قراءة في عرضِ ….. الــسُّــعـداء
حاوره: رامز النويصري
– هل السُّعداء/السعادة وهمٌ أم حقيقة/حقيقة أم وهم
– إثارة… إبهار… (فنطازيا)… شاعرية.
– تزاوج الواقع- أللا واقع… الحلم- الخيال… المرأة- الرجل… المكان- الحدث
– السُّـعداء… تلقي الضوء عن مصداقية العلاقة، أول علاقة جمعت جنسين.
في عرضٍ متميز، مليء بالأسئلة والإثارة قدم المسرح الوطني عرضه على مدى يومين عرض الافتتاح لمسرحية (السُّـعداء)… السُّـعداء عرض فيه من الإمتاع البصري ما يكفي المشاهد من المستوى الأول، وجمال الحوار وشاعريَّـته وحبكة قصته ما يفي حاجة المشاهدين من المستوى الثاني، ويسحب المشاهد الخاص لذات النص بعديد الأسئلة والرُّؤى المتباينة.
وفي أحاديث جانبية عقب انتهاء العرض، علق البعض بأنها مسرحية: ممتازة، وقالت هي: بأنها مسرحية غير عادية، بينما هو الذي يتكأ على أحد العمدة: لأول مرة تشدني مسرحية حتى نهايتها.
أصحاب الصَّنعة اعتبروها: دراما تخاطب جمهوراً خاص -البعض-، والبعض: أثنى على المخرج “نوري عبدالدائم” في تمكنه من إدارة الممثلين، وجودة نص “منصور أبوشناف” المحبوك.
المثقفون عاودوا العرض، إذ لم يكتفوا بالعرض الأول، حدث أحدهم زميله: لغة جميلة، نصٌ تجريبي بروح ليبية.
وفي حديثٍ جانبي إلى الممثلين عقب انتهاء العرض، خاصة ومثل هذا العرض يحتاج جهداً فكرياً وجسمياً… أجمع الممثلون على أن هذا النص أضاف لهم الكثير.
وأضاف الفنان/ علي الشول: لقد أضاف لي كل شيء جديد، فلم أعمل من قبل ممثلاً مطلق، الأداء فيه -أي النص- يحتاج لكثيرِ من التمكُّـن والتركيز، فالشخصية تتلون في المشهد الواحد من العاشق الرومانسي، إلى الرجل المتسلط من السلب إلى الإيجاب… وغير بعيد كانت الفنانة/ مهيبة نجيب: لم أجد في هذا النص الصعوبة التي تمنعني من عدم خوضه، خاصة وإنه يمس المرأة بصفة عامة -ليس في مجتمعنا فقط-، فهو يمثل العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة، من يقودُ منْ… وهكذا، فكان أن دخلت لعوالم النص من كوني امرأة مما حفزني على بذل المزيد من الجهد… ووجهنا جهاز التسجيل للفنانة/ انتصار أبو شناق: النص بلا شك أضاف لي الكثير فشخصيتي فيه مركبة، وأقدم من خلاله عديد اللوحات التعبيرية، فيها الحوار- الحركة، ولأني أهوى هذه الشخصيات الملوَّنة والتي تتطلب الجهد فكان أن أعطيتها الكثير وأعطاني النص الكثير، بما كشفه لي من إمكانات مخبوءةٌ بداخلي.
الممثلون في هذا النص تحركوا بحرية تامة على مساحة الرُّكح… كل شيء على الخشبة يتحرك من الممثل حتى قطع الديكور (المناظر)، شجرة متبرمة (عبدالمجيد الميساوي) وقمرٌ ساخر (صالح أبو السنون)، وحديقة لا تختلف حالاً عن أي من حدائقنا… “علي الشول” تحرك بثباتٍ، عرف كيف يستغل قدراته ويزيدها ويفعِّـل حركته، وعلى غراره جارته “إنتصار أبوشناق” إذ أظهرت مقدرة وتمكن، وإن خانها الصوت إذ بدا واضحاً عدم التناغم الصوتي بينها و”الشول”، الذي استطاع تغيير طبقات صوته وإبراز مفردات الحوار، وعلى عكسه ثبتت طبقة “إنتصار” الصوتية، بينما تميز أداء الفنانين “محمد الطاهر” و”مهيبة نجيب” بالتميز والإتكاء على الرَّصيد الفني الكبير الذي سمح لهما بإضافة الكثير منهما فتحرك الرجل “المركب داخلياً” في (محمد الطاهر) والمرأة المغلوبة في (مهيبة نجيب) والتي نقولها بحق أنهما أمتعنا في العرض الثاني بِحقْ.
