فرات إسبر .. شاعرة سورية
أحب أن أقرأ شعر الشاعرات. أصواتهن تأخذني في البحث عن تفسيرات صعبة ومعقدة لحياة لا أحد يدركها. تفضحها الكلمة أحيانا أو تزيدها غموضا، ولا نجد لها الا التأويل في فهم المراد منه وغايته.
في الشعر لا أحب المعاني البسيطة. أحب الركض فوق سطوح الخيال والتقاط المعاني، كالفراشات في الحقول الواسعة. تقترب مني ويخال لي أني التقطتها ولكنها ثانية تهرب، لأجد يداي فارغتان الا من رطوبة عالقة في زهرة مضمخة بالندى من قبلات الصباح. الشاعرات يتحدثن بأصواتهن، عندما يجول بخواطرهن من مشاعر وأحاسيس، البوح بها صعب، وبالمقابل هذا البوح يفجر طاقات خالقة في تنقية الروح وتصفيتها، كما أن تأثيرها الروحي ينعكس على الجسد. وحدها خلود الفلاح تحمل الاجابة . نحن أصحاب التأويل في الدخول إلى عالمها الواسع. مهما كانت اللغة حرة لن تستطيع اصطياد المعنى كله. المعنى خجول في التصريح عن نفسه أحيانا،ولكنه شفاف ورقيق كنسمة نشعر بها ولا نراها.
تعرفت إلى خلود عبر الفضاء. شاعرة واعلامية لها صوت واسع في المشهد الثقافي الليبي والعربي، تحاور وتناقش الشعراء والكتاب. لها حضور واسع. وخلود الشاعرة، لها لغتها الشعرية الخاصة، في التقاط الصورة كعدسة بسيطة ومعبرة.شغوفة بالحياة اليومية وبهجاتها المارقة كأنها تعرف أو على يقين، أن البهجات تمضي سريعا و لا تقف. ولعل مروقها غادر أحيانا، إذ لا تقرع الباب، وإنما تمر كالشبح تاركة ورائها جراح البهجة. بعض الشاعرات يكتبن عن تجربة الحب والرجل. وبعضهن يكتب عن الزمن، الزمن كجسد، والزمن كأيام، تمر، وبكلا الحالتين فعله واحد. وإنما خلود كتبت عن نفسها في نصوصها وحاولت أن تكتب الخلود لنفسها بالشعر. خلود الفلاح تصطاد قصائدها كالفراشات من حدائق الحياة، الحياة العامرة بالحياة. تصطاد قصائدها من جماد الكراسي وما تحمله من معاني فى علاقة البشر بالجماد – المكان الأصل – الذي يتفجر عن صداقات وجراحات وبشر كانوا هنا ومن بعدها لا شيء سوى التذكارات.
نصوص قصيرة زاخرة بالحركة والحيوية. نعيشها كل يوم وتمر كل يوم بصمت. بصمت الحزن أو صمت الفرح. هكذا يُسجل في ذاكرة القلب ويترك بصماته على جدران المشاعر.
هكذا كل شيء هادئ، كما خلود الفلاح التي تكتب بهدوء، ولكن عن حياة لها أفقها الخاص. ومعناها الخاص. هكذا خلقنا لنترك بصماتنا على جسد الأرض. وها هي خلود تترك بصماتها على جسد الصحراء. صحراء ليبيا الفاتنة، حيث يتألق الشعر تحت ظلال شمسها الحارقة.