من أعمال الفنان محمد الشريف.
سرد

تاجر الأوهام (1)- جريمةٌ أشرف

Mohammad_Esharif (4)

أشتري منه كل يوم، أجده مستغرقاً في الحديث مع أحد الزبائن داخل سيارته الهامبورغا المعتمة المركونة تحت شجرة التوت، نسج الناس كلام كثير حولها، كانت لا تثمر، ترخي بجذوعها وفروعها ممرةً ظلاً يملأ قطر ستة أمتار، يركن سيارته تحتها تماماً، يبدأ دوامه اليومي منذ الثامنة صباحاً، يبلل التربة تحت سيارته، ينظف القمامة تحتها ثم يجلس داخلها منتظراً الزبائن، رمقنِي من نافذتها المعتمة، كان دائماً ما يسمح للقليل من الهواء بالدخول من فتحة بأعلى السيارة، ممزقاً عتمة النافذة خيط بسمك ثلاث سنتيمترات يسمح له بالنظر دون عناء إنزال النافذة، يخرج الزبون يسلمه شيك، لفت نظرِي أن الشيك كان مليئاً بالأصفار، ابتسم ثم ركب سيارة كانت مركونة بجانب الهامبورغا العتيقة مثقوبة الدواليب، سيارة اتجيب فارهة لا تراها كثيرة مركونةَ بجانب هامبورغا.

كنتُ أخرج، أرتدي بزتي الجلدية وأضع بعض العطر على كنزتي التي يتخللها بعض من النقش العربي القديم، أنظر إلى المرآة قليلاً وأضع قلماً داخل أحد الجيوب بحيث يكون واضحاً، أرتدي البرنيطة الإيطالية، أتأكد من أنني حلقت وجهي جيداً باحثاً عن أية شعرة تكون قد هربت من الموسى، أمرر يدي على مذكرة الكتابة خاصتي، أتصفح الورقات البيضاء، إن الأفكار هاهنا في رأسي ولكن لا فائدة، أمر عليه، أركب كرسي المسافر بجانبه، يكون قد أنهى كيفه الصباحي، يراني فيصيح مبتهجاً:

“أهلاً، أهلاً… اليوم يا سيدي لك عندي بضاعة مميزة، لقد سمعت أنك ربحت جائزة ويالها من جائزة، قلت لك أن الأمور تسير على ما يرام، لي فكرة جهنمية ستجعلك أشهر من نار على علم، استرخي قليلاً واستمع، أنصت جيداً، بالأمس جاءني شيخ، أعني أولئك النوع من الناس الذين تسمونهم شيوخاً، كان شاباً يافعاً شعر لحيته كان لايزال في طور النمو بحيث تكون نسبة الشعر في بعض مناطق الذقن أكثر من الأخرى، إنهم يذكرونك بالقرن التاسع عشر، أنا إنسان مثقف، أنت تعلم ذلك، لي علم قليل ببعض شخصيات ذلك القرن البعيد، كنتُ أشعر بأني أملأ مسدسي بالرصاص وأدكه دكاً كما كانوا يفعلون، بدلاً من القلوك الذي بحوزتي، المهم كان قد بدأ هذه المسيرة منذ شهرين، وحسب ما قال لي أنه لا يزال يستمني ويرجو من الله أن يهديه إلى السراط المستقيم وأن يتوقف عن هذه العادة البذيئة، يصلي مرتين أو ثلاثة في المسجد يومياً، وقد أصبح سرواله أعلى من الكعب بقليل، وجهه الأفطس يعطيك شعور بالتوهان، ركب، قلت له، يا شيخ، يا شيخ، بارك الله فيك، ما هذا النور، ما كل هذا النور الذي حط على مركبتي، يا شيخ… ألم تفكر يوماً أن تلقي بخطبة، تدرس الشباب المنبوذ من هذا المجتمع في حلقات ما قبل أو بعد الصلاة، إنني أراك مليئاً بالعلم، غزيراً بالنور والإيمان، فقط عليك التوقف عن الاستمناء، سمعتُ يوماً حديثاً عن أن من لم يستطع الباءة فليصم، وأنت تعرف أن الصوم شيء شاق، لكن رمضان مبارك، فما بالك بأن تجعل ما تبقى من أيام السنة أياماً مباركات، والله يا شيخ إنني أتحسر على حال الدين، على حال هذه الأمة، إن الكفار ينشرون السموم في العالم الإسلامي ولا من رادع ولا من وازع يوقفهم، إنني أرى ضرورة التصدي لهؤلاء أمر واجب على الجميع، وأنا عبد ضعيف، شهواتي تقتلني، ولا أستطيع أن أغمض عيني في راحة… ثم إنني حشاك يا شيخ كثير النجاسة، وعملي يتطلب مني أن أظل صاحياً لأعمل أربعة وعشرين ساعة من النهار دون توقف، ادعو لي الله يا شيخ، أنت وأمثالك من عباد الله مفتوحة أمامهم أبواب الجنة.

طبعاً يا صديقي الكاتب، هنا يبدأ دورك؛ والله إني لأرى القصة مرسومة أمامي بوضوح، إنّ أناملك سترسم الحروف رسماً من ذهب وأنت من أنت، الكاتب العظيم الذي ربح جائزة الأدب والقصص والصحف وما إلى ذلك، اعذرني فثقافتي لا تسمح لي باسترجاع المسميات والتفاصيل، كل ما أذكره الفتيات الجميلات والأكل المجاني والموسيقى التي لم أفهم منها شيئاً وأنا لازلت تلميذك، ولازلت أتعلم منك ما أتعلمه، يا رجل… حتى أنني بعد جلساتي الكثيرات معك أصبحت أحاول كتابة القصص والشعر! استمع لهذه القصة التي كتبتها. وظل يبحث عن ورقة ما خبأها في إحدى مغارات السيارة.

