د. علي عبداللطيف احميدة
في يوم وفاة صاحبي واخي المناضل والمثقف الليبي ادريس جمعة المسماري، وصلتني رسالة من صديقنا المشترك رضا بن موسي تعلمني بالخبر الأليم كنت في طريقي للجامعة. صدمني الخبر وخاصة أنني وإدريس كنا علي اتصال مستمر عن طريق الهاتف، اتصلت بزوجته الصديقة العزيزة د. ام العز الفارسي وابنته ليبيا فكانا في الطريق من القاهرة الي بنغازي ومعهما جثمان صاحبي لدفنه في بنغازي مدينته التي ولد فيها واحبها ورجع لها في نهاية المطاف.
انا لا احب الموت وخاصة موت الاحبة والاصدقاء٬ كنت في حالة ذهول وصدمة برغم معرفتي جيدا ان صاحبي الذي كان قويا٬ كان يعد العدة للرحيل بسبب الزمراض التي أورثتها له سنوات القهر.
ادريس جمعة المسماري كان ضئيل الحجم ولكن كبير في صلابته وقلبه ومبادئه، احب الثقافة وناضل من اجل الحرية وقارع الاستبداد ودفع اثمانا باهضة في سجون النظام المستبد ومعتقلاته٬ ولكنه ـ مع بقية الكتاب والمثقفين ـ الوطنيين خرج اكثر صلابة وقوة، بل ان السجن من نواحي عديدة كان مركزا للمعرفة والدروس والتفكير، لم يدخل ادريس الجامعة ولكنه تعلم ومن خلال فهمه ووعيه وتجربة سجنه الثرية تخرج من جامعة اكبر هي جامعة الحياة.
تعرفت علي ادريس من خلال الثقافة والادب٬ وبالذات الاسبوع الثقافي وصفحة افاق ثقافية التي كان يشرف عليها صديقنا المشترك احمد الفيتوري، كنا ننتمي لما يسمي في ليبيا جيل السبعينات، كلنا بدأنا بالثقافة والادب وحب المعرفة.
بعد محنة السجن التقينا في طرابلس خلال مرحلة التسعينات بعد خروجه من السجن حيث سمح لي بالاقاء محاضرة بمركز الجهاد، وجاء ادريس وأم العز لحضور المحاضرة٬ شربنا قهوة في مقهي الجرة وتحدثنا طويلا عن الوضع الثقافي والفكري بالبلاد، كنا نخطط لعدد عراجين عن مئوية الاستعمار الايطالي، ادريس كان صحفيا متمرسا من خلال تجربة صحيفة (لا) وايضا كان ادريس ناقدا نابها نشر قصائد ورواية صغيرة (حيه علي برقة) وسيرة فبراير ، وكان اهم مافي اعماله هو المتابعة الجادة للادب والهم الديمقراطي والنضال من اجل ثقافة مستقلة عن النظام الاستبدادي الذي همش المؤسسات الفكرية والثقافية المستقلة واممها في نظام تعبوي جماهيري، وبعد ان بدأت في زيارة بنغازي لرؤية الاصدقاء وهو علي رأسهم والفيام بدراسات ميدانية عن المعتقلات الفاشية الايطالية في ليبيا كنت التقي به ويدعوني الي بيته مع بعض الاصدقاء.
صديقي ادريس كان مثقفا ومناضلا كنت دائما اقول له: انك لتجري بك الحيوية و(البهجة – الهمة) الا في الشارع ومع الحركات الاحتياجاية والصدامية مع النظام، فيبتسم ويهز رأسه موافقا. صاحبي كان ليبيا وعربيا ومتفتحا علي الثقافات الاخري ومهتما دائما بالشأن الليبي ولا تعنيه الاحباطات الجهوية والمناطقية التي ظهرت بعد ثورة 17 فبراير 2011. فقد اعطي ابنته الاولي اسم (ليبيا) وهو نادرا مابين الاسماء.
كان يقول لي دائما: انه يعرف بنغازي جيدا، لان أمه كاميلا حمي، البنغازية الأصيلة تربطها وشائج القربى والنسب مع العديد من عائلاتها، وتعرف الكثير من تفاصيلها وتضاريسها وهي من زرع في أولادها وخاصة إدريس حبها. ادريس كان محبا للعمل ولذا هو نموذج للمثقف الليبي المعادي للكراسي النخبوية، كان وطنيا يساريا يجد نفسه دائما في الشارع والعمل الجماعي ولذالك فأن اهم مواقفه بجانب نضاله السياسي هو مشروعه (مجلة عراجين: اوراق في الثقافية الليبية) 2014-2016. ادريس ومعه ام العز ومعه مجموعة من المثقفين الليبين ـ كنت احدهم من المنفي الامريكي ـ قاد فريق عمل (عراجين) كرئيس للتحرير وانتج اهم مجلة وطنية ثقافية طرحت بديلا لمطبوعات النظام الاستبدادي السابق، قام ادريس بجمع المقالات وطبعها في القاهرة واعد مجلته وقام بتسريبها الي ليبيا من خلال الاصدقاء والمعارف لتتجاوز الرقيب الليبي الذي منع توزيعها، (عراجين) هي ثمرة تفكير وابداع ادريس في وقت حرج داخل ليبيا٬ بعيدا عن السذاجة والانتهازية التي غلبت علي الكثير من افكار المعارضة الليبية في الخارج، كما أنها دليل علي قدرة إدريس علي العمل الجماعي المنظم والمنفتح علي كل التيارات الفكرية والسياسية في البلاد.
كنت التقي بصاحبي إدريس في كل زيارة لتونس او مصر٬ ودعاني٬ ورتب لي٬ لالقي محاضرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وايضا في النادي الليبي بالقاهرة. سوف افتقد مكالماتنا الاسبوعية واحاديثنا الطويلة.
وداعا ياصاحبي، انت لن تموت لانك ستبقي معنا كرمز ثقافي ونضالي وديمقراطي وايضا لانك صاحبي واخي٬ وافتخر بانك كنت قولا وعملا صوتا حرا ومنفتحنا علي الاخرين في زمن الفقر الفكري٬ والانتهازية وتقطيع الكيان الوطني الليبي.
وداعا ايها الصاحب الوفي.
_______________
نشر بموقع ليبيا المستقبل