المقالة

جائزة نوبل للروائي الليبي هشام مطر؟

الروائي.. هشام مطر عن المصدر

(1)

الرواية الليبية بخير؛ فعدد لا بأس به من الروائيين والروايات (أو الروائيات لمن أحب) تم اختيار رواياتهم للقوائم القصيرة لعدة جوائز وفاز ثلاثةٌ من الروائيين الليبيين بجوائز عالمية مهمة ؛ فرسان الرواية الليبية الذين حصلوا على جوائز هم الروائي إبراهيم الكوني الذي فاز عام 2008 بجائزة الشيخ زايد للكتاب ومؤخرًا الكاتب الليبي الشاب محمد النعاس الذي فاز بجائزة ال”بوكر العربية” ، وهناك كاتب ليبي مهم بقى في الظل بالرغم من حصوله على أكبر الجوائز العالمية الأمريكية وهي جائزة “البولتزر”  التي تعادل جائزة البوكر البريطانية وهي جائزة تمنح لأجناس أدبية وفنية مختلفة متميزة ؛ هذا الكاتب الليبي هو صديقنا هشام مطر.

وتعتبر جائزة “البولتزر” التي حصل عليها صديقنا من أهم الجوائز العالمية وهي في العادة باب مفتوح على جائزة نوبل كما حدث مع كتاب فازوا بجائزة “البولتزر” فرشحوا بعدها لنوبل ومن بين هؤلاء إرنست همينغواى ووليام فولكنر (حصل على نوبل قبل بولتزر فمنحت له البولتزر مرتين) وتوني موريسون وسول بيلو وجون شتينبك ولويز غلوك وبيرل بوك صاحبة رواية “الأم” المشهورة وغيرهم.

التقيتُ بهشام بالصدفةِ (والصدفة خير من ألف ميعاد) في إحدى المؤتمرات الأدبية المتعلقة بالرواية بمدينة “سان مالو” الفرنسية وكان يومها برفقةِ الكاتبِ المصري علاء الأسواني صاحب رواية عمارة يعقوبيان؛ وبالرغم من غيابهِ عن الوطن عقودًا من السنوات وجدت لديه روحُ الليبي الطيبة والمخلصة لوطنه فكان الحديث عن ذكريات الوطن خيرَ أحاديثنا.

(2)

ولد هشام مطر بمدينةِ نيويورك عام 1970 عندما كان والده يعمل في البعثة الليبية بالأمم المتحدة ، ثم عاد والداه وهو في الثالثة من عمره إلى طرابلس وعاش هناك حتى سن الثامنة حين هاجرت العائلة إلى القاهرة بعد توتر الوضع السياسي الليبي وقتها هربا من بطش النظام ، وفي عام 1990 فيما كان هشام يدرس في لندن قامت المخابراتُ باختطاف والده ونقله من القاهرة إلى طرابلس حيث قضى سنوات في سجن أبوسليم السيء السمعة ؛ ويبدو حسب بعض الشهادات أنه نجى من مذبحة عام 1996 حين قضي أكثر من 1200 سجينا حتفهم لكن جاب الله مطر اختفى بعدها ولم يعرف أحد من العائلة مصيره حتى الآن.

كان اختفاءُ الأبِ هاجسًا طارد هشام في أغلب كتاباته إنْ لم نقلْ كلها؛ ففي رواياته التي تكاد تشكل ثلاثية متماسكة تظل شخصيةُ الأب حاضرة. والروايات الثلاث هي “أرض الرجال” الصادرة عام 2006 و”الاختفاء” عام 2012 ثم “العودة” التي صدرت عام 2016 والتي حصلت على جائزة “البولتزر” في مجال “الرواية الذاتية”.