” لقد كنت اليوم ألبس الجاكيت القديمة خاصتي، كانت مهربدة، تذكرت أنني لم أرتديها منذ زمن، كانت أكمامها، الكم الأيمن خصوصاً ممزقاً، رائحة البنزين وبقايا رائحة تحمل ذكرى أوصلتني هنا، أتذكر أنها كانت تسمى الحبر الداكن أو شيء من هذا القبيل، لقد حصلت عليها من فتىً لم يأخذ مني الوقت طويلاً لأسحبها منه بلساني فقط، لازلت أتذكر ذلك الفتى برعونة مقتبل الشباب، بملابسه الأنيقة، أراها لي قائلاً ” هاه…هذه أتتني من باريس، اسمه الليل المظلم” جاريته في الكلام وقلت له: يا سلام! بالانجليزي هذي؟ قال لي نعم، كانت في رأسي بقايا لغة إنجليزية، كنت أعرف أن الكلمات المنحوتة في عنق الزجاجة لم تبت بأيةِ صلة للانجليزية، قلت يلا! الفتى يريدني أن أندهش، فلأندهش! ولا أعلم إلا تابتعت التمثيلية وأمليتُ عليه وابلاً من الكلام المعسول، قال لي: خذها خذها… سأشتري غيرها! تعلمت شيئاً ذلك اليوم، والآن صارت عطري الخاص، ملمس الكم كان خشناً، رأيت بقايا حروق سجائر – تساءلت، هل كان يدخن سجائراً حقيقية أم مخلوطة، نظرت إليه في عينيه…وكأنه قرأ تساؤلي في عيني- وأنت تعرف يا حاج، الواحد وقتها ما تندريش عليه شن يدخن، مرة مارلبورو، مرة كاريلا، مرة حشيش، مرة مرة فهمت كيف؟! المهم التجاكا كنت نلبس فيها ليا مدة يا خال ره، أنت عارف الحالة متنيكة وخوك نوعه يكبد الحق، التجاكا والهامبورغا من علامات الزمن الغابر، الكبيدة حرفة، كنت  لما تشد في فلوس نصرف فيهم في حاجة ثانية بدل الحوايج، تي مرة شريت كتاب من جو زبي متاعكم أنتم الشعراء والمثقفين، – سكت قليلاً وأشعل سيجارة كان بطيئا في التعامل معها، بطيئاً في إشعالها، كانت في يده منذ جلوسي على مقعد السيارة- مش قصدي بها إهانة يا رفيقي، هاهاهاهاها، على سيرتها، تذكرتلك قصة متاع واحد جو الروس اللي عايشينه ناس منكم، تي قمتها بيه للزب، قلتله تي شن يا بوتين، تي شن يا كلاشنكوف، تي والله إلا قوي أنت باهي، تي وين يا راجل بديت ادخن في رتمن، لا لا لا، هكي غلط يا رفيقي، قال لي: صحيح يا رفيق. وأنا نوعي ديما نقول فيها الكلمة ومش قاصد شي، المهم، سألته: حتى أنت تعرفها الكلمة؟! قال: نعم يا رفيق، الشيوعية لا عبيد، لا أجراء، لا أسياد، لا مسوودين، لا نخبة ولا مثقفين إلا الشعب، والشعب كلهم رفقاء. قلت: يا سلام، صحيح… وتذكرت الزنوج الذين كانوا يصطفون تحت الجسور مليئين بالأمراض والأحلام والعربية تبكي من بترهم لحروفها وتسآلت في نفسي هل أنا وموسى وإيسا والمدراء كلهم هناك رفقاء؟ يا زبي! وكنت دائماً ما أترك علبة سجائر كاريلّا لأستحقها للتخليط عندما أدخن الحشيش فأخرجتها وقدمتها له: هاك تفضل يا رفيقي، فليعيش بوتين وروسيا وكلاشنكوف وفلتسقط كل الدول العربية والأمريكية. – كان وهو يدخن قد سقطت بعض من السجائر على الورقة التي كان يقرأ منها، نظف الورقة هالعاً، أطفأ السيجارة وقال: آه الزب، القصة، نسيت زكمها تعرف، ها ها ها ها، المهم يا حبي، اسمع”……. تذكرت كل أولئك الذين أوصلوني إلى هنا، الزبائن الـ… آه، لحظة فقط، ها ها ها ها، الطيبين! – بشيء من الهزو قالها أو هذا ما فهمته- البوعا، الشيخ بلال، ميسون البتشة، الحاج سليمان والرائد عبسلام والتريس كلها” ، ها ما رأيك يا سيدي الكاتب؟ الآن يأتي دورك، ما رأيك بأن نعقد صفقة العمر بيننا؟ تعبت من الدنانير التي تجزيها عليْ، ما رأيك أن نوقع عقد اتفاق وتعاون بيننا؟ ما أحتاجه لن أخبرك به حتى موعد احتياجي له، وبما أنني أعرف ما تحتاجه، سأوفره لك منذ هذه اللحظة، هيا لا تتردد، ستصبح كاتب الكتاب وعميد ما تريده، إنها فرصة العمر لا تتكرر…سيأتي يوم وتلعن نفسك إن لم توافق. تفل في يده، طلب مني أن أتفل في يدي، وضع ورقة بين يدينا وتصافحنا، نظر إلى الورقة بزهو، كان عيناه تمتلئان بالنصر، قال إذ ذاك: حسناً..

” اكتبها من أجلي يا رجل، دعني أراها بين يدي أقرأها وأقول هاه! على الأقل فعلها أحد عملائي الطيبين في هذه البلد، أطمئنك أنها ستلاقي نجاحاً غريباً، وأنك ستأتي هنا مرة أخرى يوماً ما تطلب مني المزيد وإنّي لأخبئك لك المزيد ها ها ها ها ها…

ضحك، أشعل سيجارة أخرى، كان ضوء النيون يلف السيارة في تلك الظلمة – كنتُ لا أتيه لبضاعتي إلا ليلاً- تحت شجرة التوت حيث قططاً تموء وقصصاً تختبئ بين الجذوع، بجانب البئر، داخل هذه السيارة كان دخان الحشيش يشكل سحباً، استمسكت عيناي بجزيئات الدخان، كانت مخلوطة بضوء النيون بلونٍ أحمرٍ قانٍ تحرك داخلك شيئاً، رغبةً ربما… رغبة أو غريزة، ابتسم.

