المقالة

إننا حقاً سعداء

كانوا أبناءً لنفس الأم والأب، اختلفوا فيما بينهم وتفرقوا شيعاً وأحزاباً، آنذاك سارع الأب والأم لاتخاذ قرار عائلي جدير بالتفكير فيه، وقفُ لتطور الاختلاف إلى حرب، بسببها سنكون نحن اليوم ذرية أولئك الذين لا نختلف عنهم إلا في توقيت الإجرام.

إن تقسيم الأرض إلى مقاطعات خاصة بذوي كل اتجاه من ذريتهم، لأهون عليهما من انتظار أولادهما موتهما لفعل ذلك بالحروب، يتطلب الوعي بالمشكلة عدم تأجيل مواجهتها والانشغال باستيلاد المزيد، فترك الجنة بسبب البطنجة لا يبرر لعضو أخر نقل الكارثة لكوكب الأرض.

وفق ذلك بات لمن يرفعون سراويلهم للركب مقاطعة تخصهم، وللذين لا يرفعون نفس الحق، ولأصحاب الفيل، وأصحاب  أشياء أخرى إلا الفيل، للذين تتحكم الثياب في صناعة معتقداتهم وأحكامهم والذين على عكسهم، للذين يهتمون بالجزء العلوي من الانسان والذين يهتمون بالجزء السفلي وما يترتب عنه، للذين تنطلق حيواتهم من اللامرئي والذين تكون المجسدات أساسا لحيواتهم، وقس على ذلك  من الاختيارات الايدولوجية، حتى  انهما اجمعا على تأسيس دويلة للفاشلين من ابنائهما وعشاق التفاهه والبلطجة ( تقييداً لتمدد وتكاثر التلوث من وجهة نظر سوسيولوجية)

 عندما نجح الأب والأم في تصنيف ذريتهم حسب الأفكار والاتجاهات، سمحوا لهم أن يتمددوا بعيداً عن نقيضهم ، أي أن السور المعنوي الفاصل مابين ذوي القبعة وذوي الشعر العاري لا يمكن أن يهبط ولا يمكن لأحد صعوده وعلى الفريقين أن يتوسعا كل في حدوده، منعاً للصراع واحتراماً لخيارات بعضهما البعض. كما يحق لأي مخلوق ينبت في أي مقاطعه لها فكر خاص أن ينتقل بحرية وسلاسة إلى المقاطعة التي تشبهه ليصبح من مواطنيها( منعاً لتجارة البشر والهجرة غير الشرعية والنفي و الاقتتال)  ويحق قيام اتفاقيات بين أي مقاطعتين أو أكثر تجمعهما نفس الأفكار لتنظيم حرية العمل والتنقل والإقامة لاتباعهم، ويحق للمقاطعات التي لا ترى إنها تتشابه أو تتلاقي مع غيرها في أي رؤى أو أفكار أن تظل بمعزل عمن تختلف معهم ولا تقم معهم علاقات ( لا عداوة ولا صداقة) و لا يحق لذوي مقاطعة يؤيدون شعارات معينة أن يناصبوا غيرهم العداء بكل وسائل العداء المرئية والمسموعة والمتحركة لمجرد أنهم على النقيض منهم، كما يحق مثلاًً لأخوين من نفس العائلة احدهما يحب اللفت والآخر يكرهه أن يبحثا عن المقاطعات الأقرب إلى تكوينهما للعيش والتكيف، دون أن يكون في ذلك مساس بكرامة مقاطعة ( الكرناف) التي يودان قطع علاقتهما بها لعدم وجود قواسم ( لفتيه) مشتركة مع أهلها.

وعلى الذين يؤيدون نمط حياة معين، أن يتنادوا مع سواهم في المقاطعات الأخرى لتكوين مقاطعه خاصة بهم، جميع سكانها من نسل  مختلف وطرح متشابه، دون شتم وسب من يخالفونهم، منعاً لحدوث مزيد من المشاكل والصراعات والانشقاقات، فكوكب الأرض ليس بحاجة للحروب إنما بحاجة للتوافق.