يقول هشام مطر عن كتابته “العودة”: “لم تكن الأمور واضحةً عندما بدأتُ في كتابةِ نصي لكن مع مرور الوقتِ أحسستُ أني أدخلُ في عالم الوعي؛ أحسستُ أني اكتشف كنزا فيه خُزنت الأحداثُ. من تلك الأحداث ما هو حميمي ومنها ما يتعلق بالفن والأدب؛ وجدت كلَّ ما يربطني بالتاريخ وبوطني وعائلتي”.

وفي لقاءٍ آخر يتحدث هشام ردًّا على سؤالٍ يتعلق بالعنوان الثانوي للكتاب “الآباء والأبناء وما بينهما”؛ ففي تلك المسافةِ التي بيننا وبين الطبيعة ثمة مساحة يتم فيها الإبداع وهي منطقة “اللا يقين” والتي تشكل منطقة الإبداع عند الكاتب.

غلاف كتاب العودة لهشام مطر

(3)

يقول مطر أن عودته إلى ليبيا عام 2012 بعد أكثر من ثلاثين عاما من الغياب جعلته ينظر إلى الماضي والمستقبل بعين مختلفة؛ لقد صار للماضي والمستقبل صور مختلفة. استغرقت كتابة “العودة” كما يقول هشام ثلاثة أعوام فبعد الانتهاء من الكتابة أحس الكاتبُ أنه يخرج فجأة من الظلماتِ إلى النور فلم يستطع أن يفتح عينيه بسهولة فيقرر الذهاب حينها إلى مدينة أخرى تشكل نقطة مهمة في حياته تلهمه رواية أخرى بعنوان “شهر في سييرا” وهي المدينة التي عاش فيها مايكل أنجلو.. المدينة التي يحبها كل من درس الهندسة والفن وهشام من بين هؤلاء؛ فهو كما الروائي التركي صاحب نوبل للآداب “أورهان باموك” درس الهندسة قبل أن يكتب الرواية فجاءت رواياته متينة البناء؛ وهذه الطريقة تبشر بأن حصول هشام مطر على نوبل لن يكون مفاجأة..

لننتظر ونرى.

(4)

تبدأ رواية “العودة” بما يمكن ترجمته على النحو التالي:

“في الصباح الباكر من إحدى أيام مارس عام 2012 كنت أنا وزوجتي ديانا وأمي جالسين في صفٍ من المقاعدَ المتراصة في صالةِ المغادرة بمطار القاهرة الدولي؛ كنا في انتظار الرحلة 835 إلى بنغازي فيما يعلن الصوتُ أن الطائرة ستقلع في موعدها المحدد. بين الحين والآخر تلقي أمي نحوي نظرةً قلقةً ويبدو القلق كذلك على نظرات ديانا التي وضعتْ يدها على ذراعي وابتسمت. قلتُ لنفسي لا بد أنْ أمشي قليلا لكنّ جسدي لم يطعني؛ ظل جامدا. لم أشعرْ قبل ذلك بمثل هذه القدرة على السكون، كانت الصالةُ فارغة تقريبًا إلاَّ من رجلٍ واحدٍ يجلس أمامنا. كان بدينًا يبدو عليه التعب؛ ربما هو في منتصف الخمسين من عمره، وكان ثمة شيء غريب في طريقةِ جلوسه حيث يضبط يديه بين ركبتيه ويميل بجذعه ناحية اليسار. هل كان مصريا أم ليبيا؟ هل كان في زيارة إلى ليبيا أم عائدا إلى الوطن بعد الثورة؟ هل كان مع القذافي أم ضده؟ أو ربما كان أحد أولئك الذين لم يحسموا أمرهم بعد.”

نعم الرواية الليبية بخير… قلقي على الشعر!!


نشرت المقالة بصحيفة “الحياة الليبية” بتاريخ 22 يونيو 2022

مقالات ذات علاقة

جدليات فكرية فلسفية – ديالكتيكاياتي (100/40)

حسن أبوقباعة المجبري

الجيشُ العربي والبسكويت*

يونس شعبان الفنادي

نحن الثلاتة

منصور أبوشناف

اترك تعليق