” سمعت بالبوعا؟! البوعا هذا يا سيدي كان ما تعرفاش واحد من التريس اللي كانت تقعمز في كرسيك اللي معكس عليه حضرتك، أسميه كرسي الملوك ها ها ها ها، البوعا، 27 عام… طويل، أجداده العماليق، رضع من ثدي أمه الدهر كله، إنني متأكد أنه لازال يرضع منه، كل يوم تراه أطول من الآخر….هل يمكن أن يتوقف النمو عندما تتركك آخر قطرة من حليب أمك؟ المهم، ومن غير نفخ… البوعا يا سيدي طبوه الزَّب!”

كان البوعا: 27 سنة، أحد أولئك الذين تسمع عنهم في الأساطير، سيكون من الصعب أن تتخيل أن أرضاً كهذه بكل وحشيتها، بكل الصحراء والموت والجفاء والقحط والابتلاء، أن أرض ملعونة مثلها يمكنها أن تنجب أسطورة كالبوعا، اسمه المعطى له كان أشرف لكنه أكتسب اسم البوعا من سمعة، كان يعاني من ما قد يمكن أن تسميه في المصطلحات العلمية ” الوسواس القهري”، كائن ما احتل عقله وخرّب مجموعة من الأعصاب وهو يضع عقلاً مختلفاً عن غيره، كان البوعا فالحاً ومتمكناً في كل مجال عمل يخوضه دون أدنى جهد منه، باع السلاح وهو لايزال طالباً متميزاً بكلية الطب البشري، قاتل في صفوف ” الثوار” ضد القذافي ونظامه، سماه الرجال ” البوعا” لأن ضخامته سنحت له أن يتعامل مع الأسلحة الثقيلة بتحكم تام، كان يركب الشاحنات المحملة بمضادات الطائرات يكاد السائق من سرعة السيارة يحسب نفسه ينافس في إحدى سباقات الرالي والبوعا واقفاً، شامخاً متمسكاً بالسلاح الثقيل ويرمي الأهداف التي يراها بقدرة عالية، إنّ وسواسه القهري جعله يبتدع طريقة ما للتخلص من الأفكار التي تأكل دماغه، هذه الطريقة المبتدعة كانت عبارة عن الحديث بصوت عالٍ، صريح لدرجة غريبة، لحن الصوت يشابه ذلك الذي يتبعه الذين تراهم في أزقة المدينة مشوهة الأيام نطقهم للحروف حدّ الذوبان، لحن حنجرته كان أنه يقدم قصيدةً شعبية بين حفنة من المستمعين، مئة أو يزيدون… يمكنه أن يسبك في وجهك إذا أزعجته حركة تفعلها وهو يفكر فيها.

” هكذا هو أشرف البوعا، كان رحّالة…لم يستقر في شيء أو في مكان، لم يستقر أبداً صحبة عمل، صحبة ” مواضيع” أو رفاق، جاءني مرة، كلهم يأتون مرة أو مرتين، بعضهم يستقرون ويصبحون من روتين العمل، أرتب لهم المواضيع المتكررة التي يحبون سماعها، بعضهم أحضر له طقساً خاصاً به، أنت تعرف بعض الزبائن يستحقون العناية الخاصة، خصوصاً أولئك أصحاب الجيوب الخاصة أو العقول والنفسيات الخاصة، أحياناً كما تعلم إن لم تتطور في الزبنس الخاص بك، ستفشل…خصوصاً الآن مع كثرة أولئك المنافسين في هذا المكان التعس، يوماً ما كنت الوحيد الذي يلعب في هذه الأرجاء، يأتونني البدو ورجال الصحراء وأبناء البحار وأقوام الجبل أيضاً،  كان بزنسي الخاص في منطقتي الخاصة، ترى الناس طوابيراً أيام الزهو إلى أن جاءني الشيخ بلال، سأحدثك عنه… ولكن الخلاصة البزنس يكبر وأنت المفروض تكبر معاه..

كان البوعا حالة خاصة، حالة تأتيني كل مرة بشخصية وبأفكار جديدة، كان صعباً التعامل معه، لا يدفع أحياناً، يهددني بالقتل…يضع الـ9 ملم على رأسي ويمسك بخناقي ثم يثور، يكسر زجاج السيارة أو يظل يقفز كمجنون وهو جالساً محطماً أي شيء أمامه،كان صعباً علي أن أجعل الوحش المتشكك غير الواثق والموسوس أن يصدق ما أقوله له، ذات مرة كاد يقتلني لمجرد أنه اعتقد أنني أرسم له جنة خيالية وأنت تعرف يا سيدي أنني لا أرسم للناس الوهم، ها أنت دليل أمامي، هل كذبت عليك يوماً؟ نعم تحصل أخطاء والناس خطاءون كما تعلم ولكن لا أكذب – نظر إليْ مطمئناً بأنني صدقته وبالحق فعلت- ، المهم كنت أعطيه سيجارة من الحشيش ليهدأ، في آخر مرة كان يتناول أشياء لم يمكن أن يجعله الحشيش هادئاً صحبتها، جلس في كرسي الملوك وقال ” اسمع يا حومة… مرتي قحبة، بنيكلها حياتها”، مددت له السيجارة إلا أنه رفضها، ظل يحدثني غير آبه بزوجته أو سمعتها، أسلوبه في الحديث وغضبه كانا غريبين عني، سكت، أخرج شريط من الحبوب، كان لون الحبوب أزرقاً بحجم حبة الفاصولياء، تناولها، كسرها بين أسنانه، سمعتُ صوت تكسرها، عندها تحيزت فرصتي، لم أرد إغضابه، كنت أخافه، لم أخف من غيره قبلاً ولكنه كان يخيفني دائماً، به شيء متسيب، كان مسلحاً بـ9 ملم، تذكرت السلاح اللعين الذي كان سيفجر به دماغي في إحدى المرات، ضخامته سمحت لسرواله أن ينفصل عن قميصه ليظهر المسدس، أخبرته عن خطة”.