السُّعداء
نص مسرحي بإمضاء الكاتب/ منصور أبوشناف، وعى المسرح العالمي، وواقع المسرح الليبي الفقير، في الخلف موروث اجتماعي هائل، يعايش الواقع وينظر متفكراً للمستقبل، وهو بهذا يقدم لنا نصاً متكامل الجوانب والعناصر وبعض من نفسية “يونج”، والقليل من شجون الفلسفة، مُشَكِّـلة لنا عرضاً متميز، أبتعد فيه الحوار عن اللهاث وراء المفردات فكان أن جاء الحوار سهلاً مسترسلاً، مركزاً في بعض المواقع على إبراز نون النسوة، مما سهل مهمة المخرج في تنظيم إيقاع حركة الممثلين ، و إضافة لغة الجسد لغة بصرية .. فكان النص ممتعاً بالإبهار العين والأذن وبهما حرك العقل فأنتبه مؤشره عند موجة “السعداء”، وأرسل ذبذباته مستقبلاً إياها في المخ معطياً الأذن بالبدء بعملية فك الشفرة ومعاودة القراءة.
عديد الرؤى تكونت.. عديد الملاحظات سجلت، وألقيناها للكاتب/ منصور أبو شناف.
*..قدمت حكاية واحدة بثلاث صورٍ مختلفة، الشيء الذي وضعنا أمام فكرتين: (أن القصة كانت- والآن- وستكون بنفس شكلها) أو أن (العلاقة بين الرجل والمرأة لن تكون إلا بهذا الشكل(.
التعليل الأول سليم والأقرب -وليس بالضرورة أن يكون هو الصواب-… فأنا أرى أن العلاقة بين الرجل والمرأة جاءت هكذا عبر أجيال ماضية وحاضرة وللدرجة التي تمنحنا الحق بأن نقول والأجيال القادمة (قفلة الأطفال)، خاصة إذا استمرت العلاقة في ظل هذه الظروف وهذه البيئة المعادية، القمر الذي يبصق- الشجرة المتضايقة، المعادية لأن تكون علاقة سليمة، ما لم تتغير هذه البيئة ستظل العلاقة بهذا الشكل.
*..في أكثر من موضع كان السؤال: هل قرأت/قرأتي يونيسكو- هل شاهدت/شاهدتي التياترو (المسرح)، وفي تعليقات القمر -البصايري-:تياترو…ولسان حال النص يقول “الحياة مسرح”.
من المفترض أن يذهل الفن الحياة، ولكن في هذا العصر الحياة من يذهل الفن… لدرجة أن الواقع أصبح أكثر غرائبية مما يكتب “يونيسكو” ومما يقدم في المسرح… بالفعل إن الحياة هي المسرح الكبير والواقع يفاجئك بأشياء لا معقولة، وهو يحدث في الشارع.
*..أيضاً ارتكزت على (أحياء موتى- موتى أحياء)… فهل نشْـتـَم في ذلك فلسفة نفي الموت؟
نعم هذا صحيح فالموت عملية تحول من حياة لحياة، ولكن في جانبها البسيط جداً ما يدور في الحوار بين الممثلين.
-هو/هي ماتت/مات بعد شهر العسل بيومين.
هي كيف أن نعيش سوياً بأجسادنا، ولكن غياب العلاقة الإنسانية والعاطفية، يجعل وكأن كل منهم ميت بالنسبة للآخر مع إنهما يعيشان في نفس الشارع.. نفس العمارة.. نفس الشقة، وفي نفس اللحظة يأتي ما أشرت إليه في ملاحظتك بـقولها:
– إن كنت حي فستموت.
فيكون الموت وجهاً آخر من وجوه الحياة.
*..اعتمد النص على عديد المقابلات المباشرة وغير المباشرة: (الموت- الحياة، الحزن- السعادة… كمقابلة مباشرة)، (الجنة- القذارة، الحلم- الفنطازيا… كمقابلة غير مباشرة)، وكأن علاقتنا بالأشياء غير مباشرة..
ما أريد قوله: هو أن هناك علاقة تبدو لنا مباشرة وعادية، لكن لو نظرنا لها من جانب آخر وجدناها غير عادية وغير مباشرة… علاقتنا بالمكان نفسه، نحن في لحظة انسجامنا يتحول هذا البيت إلى جنة، مع وجود هذه القذارة… بعلاقتنا الإنسانية نحوله إلى جنة.
– ولذا قلت: على لسان “سعيد”: إن العادة سعادة
بالضبط.. وعندما تسوأ علاقتنا بالواقع حولنا يتحول هذا الواقع إلى جحيم، والواقع فيه الجنة والجحيم، فيمكن أن نحول الواقع بالعلاقة الإنسانية إلى جنة ويتحول في نفس الوقت إلى جحيم.
*..بدا واضحاً دور “الشَّاهد” ومباشراً في هذه المسرحية، وكذلك في علاقته والشخوص وتفاعله معها.
