عنوان ذكي جداً لكاتبة ليبية متمكنة من الصنعة الروائية، وحاذقة حد البهجة، نحن بالضبط، أشبه ما نكون، بأننا امام سيدة من بني وليد، وقد أمسكت خيوطها، وجمعتها معاً برقة، فوق مسدتها، لتصنع أمامنا وفي لمح البصر، أجمل سجاد يمكنه أن يطير بمن يجلس عليه، شرط ان يقرأ خيوطه بمعرفة ومحبة.
أرسلت لي عائشة روايتها الجميلة صندوق الرمل قبل الطباعة، وأشارت أنني أول من سيفتح فيها عينيه، الحقيقة أن عائشة كانت محقة في فعل ذلك لسبب واحد فقط، وهو ثقتها في ملاحظاتي لأنها ظنت أنني سأكون عارفا بتفاصيل كان لي حظ معرفتها في بلادها الأم إيطاليا التي لم تزرها عائشة، وإنما فعلت ذلك بالحدس وحده وبقوة اطلاعها واكتناز عقلها بالمعرفة، لكنها لم تصبر على ملاحظاتي للأسف، ومع ذلك، رواية عائشة كانت رائعة جداً بملاحظاتي أو بدونها، كنت نوهت على التفاصيل الصغيرة التي تمر بذهن القارئ (المساند) Lettore asisstante فيتوقف عندها، لأنها في رأيي، ستشعل فضوله بالمعرفة حين يجدها وقد رآها في الرواية كما رآها على حالها في واقعها، شكل الشوارع، رائحة البرد، عطر الناس، أشكال الفقر، أشكال الحزن، ماذا يعشق الطليان، رأي الشارع في استعمار ايطاليا لليبيا، وحين يعشق إيطالي ليبية، ماذا يفعل، وكيف يتصرف، ثم وهذا الأهم، التفاصيل الصغيرة الخطيرة جداً، والتي ستمر على ذهن القارئ العادي، لكنها لن تمر بذهن القارئ الآخر، طعم الباستا الحار، طعم البارميجانو، طعم البيتسا وشكلها، المطبخ الإيطالي في الحرب الخ، حين تقول الروائية أن البيتسا كانت منتفخة وشهية، مثلاً، البيتسا ذات السمك الغليظ، تنم عن بيتسا سيئة الصنع، ونحن في نابولي أو أي مدينة إيطالية، سيحتار المستشرق الإيطالي في نقل عائشة للقارئ الطلياني، وسيتضايق هل سينقلها بصدق ام سيخونها بحقيقة أخرى. ثمة تفاصيل علينا ككتاب ان نصبر حين نصنعها، وأن نطبخها على جمر زيتون. لكن الكاتبة وبكل براعة التزمت بأشياء أخرى كثيرة أكثر دقة وهي الوثائق التاريخية والأحداث الدراماتيكية التي دونها الجنود الطليان أنفسهم، لتكون مصادر تاريخية رافدة لرواية تاريخية خلابة بكل تأكيد.
تجدر الإشارة إلى أن عائشة ابراهيم، حتى هذه الساعة، إذا ما استثنيت اثنين من الروائيين الذكور، فإنها الأكثر لذة، في النص الروائي الليبي بأسره (ممن قرأت).