لم تفلح إدعاءتها بكون فردتي الحذاء الجلدية هدية له، الفردتان التي وجدهما ملقيتيْن في إحدى زوايا منزله لم تفلحا برد الفكرة عن رأسها، أخبرته أنها اشترت له الحذاء، ولكن لسبب ما لم تتذكر مقاس قدميه جيداً…لم يكن الحذاء حتى كبيراً كفاية ليستريح داخله ويقول أن قدميه ربما لم يعد يناسبهما هذا الحجم، كان يمكنه أن يشعر بضيق قدره ست حبات بجانب بعضها من تلك الحبوب التي يتناولها، كان سيتخطى الفكرة التي وضعها في رأسه لو كان الضيق يتسع بمسافة خمس حبات فقط، قال لها ينظر بشك: الحذاء صغير! وحدق في تفاصيل وجهها، أخبرته وهي تربط الروب الأحمر: آه…يبدو أنني خلطت بين مقاسك ومقاس أخي.

أحس بفأر يخترق قشرة دماغه، يتحرك بقسوة من شقه الأيمن إلى الأيسر، يعض بأسنانه الملوثة ما تبقى من خلاياه ويدغدغ بشنبيْه القشرة الرخوية، هذه كانت البداية: التقم حبة من إحدى الحبوب التي تركها في سيارته أحد أصدقائه، أحس بخدر لذيذ…أعجبه ذلك الخدر والإحساس الذي لاحقه، أحس بقدرته على تحريك جبل، التقم أخرى… كان يرى صديقه يلتقم حبتيْن كلما ركب السيارة، الجميع يقولون في البدء: فك عليا الخمر. لكن ما إن تحس بأنك لست أنت، أنك شخص آخر تماماً سينال هذا العفن رضاك، دعنا من البدايات، ومن التعليل لأفعال الآخرين، لم يعجبه الحشيش…كانت الخمر تجربة سيئة، تخرج أشياء لا يجب إخراجها، لكن الحبوب…هي برغبتك، تعطيك ما تحتاجه، الشجاعة؟ سيكون عنترة كفأر أمامك، الأحلام؟ ستلمس أحلامك وتراها تتجسد أمامك كما تريد، الثقة؟ كن على ثقة، ألا تريد حقاً أن تجرب غيابك عن هذا العالم لأسبوع؟ ألا تريد أن تستيقظ في مكان لا تدري ما الذي أوصلك إليه؟ أليس شعوراً لذيذاً أن تترك عقلك يتفاعل مع الكيمياء،أن تكتشف عنصراً جديداً داخلك؟ لم يفكر هو في هذه الأشياء، كان فقط يريد أن يصحو اليوم التالي لا يعلم ما الذي فعله، كم المدة التي بقيَ فيها تحت تأثير العقار، وهذا ما كان يفعله… جرعتان ويختفي، جرعتان ويرتحل.

كان أشرف يصحو بين فخذيْ زوجته حياة، فيشتم بأنفه الجزريْ رائحة أفخاذ رجال آخرين تاركين عرقهم بين مساماتها، يسحب يده إلى كأس الماء، يتحرك نصف لفة إلى الكوميدينو يبحث عن الشريط الذي عادةً ما يتركه هناك بحيث يتمكن من الوصول إليْه بسهولة دون أن يحتاج ليزعج لحظة الصحو الأولى بتحسس الواقع، يضغط بإصبعه ويخرج حبتيْن، يرميهما في فمه…يكسر العقار بأسنانه، يشعر بلذعة ذات طعم كربوني ثم يقارع كأس الماء، ينظر إلى مؤخرة حياة، يضغط بيديه على رأسه منتظراً الخذر، يشخص في تلك المؤخرة الخائنة ثم يرمي بنفسه تحت الدش، يتخيل جسده ملتصقاً بفتاةٍ ما كان قد ضاجعها في وقتٍ سابق، يراها شاخصة أمامه تحت الدش، مدبرة وهو مقبل، يغيب في تلمس جسدها… كان الملمس الذي يعطيه عاجيْ، يتحسس بطنها السمينة قليلاً، وجهها الكوريْ، كانت تعمل معه في جذب المكبوتين والباحثين عن العاهرات، يحتالون على تعساء الحظ…يختطفونهم أو يسرقون منهم كمية جيدة من المال، تعطيه ما يريد…يعطيها ما تريد، ويربحان وبقية أفراد العصابة ما يريدون.

أشرف، أحد خريجي درجة الشرف من كلية الطب، لا يجد أية مشكلة في الدخول للامتحانات الشفوية والكتابية دون بذل أية جهود والحصول على واحدة من المراتب الأولى، عمل طبيباً لستة أشهر، كان يهوى الجراحة والعبث باللحم، رؤية الدم وخياطة اللحم، تدرب أكثر من مرة على فئران، وقطط، في صغره كان يمسك بالقطط، يذبحها، ثم يفتح بطنها ليبحث عن الأعضاء داخلها، يخرج ما بداخلها ويملأها بالحجارة ثم يعيد خياطتها، يعيد خياطة جرح الذبح.

