟ والأسباب التي قدمها الناظوري هي تهم غير أخلاقية، تهم بالجوسسة والفساد الاخلاقي، بينما ليبيا سبب مأسيها هم الرجال.

– قضايا المرأة الليبية في ظل الظروف التي نعيشها اليوم، هل تحتل لدى نجوى بن شتوان المساحة الأكبرفي أعمالها الأدبية؟

• نعم تأخذ حيزكبير لدي بدليل تصريحه لصحيفة “القدس العربي” بخصوص منع سفر النساء دون محرم، والمرأة موجودة في كتاباتي وبقوة.

– تعيش ليبيا اليوم أوقاتاً صعبة، كيف تقرأين الأحداث وكيف تعيشينها في الغربة؟

• اتابع باستمرار مايجري في ليبيا، ارى تشويش وفوضى كبيرة مفتعلة وغير مفتعلة، عشوائية  وانا لا اتوقع أن ينتهي الأمربسرعة، سيأخذ وقت. واعيش ماتمر به بلادي كأي مواطن سلبت منه أرضه وان الارض التي توجد تحت قدميه غير ثابتة، اعيش الاحداث بقلق مستمروانزعاج كبير، انا لا استطيع العودة لبلادي، لا استطيع أن أضع قدمي على مكان متحرك لا يوجد فيه ثابت.

– حدثينا عن عملك القادم “روما تيرميني”؟

• (تجيبنا باختصار وتحفظ) العمل سيتناول بيئة أوروبية، سيتناول ثقافتيين أو ايدولوجيتين أوروبيتين (الرأسمالية والشيوعية)، الشخصيات العمل ستكون كلها أوروبية ليست عربية او شرقية، العمل سيتحدث عن بيئة اخرى بقلم شرقي.

– إلى أي حد يصح القول ان العمل الأدبي مرآة للواقع الذي يعيشه/تعيشه الكاتب/ة؟

• صحيح إلى حد كبير، فالرواية تعكس احوال كثيرة في المجتمع الذي يعيشه الكاتب لا تفعلها فنون أخرى

– بمن تأثرتي في كتاباتك الأدبية، وما هي طقوس نجوى بن شتوان حين تستعد للكتابة؟

• تأثرت بكل الكتابات الجميلة، لاأستطيع تحديد الاسماء، لاني مهتمة دائما بالنصوص، واتأثر به وبشكل عام يستهويني ادب أمريكا اللاتينية، تعجبني مثلا كتابات “غابرييل ماركيز” و”إدواردو غاليانو” وكثير من الاسماء الاخرى التي تعجبني كتاباتها. وبخصوص طقوسي عند الاستعداد لكتابة عمل جديد، أقوم اولا بانهاء كل شي يربطني بالعمل الذي سبقه واتفرغ تماما واذهب في رحلة لمكان جديد لم اراه من قبل ليس لي فيه أصدقاء ولا يربطني به شي سواء تذكرة السفر واحاول أن أتخلص من كل الافكار المسبقة وأن اتفرغ للتفكير في أشياء أخرى قبل أن اعود لكتابة أي عمل… في فترة الكتابة، تجدني أكتب بشكل صارم وكأني في عمل، وليس لدي شروط أو طقوس معينة، تجدني أجلس من الصباح إلى الظهر أكتب وكأني موظفة في مؤسسة ما، فأنا موظفة لدى نفسي، أشرب قهوة الصباح ومن ثم افتح جهاز الكومبيوتر واشرع في الكتابة وكأني في عمل صارم، احيانا انسى حتى الأكل.

– في اخر اللقاء، الكلمة لك ان كان لديك ما تودين قوله؟

• أتمنى ان تحظى كتب المؤلفين والكتاب الليبين بالاهتمام والقدر اللازم في الوسط الليبي لتشجيعهم ودعمهم من الجهات المسؤولة. كما أتمنى لابناء وطني أن تكون لديهم الثقة في أنفسهم وفي منتوجاتهم الثقافية المحلية اي أن تكون لديهم الثقة في خامة الكاتب والفنان والرسام الليبي، خاصة عندما يكون موهوب حقيقي. يكفي سلبية.

مقالات ذات علاقة

إسراء كركره: أعمالي تحمل اللمحة الليبية باستمرار، أو الليبية الحديثة كما آمل!

المشرف العام

الكاتب: منصور أبوشناف/ قراءة في عرض السعداء

المشرف العام

حوار مع الشاعر سالم العوكلي

المشرف العام

اترك تعليق