في هذا انطلقت من لعبتين… أولى: أريد أن أسخر فيها من أوهام الرومانسية، من أن القمر كائنٌ جميل والشجرة كائنٌ جميل.. وثانية: أريد القول من خلالها، إنها كائنات حية تقرف كما نقرف وتنزعج كما ننزعج، وأيضاً تكون جميلة كما نحن جميلون… وأيضاً: لاحظت أن القمر رجولي، عندما يكلمه الرجل يتعامل معه بعكس معاملته والمرأة، ما أقصده.. أنه حتى عناصر الطبيعة نحن نضفي عليها رؤيانا الخاصة، فلسفتنا الرجولية ضد المرأة تـُحوِّلُ القمر إلى رجل والشجر إلى رجل معادي للمرأة، يعني أود القول: علينا أن ننظر لعناصر الطبيعة بأكثر واقعية -وكأن الأستاذ/ منصور أبوشناف، يعيدنا للسؤال السابق-، وأيضاً… حاولت تقديم “الشاهد” الذي يكون أكثر حيادية، فهم ليسوا شهوداً على ما يجري، بل شهوداً على فلسفة المجتمع في رؤيته للمرأة، ورغم ذلك لا يستطيعون الحفاظ على الحيادية فينحازون للرجل.
*..في كثير الأحيان… غصت بنا في عمق العلاقة بين “سعيد” و”سعيدة”، ثم صعدت بنا للسطح.
الحالة كانت في مجموعة الشخصيات التي جُسدت، فأنا لست الرجل الذي ألبس جاكت بجانبك، فأنا بداخلي الرجل المتخلف- المعادي للمرأة- الفاشي المستبد المتسلط، التي تبرز في أثناء العلاقة.
المشهد الذي أشرت إليه كان مكتوباً كالتالي:
– يجذبها من شعرها بعنف ويخاطبها برقة.
هذا التناقض المطلوب… وهذا صعب جداً على الممثل، ولذا كان أن عملت على تكوين مشهد أول يصور العنف الممارس والذي فيه العمق، ومشهد ثاني فيه السطح والرومانسية، وكأني أقلب العلاقة أمامك بوجهيها.
*..هذا يجرنا لسؤال… الأستاذ/ منصور أبوشناف، عندما يكتب هل يضع لكل نص معاييره الخاصة، أم أن هناك معايير خاصة يكتب من خلالها.
الكتابة عندي حالة تتلبسني وأجلس تتدفق على الورق حتى تنتهي، فأفاجأ بالنص أممي ولا أجري عليه أكثر من التشطيبات اللازمة.
*..ما قصدته.. هل تضع في حسبانك ضعف الإضاءة، المحدودية في تنفيذ المناظر… الخ…
لا… النص حالة تدفق، لكن هناك شيء آخر هو أني ابن المسرح الليبي الفقير، وبالتالي هناك في اللاوعي أني لن أحصل على تجهيزات تامة ولا تقنية متطورة ولا ديكورات (مناظر) فاخرة.
*..صورت لنا الرجل كاملاً… بينما صورت المرأة بفردة حذاء واحدة، عندما يُضيَّـقٌ عليها تبدأ بالبحث عن فردة حذائها وحقيبتها، إنك تصور المرأة في ظل هذه الظروف وكأنها لا تقف على أرضية كاملة.
هذا الالتقاط سليم… فهي تُطالب باستكمال أساسياتها لإتمام التعامل، بمعنى أن المرأة تـُطالب بأن تقوم بمهام المرأة العصرية بإمكانيات غير عصرية، وبعقلية غير عصرية… فمثلاً أنا زوجتي مدرسة، تعود من المدرسة وهي مطالبة بأن تعد الطعام لي وللأطفال، تغسل- تؤدي جميع الوظائف، وأنا في هذه اللعبة ليس لي دور، أجلس، أقرأ ولا يمكن أن أفكر في مساعدتها، وفي ذات الوقت أطالبها بأن تكون عصرية وتقرأ نصي وتتفاعل معه… فهل هي تملك الوقت!؟!؟
فنحن نطالب المرأة بان تكون متزنة بينما هي “تضلع بفردة حذاء واحدة” فالظرف لم يوفر لها الإمكانيات لذلك.
*..لأكثر من عامين استمر العمل في هذه المسرحية، فهل نلمس في ذلك بعضاً من (جردتوفسكي-المسرح الفقير(..
نحن نسعى، أو لعبتنا إيجاد تقنية ليبية تضاهي بقية العروض… المسرح الفقير فعلاً فنحن نشتغل في ظل أبسط الإمكانيات… ولكني أتمنى أن أستفيد من تجربة “جردتوفسكي” في مسرح الجسد.
*..الحدوثة- ماذا أردت أن تقول.
هذه المسرحية حدوثتها مضروبة… فعلاً، أساس اللعبة حدوثة مفادها لقاء أحدهم بصديقته في حديقة، لا وجود معنوي للزمن، فعندما نجلس نحن الرجل مع المرأة في حديقة تظهر فينا أكثر من صورة في نفس الجلسة.
كان الحديث متعدد الجوانب، والقضايا المطروحة أكثر، ولكنَّا أنهينا اللقاء على أمل اللقاء بالمخرج (نوري عبدالدائم) الذي أعتذر لشدة انشغاله، كيف لا… والمهم أن يلاقي العرض النجاح والتميز.
السعداء… نص يحتاج لأكثر من مشاهدة، وكنت واعدت نفسي مشادة عروض الأسبوع الأول
وإلى لقاء آخر…