 آخر عملياته الجراحية أجراها على جسده، جروح متفاوتة الأطوال منتشرة في جسده إثر اختراق شظايا قذيفة ما له، كان ملقىً كغيره من الجرحى لمدة عشرين يوماً في حجرة لا يعرفون عنها الكثير، مغلقة، أكياس بيضاء تلفهم، ملقىً في سرير، مدعومين بأكياس الدم والتغذية وممرض يأتي ثلاث مرات في اليوم لا يتحدث بلغة يفهمونها، محتجزون ككائنات فضائية داخل مختبر، تفاقم وسواسه القهري في تلك العشرين يوماً، كان يسب الممرض في كل مرة يدخل فيها، يصيح في وجهه، الممرض الذي يدخل بلباس مضاد للجراثيم والفيروسات يلفه كله، خرطوم بالبدلة ليتنفس منها، بالخرطوم الضئيل فلتر لتنقية الهواء، كانت بعض أجزاء جسده لازالت مفتوحة، أمسك الممرض ذات مرة، أعلنت حالة طوارئ، قال له بعربية مشيراً إلى جروحه: أعطنا أدوات جراحة يا ابن القحبة وإلا قتلتك، ثم تحدث بإنكليزية متعثرة : سيرجري…إكويبنمت! خيط بعض من جروحه، عاد إلى بلده بعد فترة علاج طالة ستة أشهر، اصطدم في أول أيام عمله بعد التخرج بعدم ارتياح بالعمل كطبيب، كانت الست أشهر التي قضاها جريحاً بالخارج مفزعة تطارده وتحرق أعصابه، عمل قليلاً بمستشفى طرابلس المركزي، أجرى عملية جراحية واحدة على أحد جرحى اشتباك، لم يستطع أن يتخيل أنه ولأول مرة ينهار أمام منظر الدم الذي يخرج من جسد المريض، كان دائماً مولعاً بالدم، ولكن الدم كان يخرج من مكان قريب عن مكان الجرح الأعظم بجسده هو، هوى ذلك اليوم، ينهار الطبيب في أولى عمليات الجراحة التي كان فيها معاوناً لرئيس الجراحة. واصل التجارة بالأسلحة، جريح في قفص صدري بجرح إنشين تحت القلب بعظم الضلع الأخير من اليسار. ظل لعشرين يوماً لا يخرج من غرفته، كان يسترجع العشرين يوماً السابقة بتفاصيلها نائماً على سريره دون أية حركة، كاد يُجَن أو ربما جُن.

ترك السلاح، ترك المستشفى، تاجر بالدولار، كان يتصارع داخله بين الرحيل أو البقاء … ستة أشهر عاشها خارج الوطن كانت مفزعة لدرجة أنه لم يستطع أن يتوصل لوسيلة للتواصل مع البشر خارج هذه الأرض، عالم غريب عنه، رغم الجنس والخمر والحفلات والرقص، رغم الحرية وحبه للارتحال، حبه للارتحال الذي جعله يخشى أن يبقى هنالك مع أناس لا يعرفهم، غريبون عنه، جعلوه ينتظر وحيداً عشرين يوماً لعملية معاملاً ككائن فضائي، يخاف أن يصاحبهم ربما، كان يتصارع في عقله بين ثقة يجب أن يمنحها ضد أفكار قد تظنها سخيفة عن أرض عاش فيها، لا يمت لها بصلة روحانية، صلته أقرب للمادية: البزنس أسهل، الطعام وكل شيء أرخص، وبما أنها تعاني من بقايا حرب أهلية تطحن الجميع داخلها، فإن إيجاد مصدر مالي سريع سهل جداً، جاءني ذات مرة، أرغمته أخيراً في تلك المرة أن يبقى، كان هذا همه في أغلب الجلسات الأخيرة، أصبحت أتضايق من وجوده، ظننته مختلف عن غيره، إلا أنه وفي لحظة ما بدا يشبه الجميع، دائماً ما كان يحدثني عن الهجرة، استمتعت قليلاً بالتكرار الذي يصيب أفكاره، واستمعت بالمواضيع التي خلقتها له، لكنني في تلك المرة كنت أكاد أن أستحقره، هاهو زبون غير اعتيادي صار اعتيادياً! قلت له : اسمع يا حومة!، عكسلك هني الزب، شن بدير بزكمهم أروب زبي، عندي ليك بزنس يقحب، دير صيدلية، وانت يا دكتور نظم أمورك فهمتا كيف؟ أقرالك شوية عالصيدلية، علي حبوب التخذير والعقاقير متاع التخذير، الخلطات والجو اهوا، وبزنسلك في الحبوب من تحت لتحت، عقلك نظيف يا حومة ره!

ليضمن إبعاد فكرة الهجرة من رأسه تزوج أشرف البوعا بحياة…كانت زميلة دراسة غبية بجمال غير اعتيادي، فنانة في فن الأنوثة كما يمكن أن يقال، لعوب وشيطانة إغواء،  أصبح البوعا صيدلانياً، يمضي في الصيدلية بعضاً من وقته، ليريح دماغه الوسواس ابتدع وسيلة ما لا يمل بها الوقوف في مكان واحد، يبقى في الصيدلية ساعتين في الصباح يدخل المعمل، يأخذ المهراس وذراعه النحاسية ويدق الحبوب، كان يعرفها تماماً، يخلط مقداراً من تلك، يزن مقداراً من تلك ويضيفه، يدق ويدق ويدق ومن ثم يأتي بمادة تصليب ويضع الخلطة في وعاء به مجموعة من الثقوب تشبه أوعية الحبوب ويصب الخليط ومن ثم يحفظه، يبقى ساعتيْن داخل المختبر، وأربعة ساعات في الليل يعمل كأي صيدلاني عادي، تحل مساعدة له محله عند غيابه، يتجول من بزنس لآخر، يبيع بعض الحبوب التي كان قد حضرها في معمل الصيدلية صحبة عصابة كان يبيع معها السلاح، عصابة تحتمي تحت اسم كتيبة ثورية ما، يتاجورن بكل شيء، بالسلاح، بالمخدرات، بأرواح الناس وأموالهم، بالآليات التي يسرقها بعض أفرادها، بالمؤن وكل ما قد تقع عليه أيديهم، جرب البوعا حبوبه الجديدة في زملاء العمل، كان دائماً ما يؤمن أنهم مجرد محظورات ضرورية، هو ذئب منفرد ولا يحب القطعان، سبب بقاء تعامله مع هذه المجموعة هو ابن عمه الزيكو الذي كان رئيسهم، عرفه بهم وجعله ” فرداً” محترماً.

