الطيوب | حاورها: رامز رمضان النويصري
المواهب الشابة لم تعد تلك المواهب الخجولة، فبفضل ما أتاحته التقنيات من قدرة على التواصل وتوفير المعلومة، استطاعت هذه المواهب أن تحرز الكثير من التقدم على مستويي المعرفة والتجربة، وأيضا إثبات وجودها، وتأكيد حضورها في المشهد، بل وتجاوز حال السكون التي يعيشها المحيط إلى آفاق أكثر رحابة وديناميكية.
إسراء عبدالرازق كركره، أحد المواهب الشابة المميزة في مجال الفنون التشكيلية، التي حولت معاناة الحرب، وضغوطات المجتمع من خلال الخط واللون إلى لوحات فنية حملتها همومها وآمالها.
في هذه الفسحة، نلتقي الفنانة التشكيلية إسراء كركره، وهي تستعد اليوم، لافتتاح معرضها الشخصي الأول، بمدينة إيفيان الفرنسية، في حديث عن المعرض وتجربتها الفنية.
بداية، دعينا نستهل هذا الحوار بالحديث عن الحدث الحالي، معرضك الشخصي الأول: كيف جاءت فكرة المعرض؟ خاصة وإن إقامته جاءت خارج الوطن؛ ليبيا، ثم ما هي الرسالة يقدمها المعرض؟
المعرض كان صدفة ككل الصدف، تعرفت على الفنان الفرنسي أوبن شيفالاي عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي، وطلب مني أن أصور له إحدى لوحاته في مشهد بقايا حرب في بنغازي، بعد أن أتممت له مشروعه عرض علي أن يعرض بالمقابل لوحاتي في دار عرض في مكتبة (في إيفيان)، من ثم أتتني فكرة عرض لوحاتي، التي إلى حد ما لا يمكنني عرضها في ليبيا، ومن هنا أسميت المعرض “خارج” أو “ما بعد البحار” و أنوه هنا أن “خارج” لا أقصد بها أوروبا كوسيلة لنشر الفن لا كغاية أود وصول فني إليها.
هل تقصدين أن هناك محاذير ما؟
كما ذكرت سابقا، بعض أعمالي جريئة من ناحية تصويري للمشاعر والمشاهد الإنسانية، كالمعاناة والوحدة، أو كأجساد النساء. و بالرغم من رغبتي بعرضها في ليبيا، إلا أنه يجب أخذ الاحتياط من ناحية القيود الجديدة؛ لما يمكن عرضه وما لا يمكن عرضه في ليبيا، وبالتالي هذه طريقتي في التمرد بعرض اللوحات للجمهور الليبي (بالإضافة للأوروبي) من الخارج.
نعود للمعرض ورسالته:
لكل عمل أو مجموعة معروضة رسالة، ولكن رسالة المعرض بشكل عام؛ هو التمرد عن المراقبة المستمرة لما يعرض في ليبيا.
أما اللوحات، فستعرض مطبوعات لتسع لوحات بالإضافة إلى 8 أعمال ديجتل، وهي أعمال تتناول موضوع الحرب، وتأثيرها النفسي على الشباب الذين عاشوا فترة نضوجهم خلالها وما يتبعها من عواقب في بداية حياتهم كبالغين.
جميل، دعينا نرجع للخلف قليلاً، ولنتحدث عن بداياتك في عالم الفنون التشكيلية: كيف كانت بدايات إسراء الفنية؟ من هو/ هم أول الداعمين لتجربتك الفنية؟
بدأت الرسم خلال حرب 2014، كوسيلة للهروب أثناء انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة وتأخر عودتنا للمدارس. بدأت بالرسم الرقمي في تطبيق على هاتفي، وكانت أغلبها رسومات شخصية وبعض الصديقات، حتى يومنا هذا، تشكل المرأة كموضوع، معظم أعمالي الفنية الرقمية.
