المقالة

وجهة نظر أدبية:في كل لحظة ثمة شعر جديد

في غياب التواصل الفعلي والمباشر بين الشعراء في أقطار الوطن العربي المختلفة , وفي ظل ركود حركة النشر والقيود التي تُفرض على تداول الدواوين الشعرية المطبوعة ورقيا تحدث بعض النقاد عن موت الشعر وانتهاء هيمنته على المشهد الأدبي العربي وانتفاء مهمته كديوان للعرب في مقابل صعود الرواية وتصدرها للمشهد , وكدنا أن نصدق هذه الأفتراضات لولا تفجر ثورة الأتصالات الحديثة التي أفصحت عن رواج كبير للشعر واشتغال أعداد كبيرة من الكُتاب العرب بكتابته , الأمر الذي ينسف من الأساس فكرة نخبوية الشعر , فالشعر اليوم – لا سيما على الفيس بوك – متوفر على مدار الساعة ويمكن للمهتم أن يقرأ نصوصا شعرية حتى قبل أن يجف حبرها كما يٌقال بعكس السابق الذي كان فيه مجال الأطلاع محدودا وضيقاً , فالحرية التي أتاحتها المواقع الإلكترونية المختلفة للنشر – بصرف النظر عن جودة المنشور أو رداءته فتلك قضية أُخرى – هذا القدر من حرية النشر أتاح للمتابع الأطلاع على كافة التجارب الشعرية وتتبع كل الأتجاهات السائدة , قديمها وحديثها , وأسفر عن زخم وثراء يتوه فيه المهتم إن لم يكن لديه قاعدة راسخة يستند إليها وذائقة يهتدي بها نحو الأصلح والأجدر , هذا عدا عن صعوبة أو استحالة الإحاطة بكل هذا الزخم مهما امتلك المتابع من شغف وجدية , إذ لابد من أن يفوته الكثير في الوقت الذي يطلع فيه على الكثير أيضا .

كثيرة هي الصفحات والمواقع والحسابات الشخصية التي تهتم بالشعر وتُنشأ لهذا الغرض بشكل يُفند مع كل قصيدة تُنشر وكل براح يُشرع مقولة موت الشعر أو حتى تراجعه لصالح الرواية , بل أكاد أُجزم اليوم وبعد متابعة طويلة للإنتاج الشعري العربي خلال السنوات الأخيرة أن الشعر يحتل المرتبة الأولى في الأدب العربي الحديث من ناحية إستهلاكه من قِبل المشتغلين والمهمومين به من شعراء ونقاد وقراء مع انتشار مواقع التواصل بل أن من فتوحات القصيدة اليوم أنها استقطبت إليها الكثير من القُراء الذين لم يكونوا ليحفلوا بالشعر لولا مصادفتهم له في الفضاء المفتوح وقراءتهم لشعر أصدقاءهم الحقيقيين والأفتراضيين  في فضاءات التواصل , بعكس الرواية التي تراجع الأهتمام بها لأسباب عدة كونها لا تناسب المواقع الإلكترونية لطولها أولاً ولقلة المُنتج منها ثانياً , ففي كل لحظة ثمة شعر جديد ونابض بينما يستغرق أنتاج رواية واحدة أشهُر أو سنوات , ونحن نتحدث دائماً الشعر وعن الرواية بعيداً عن مقاييس الجودة والرداءة , ولأن ثورة الأتصالات ساهمت وبشكل مباشر في انتشار الشعر وإحيائه وإعادته إلى صدارة المشهد الأدبي, نستطيع أن نؤكد أنَ الشعر اليوم يعيش أزهى عصوره وأفضل فتراته وأن لا خوف على الشعر من الأندثار والأنتهاء كما يدَّعي بعض النُقاد , زد على ذلك أن الشعر هو لغة الشعور وترجمان الأحاسيس وما دام الإنسان يحس ويشعر فلابد له أن يُعبر عن أحاسيسه ومشاعره باللغة ويوثقها أبجدياً وعبر هذا البوح والإفصاح والتعبير والتوثيق يتجلى الشعر كعاكس للمشاعر , في الفرح والحزن في الألم واللذة في الضيق والفرج وكحاذي للإنسان في حياته , يُخفف عنهُ من مشاقها ويُطرز بهجتها ويرفع عنه إصرها ويؤكد جدواها , وحاجة الإنسان للشعر كحاجته للماء وللهواء , فهل يقدر الإنسان الأستغناء عن الماء والهواء ؟ إن استطاع فإنهُ  يستطيع التخلي عن الشعر , كل هذا يجعل من مقولة موت الشعر التي افترضها البعض في وقت من الأوقات لأمرِ في نفوسهم مجرد مزحة سمجة.

 

مقالات ذات علاقة

لو لم يكن رضوان بوشويشة ما كانت طرابلس الغرب*

أحمد الفيتوري

كلاسيك (28/100)

حسن أبوقباعة المجبري

الخطوة التي لاتتماشي مع الليبيين

عزة رجب

اترك تعليق