كان أشرف عندما يعود لمنزله نهاية اليوم يشعر بالغربة، حياة بجسدها، بكامل ما فيها ليست إلا كائناً غريباً يفرغ داخله رغباته الجنسية، لم يكن يثق بها… لا بالطعام الذي تعده، ولا أي سلوك يخرج منها، لم يثق بأحد حقاً… شعور باطني جعله يعتقد بأنه عليه أن يبقى يقظا، حذراً وأن لا يخوض صحبة القطيع إلا إذا تقاطعت المصالح، كان يمضي داخل تجاربه اليومية، اللارتياح يراوده، القلق والكثير من الأفكار التي يمكنك أن تتخيلها كأناس يتحدثون بسرعة داخل عقلك، ورغم سرعتهم لازلت تسمع كل فرد منهم، تفهمهم جميعاً، تنصت لكل واحد، وتحاوره في ذات الوقت الذي تحاور فيه غيره، هل يمكنك أن تتخيل هذا المشهد؟ هذا ما كان يحدث داخل رأسه ”  ما الذي يحدث في الصيدلية؟! هاه، لماذا دخلت في تجارة السلاح؟ الحبوب يجب أن تباع جميعها اليوم، الفطيرة التي أكلتها من ذلك الحانوت سيئة! البتشة في العصابة، مؤخرتها حسنة، آه….تعبت من هؤلاء الحمقى حولي، ما الذي يفعله هذا السخيف بأنفه؟ لماذا أتيت هنا؟ يا ترى هل فراش النوم يحتاج لتغيير، المأبون الذي اشترى الحبوب قبل قليل بدا غنياً جداً، زوجتي عاهرة أعرف ذلك… آه سأكتشفها، سأمسكها بالجرم المشهود، ومن ثم سأطلق رصاصة شرفي في فرجها، آه كم الساعة الآن؟! متى آخر مرة تناولت فيها الحبة! دعني أتفكر، آه عندما ابتعت القهوة، عامل سيء وذو نظرات دنيئة، سأقتلع عينيه إذا بادلني مرة أخرى بهذه النظرات، لكني لم أسكت له هذه المرة أيضاً، لقد نال العين الحمراء، آه يا حسرتاه على العمر الذي ضاع في الطب، ولكن كل شيء على ما يرام، سأخلص نقوداً من كل يوم أمضيته في ظل ذاك الخراء” هكذا كان يحدثه عقله، ربما في أقل من ثانيتين تحدث كل هذه المحادثات، حاسوب بمايكروبروسيسور عالي الكفاءة ومروحة تبريد سيئة السمعة تجعله يصيح بأعلى صوته بأي شيء حتى يتخلص من أفكاره.

استيقظ من نومه، تعثرت عيناه بساعة حديدية، وجدها موضوعة داخل الكوميدينو، كان سيسحب شريط الحبوب خاصته، استرجع ذكرياته، شعور بأن جسده رغم ضخامته لا يستطيع أن يحمل دماغه، نظر إلى المؤخرة النائمة بجانبه، الضوء يخترق الستائر البيضاء، قدماه باردتان، والساعة أيضاً، آه الساعة… هل سبق له وأن اشترى ساعة مثل هذه؟ إنه لا يتذكر، أصبح يشك في قدرته العقلية منذ أن صار ” مقرمشاً” للحبوب، كان يعرف تأثير الحبوب التي يتناولها، حدق في الساعة أكثر، ظن أنه رأى مثلها في يد أحدهم، ربما هي ساعة أعجبته وجدها مستقرة في يد أحد الرهائن الذين يختطفهم، ارتداها غير آبه، خطرت بباله فكرة سيئة للحظة، كانت هذه الفكرة تخطر بباله لأول مرة ” ربما هي لأحدهم، وهذا الأحدهم قد غامر داخل مؤخرة زوجتي العزيزة”، حدق في مؤخرتها ضاحكاً، بادل النظر بين الساعة والمؤخرة، ابتسم مبعداً الفكرة عن عقله، قال ” يجب أن أقلل من تعاطي الحبوب، جيد أن تبيعها، لكن ليس جيداً أن تعتاد عليها” إلا أنها تساعده على إيقاف الكائن الذي يأكل عقله، غير آبه، غير مكترث بما يفعله تجعله، متشبثاً بأفكار وحيدة مترجمة كأفعال، هذا ما أحبه في نوع الحبوب الذي يتناوله، أنها لا تبقي على الأفكار…تتخلص منها بسرعة في شكل أفعال.

كان رفقة ابن عمه زكرياء الزيكو، شخصية استطاعت بسرعة وبذكاء وقلب ميت أن تسيطر على عشرين شخصاً وتشكل منهم عصابة، كان عبداً للجنس، كان لكل فرد بكتيبته بزنس خاص به، البوعا يتاجر بالحبوب بعد أن كان يتاجر بالسلاح، البعض يختطف السيارات والبعض يتاجر بالحشيش، أما هو، فقد ابتكر طريقة يجمع فيها أعمال أتباعه في عمل واحد، كان البزنس هو اختطاف المترفين أو أبناءهم عن طريق جذبهم بالجنس، كانت لديه شبكة جيدة من العاهرات إلا أن اثنتين كانتا محط ثقته، يصطاد أحد الزبائن المترفين لأحد أتباعه، يتتبعونه، ويجمعون معلومات عنه، يرتب الأمر مع إحدى الفتاتين بالعصابة، تجذب الفتاة الشاب المكبوت، يتعاودون، ثم يصطادونه، يبادلونه بألاف، مئات الألاف أو ملايين حتى. كان الزيكو من النوع الذي يتحدث بيديه، جالساً البوعا في سيارة الزيكو تتبعه بعينيه يتحدث عن ضحية جديدة سيرتبون خطة لاصطيادها، قال له رافعاً يديه نحو فمه ” يحب يقرمش يا بوعا”، سمع صوت إعلان تمام الساعة، نظر إلى ساعته، حدق في يدي الزيكو، كان ابن عمه من أولئك الذين احترقت بشرتهم بالشمس، خلفت ساعات كثيرة متعاقبة آثاراً للون أقل درجة من لون بشرته الحالي، خطرت بباله فكرة، قال له:

  • تعرف يا حومة والاه؟ تو ندبرله حبوب من النوعية اللي لعبت براس ولد عمك، ها ها ها ها تي من قوتها، المرا طلعت شاريتلي ساعة من شهور وأنا ما نندريش…شوفها ها.