ما بدأ كآلية دفاع نفسي خلال سنوات المراهقة المبكرة، أخذ الآن دورًا كبيرًا في حياتي كشخص بالغ. للمضي قدماً، وجدت نفسي أميل إلى التجريد واستخدام الفن للتعبير عن أفكار المرء وعواطفه بشكل مبهم، مما قادني إلى التعبيرية ومنها نحو المفاهمية والأعمال الفنية التفاعلية.
ماذا عن الدعم والتحفيز؟ من وكيف أثر في تجربتك وتقنياتك الفنية؟
أول الداعمين أهلي؛ والدي ووالدتي وأخواتي، هم أكبر الداعمين لي منذ البداية. و طبعا أصدقائي المقربين وبعض الفنانين من أنحاء ليبيا، من مختلف الأجيال التشكيلية.
أما عن تجربتي، فاستطيع القول أنها متأثرة جدا باطلاعي على الفن الحديث (ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية) في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك واضح جدا فيها تأثري باللغتين الإنجليزية والألمانية وفلسفة اللغة والفلسفة الألمانية. بالرغم من كل هذه التأثيرات، فإن أعمالي تحمل اللمحة الليبية باستمرار، أو الليبية الحديثة كما أمل.
لا أود القول أن تطوري الفني كان فطرياً، ولكنه أيضا لم يكن بطريقة أكاديمية، لم أتعلم الرسم قط، فقط فرشاتي ومخيلتي ومنها بدأت أشق طريقي.
لنتوقف عند حضورك في المشهد التشكيلي في ليبيا، كيف تقيمين هذا الحضور؟
شاركت مؤخرا بمجموعة “شبه محافظ” في عدد من المعارض والمنصات وهي حدث تكليلة بلوحة “وشوم” ومشروع المادة 40 بلوحة “فرملة” و لوحة “شنة”، وحدث ليبوفيرس بمنظمة براح بالتعاون مع مشروع المادة 40 بلوحة “فراشية” و لوحة “شنة” و لوحة “جرد”، “شبه محافظ” Semi-conservative) وهو عمل فني ناقد لطرق توريثنا للتراث والعادات من جيل لآخر ورغبتنا غير المجدية في المحافظة عليها طبق للأصل من أجدادنا. يطرح العمل فكرة إمكانية استخدامنا لهذه العادات كنموذج يبنى عليه عادات ملائمة أكثر لعصرنا كبديل لطريقة المحافظة التامة. وكان تفاعل الجمهور متباين بين إعجاب وتجعب من أسلوبي، في الحالتين الأمر إيجابي بنسبة لي.
بالحديث عن المشهد التشكيلي في ليبيا، كيف أثرت الأوضاع التي يعيشها الوطن في تجربتك وأعمالك؟ وهل تقصدين توجيه رسائل من خلالها؟
أعتقد اني ذكرت الكثير حول هذا الأمر في إجاباتي السابقة، لكني أود التنبيه أن تجربتي الفنية وليدة الوضع الليبي، شخصيا لا أرى في فني إلا محيطي، سواء من خلال الوضع سياسي أو الاجتماعي. أعمالي دائما تضع ليبيا و شبابها أمام الأنظار، عارية من أي تجميل.
أما من ناحية التقنيات، فضربات فرشتي (أو أي أن كان ما أرسم به) خشنة، قاسية و صلدة، ولكنها دائما تعبر عن ما تريد إظهاره بوضوح، ربما لليبيا سبب في الأمر.
وبخصوص الرسائل الموجهه للمجتمع؛ فأقول: هدفي هو معالجة وانتقاد الوضع الاجتماعي في بنغازي، على أمل زيادة الوعي بمشاكل الصحة النفسية وعدم المساواة بين الجنسين، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتلاشي البطيء للثقافة الليبية.
ختاماً؛ ماذا عن مشاريعك القادمة، وهي هناك ما تودين قوله؟
مشاريعي القادمة هي عدة معارض سبق وأن خططت لها في بنغازي، ولكن لعدة أسباب لم أتمكن من تنظيمها، ربما بعد عتبة المعرض الشخصي الأول، سيحالفني الحظ في مدينتي.
وفي الختام أود أن أشكر كل من اهتم يهتم بموهبتي الشابة.