أراها له، نظر في عيني الزيكو، ظن أنه لاحظ شيئاً ما داخل عينيه، قال له الزيكو:

  • آه…تره – أمسك بيده وتفحص الساعة-، أوه باينها حاجة مليحة؟ شن من يا حومة؟ ما تغلاش علي ولد عمك ره؟!.

نزعها من يده، أعطاها له ضاحكاً:

  • يا عندينك.

غرق في الظلمة، شعر بوخز في ضلعه السفلي، حك الجرح، اشتم رائحة طبيخ لذيذ، يبدو أن السافلة قد أعدت عشاءً لذيذاً، ليس لها أية أهمية سوى الجنس والطعام، لا حب، لا مشاعر، لا ذكاء، لسانها لا يفلح إلا في التقاء القضيب، فكر، اشتم رائحة الطعام، كان يحاول أن يميز ما تطبخه قبل أن يدخل إلى البيت، وقف أمام نافذة المطبخ وترك أنفه يعمل، رائحة خضروات طازجة، زيت يقلى، طعام ما مطبوخ بزيت الزيتون، سمك ربما… هناك رائحة سمك، كمّون حوت، اختلس نظرة، رأى مؤخرتها تمرح داخل تنورة قصيرة، في البيت يجعلها تلبس ما يحلو لها وله، بل يحرضها أحياناً أن تسير بقطعها الداخلية فقط، ولج من الباب، المكان خافت الإضاءة، أعدت طاولة طعام وشموع، آه…إنها تحاول أن تكون رومنسية، علبة هدية موضوعة على الطاولة، رفعها، تفحص حجمها، رجرجها ليسمع ما بداخلها، ناداها، ادعت أنها لم تسمعه، ولج المطبخ، كانت تمد جسدها لأعلى باحثة عن شيء ما في الدواليب العليا، قالت له وقد نظرت بإغراء ” أبحث عن الفلفل!”، غافلته أفكار ” آه اللعينة! لما أصبحت أفكر كثيراً فيها، عليها اللعنة، جعلتني أشكك فيها، ترى هل ضاجعها الزيكو؟ سأقتلها إن فعل، إن فعل الزيكو ذلك، فقد يكون كل الذين أعرفهم ودخلوا بيتي ضاجعوها، آخخ… زملاؤها في العمل، وشاب يكاد قضيبه يتآكل قد يكون قد حادثها سكسفون على رقمها، آه اللعنة… إن كانت تخونني بنت الزانية سأقتلها، تستغفل طبيعتي كمتعاطٍ للحبوب وعدم وجودي بالمنزل أغلب الوقت، آه الأكل طيب… يبدو أنها قد حضرت الطعام الذي أفضله، سآخذ منها مفاتيح السيارة، يبدو أنها تتسوق كثيراً، وما هذه الهدية التي على الطاولة، لماذا قد حضرت كل هذا، اللعنة!” قال لها مبتسماً ” فوق أكثر”… تأوهت وهي تحاول أن تمدد جسدها أكثر ” هل يمكن أن تساعدني”، آه سأساعدكِ بالطبع، أمسكها من مؤخرتها وأصعدها عالياً، قال لها ” ما شاء الله…تمارين!!”. ضحكت بصورة بذيئة، قال لها ” ما المناسبة؟!”.

  • بدون مناسبة. اشتريت لك ساعة فأحببت أن أهديها صحبة عشاء جميل.
  • ساعة، مرةً أخرى!
  • آهـ، أعرف أنك لا تحب إلا الساعات.

كان درجه مليء بالساعات، ساعات اشتراها، ساعات انتزعها من أيدي أصحابها، وساعات اشترتها له أو ربما خلفها أصحابها عندما كانت تلعب العاهرة من وراءه كعربون امتنان له. لم ينم تلك الليلة، كان كل تفكيره منصباً في حياة، لما عليه أن يتزوج عاهرة؟ أصبح يجزم بعهرها، كان طول الوقت يتفكر أحداثاً ظنها عاديةً في الأول، مرت كالبرق لحظات، يومها تخلف أحد أفراد الكتيبة متحججاً بوعكة صحية أصابته قبيْل بدء عملية ما، تذكر أنه عندما رآه لاحقاً لم يجد في مسمات جلده أي شيء يدل على وعكة صحية، ربما قد فعلها مع حياة، في يوم آخر تحجج أحد الجيران بمساعدة زوجته في إصلاح دواليب سيارتها، وجده أمام المنزل يبدل الدواليب وزوجته واقفة أمامه، ربما بدل الدواليب مقابل مصها لقضيبه، ظل طول الليل ساهراً يتفكر… يتذكر، ويتناول الحبة تلو الحبة، غاب في حلم سريع، رآها نائمة على السرير الذي نام عليه ذات مرة بالمستشفى الأجنبي، مجموعة من الرجال يتواردون عليها، يضاجعونها بكل كيفية، تضحك وتمرح، يدخل هو ثلاث مرات في اليوم، يتفحص ثديها وفرجها ثم يخرج دون أن يكلمها أو يبتسم في وجهها، كانت هي تنظر إليه مبتسمة، الرجل تلو الآخر على السرير الأزرق، يدخل هو ببدلة تحميه من الحيوانات المنوية ومن رائحة الجنس داخل جسدها، تمر رائحة الجنس من خرطوم لأنفه فيقوم الخرطوم بتنظيف الهواء منها، عشرون رجلاً توالوا عليها، كان يراهم جميعاً: الزيكو، الجار مغير الدواليب، الفتى مأكول القضيب، أفراد العصابة، الجميع.

” قلت له ببساطة، يا رجل أقتلها، قل لابن عمك الزيكو أن ينيكها، قل له يا زيكو نيكها وعلي أساس نخش عليكم ونقتلها، أنت تكون استمتعت، وأنا استريحت، ها شن رايك؟ مافيش حد حيبكي علي قحبة يا حومة، المجتمع يعرف ما يعرفش جريمة أشرف من جريمتك يا أشرف، بالعكس حيقيموها بيك ويقولوا ربي يعوضه خير من بنت الحرام، تي اقتل النم يا حبي، اقتل النم ولا تقعد مخنس منها، يودي حتى ما وافقش الزيكو اقتلها وأنا نعرف إنه حيوافق، ولد عمك كلب نيك، تلوحله ثدي تشادية يجريله… نظر في وجهي، أخرج من جيبه المال رماه على فودرة السيارة ثم خرج”.

  • ها ماذا قلت يا زيكو؟!
  • قلت عيب يا أشرف، لا أكذبك إني متوحش فوق سكس، لكن هذه مرتك!
  • مرتي قحبة يا برذر، خوذ منها حصتك قبل ما نقتلها هكي والا هكي.

تذكر الزيكو جسد المدام، كانت ممشوقة، شيء عجيب لا يُرى مثله إلا في الأفلام، شعر برغبة ماسة تخترقه، ازدرد لعابه وقال له ” ايه عادي…علاش لا!!”.

وقد حدد الموعد، تأكد أشرف أن العملية ستسير على ما يرام، كان واثقاً وعازماً على  فعلته، استيقظ صباحاً، أخبر حياة بأنه سيسافر إلى الجبل، سيعود مساء اليوم التالي، لذا ليس عليها أن تقلق حياله، قال لها ” هل تريدين مني اصطحابك إلى بيت أهلك؟ أم ستذهبين لوحدك؟” قالت معتذرة ” آه، لا يجب أن تتأخر عن عملك، سأذهب وحيدة… رافقتك السلامة”، قال في نفسه ” وسترافقكِ أنتِ أيضاً”، اتصل بزكرياء وقال له ” هاه… كل شيء على ما يرام؟!”، قال زكرياء ” آه نعم، الليلة ويفترض أن أبيت معها”.

اكفهر المكان، كان ظلاماً دامساً، لم تشعل الأضواء، كان البيت خالياً من أيةِ أضواء سوى ضوء البوابة الرئيسية، ولج المنزل…دخل مسرعاً إلى المكان، تلمس طريقه نحو غرفة نومه، وجدها بالجرم المشهود، راكبة جسد ابن عمه تتأوه من اللذة، صرخ عالياً في وجههما ” آه يا كلاب!” فزعت، غطاها الخوف، أخرج مسدسه وصوب اتجاهها، كانت تحتمي بالزيكو باكية وصارخة، كان الزيكو أيضاً ينتابه رعب ما رغم الخطة التي رسمها هو وأشرف، دعها تحتمي بك أولاً، انزلق تحت الفراش بسرعة وأنا أنادي “تخوني فيا يا قحبة!”، سمع الزيكو الكلمة، انزلق هارباً تحت الفراش، أطلق الرصاصة في رأس حياة، سقطت جثة هامدة، أطلق رصاصة أخرى في رحمها، نظر بعينين حمراوين لوجه ابن عمه المفزوع، قال له ضاحكاً” قتلتها أخيراً العاهرة!”، ضحك هو أيضاً، ” ايه وحتى أنت” وأطلق رصاصة ثالثة في رأسه، رمى المسدس وتناول حبة مخذرة، لم ينتابه إحساس، لم يضحك، لم يغضب، لم يبكي ولم يخف، ظل جالساً على السرير لا يفكر، مرت صورة والدته تلقمه ثديها، كان فتىً في الرابعة من العمر، يرضع من حليب أمه دون توقف، شعر بيد تمر على شعره، أمسكت اليد بشعره بلطف، نظر إلى وجه أمه، رآها تبتسم، كان في كل مرة يرى فيها وجه أمه تختفي نظارتها، في كل مرة تمسك اليد به أقوى، يضمر الوجه، تقوى اليد إلى أن يختفي ثديها، وجهها ويدها. رأى في المكان وجهاً آخر وثدياً آخراً، كانت حياة تناديه لأن يكمل الرضاعة، أسرع الطفل، وفي كل خطوة كان يكبر، كانت ضخامته تزيد، رأى نفسه يلتقم ثدي حياة، يد أخرى تمسك بشعره، ينظر نحو الوجه، فيرى زكرياء مرة يحدق فيه ويزاحمه، يعيد التقام الثدي بصعوبة، يد أخرى تمسك بشعره، ينظر نحو الوجه، الجار مبدل الدواليب يضحك ويدخل في معركة الرضاعة بينهم.

ألقى بالجثث في صندوق السيارة الخلفي، أشعل سيجارة.

كان الشارع فارغ من المارة، ضوء عامود واحد بين مجموعة من العواميد لازال مشتعلاً، كان ينعكس على معدن صندوق قمامة رذيل  وأكياس من النفايات تملأه وتتسع حوله، قط يموء فوق القمامة، تذكر القطط التي قطع أحشاءها وحز رقابها، كان القط قد اتخذ وضعية دفاعية، وقف جامداً أمام القط، هاهو القط النذل والنجس سيثأر لقبيلته التي مزقها، كانت دماء الضحايا تلطخ ملابسه وأيديه، ألقى نظرة في فوضى الدماء حوله قال للقط:

  • لا تخف، ليست دماء بني عمك.

 فتح الصندوق، ألقى نظرة حول المكان، ألقى الجثث العارية، فر القط مخلياً شجاعته التي أبداها، اختفت السيارة في الطريق، اقترب الحيوان الجائع من الجثتين، اشتم رائحة الدماء، كان الجوع يقرص بطنه، وليمة جاهزة للأكل، لعق بعضاً من الدماء ثم غادر المكان مسرعاً.

مقالات ذات علاقة

حـديـث الكـورنـيـش: الـليــــــل بـزبــد البـحـر

الحبيب الأمين

رواية: اليوم العالمي للكباب – 1

حسن أبوقباعة المجبري

رواية ديجالون – الحلقة 3

المختار الجدال

اترك تعليق