بهذا رأى الأب والأم أن كل أبنائهم وما يترتب عنهم من أحفاد، سوف يتمتعون في المقاطعات اللائي يختارونها، بالسلم الشخصي والأهلي،  حيث لا يوجد مختلف بينهم يمثل بؤرة للتجاذبات والصراعات، وبذا يتأسس الوطن على مفهوم جديد أساسه تشابه معتقدات الأفراد والمواطنة وليس الدم أو تقسيم بلفور أو تركيا العثمانية أو الغرب العلماني أو توسعات طالبان، داعش، بوكو حرام. المغول الجدد..إلخ

لا داعي بعد الأن لجمهورية واحدة فاضلة تحشر جميع الطبائع في طبائعها، يمكن إقامة الجمهوريات حسب فضائل وخصائص البشر وليس العكس، حيث المرء مع أشباهه يعيشون وفقا للنمط الذي ارتضوه، يقيمون حكمهم على أنفسهم وأتباعهم الذين يشبهونهم، فالمقاطعات الشهيرة بالتشدد الديني ( وفق أي دين) تمارس تشددها على نفسها وبالتالي لا يوجد من يشتكي منها، والمقاطعات العلمانية تعيش علمانيتها دون اصطدام مع غيرها أو حشر نفسها في أوساط دينية والمناداة بالعلمنة ونسف المخالفين.

عليه يمكننا تكوين أوطان جديدة للإخوة من نفس الأم والأب مع أناس آخرين يربطهم التشابه الفكري والاختيارات وليس التقاتل لفرض الرأي أو الرأي المعاكس في الدولة ذاتها وبشكلها الحالي.

 إذا ما كنتم من أتباع النقطة (أ) وأنتم مناقضون لأتباع النقطة (ب) يمكنكم أن  تعيشوا في مملكتكم الخاصة وهم في مملكتهم دون تجاوز للسور العظيم بينكما،  وسلامات ياجاري أنت في دارك وأنا في داري.

فلا تشتكي زكية من أنصار تطبيق الشريعة ولا يمارس أنصار الشريعة فرض رأيهم على زكية، فتصفهم زكية بالدكتاتورية الدينية وهي صادقة ويصفونها بعدم أتباع النمط الديني وهم صادقون، إن أحداً لا يجب أن يتحمل نتائج صدق الآخر مع نفسه، فالكل يمارس اختياراته داخل الحدود المخصصة له ويعيش نتائجها،. زكيه من حقها العيش كإنسانه لا تلتزم بفكر أنصار الشريعة من أي دين، و لا يحق لأحد إجبارها علي اتباعه بما انه لم يمنحها نعمة الحياة أساساً، كما يحق لأنصار تطبيق الشريعة من أي دين أن يطبقوا شريعتهم على أنفسهم ولا يجوز منعهم فقط للاختلاف معهم، فهم في مقاطعتهم الخاصة بهم أحرار، يجلدون يقتلون يصلبون يستعبدون بعضهم ، ما كان ذلك على الموافقين لهم ولنهجهم في حدود مقاطعتهم فقط.

جدير بالانتباه أن من يتبع النمط الليبي في اجتياز الجدارن مهما كانت مرتفعة ومحصنة ويتلصص على الآخرين بفضول ووقاحة (عيت بو طاقية يعايروا في عيت بوقطاية)  يربط  أسبوع  إلى جدار ويسمع بصوته شتيمته التي قالها دون توقف. ويؤكل من نفس الطعام الذي يكرهه حد البشم دون تغيير النوع والكمية ، ثم ينفذ عقوبة  تنظيف حمامات الجيران الذين تجسس عليهم لمدة أسبوع، وتزيد المدة إذا تخاذل أو تحايل في الأكل او التنظيف، ترقى العقوبة الى اعمال اخرى كالزراعة وتوليد الطاقة، أما القتل فهو حرام، لأنه عمل ملائكة اسمها عزرائيل وليس عملاً بشرياً، الفرنيلو الليبي أيضا ممنوع كسلاح حراري فعال في تغيير القناعات وجعل الجمعه خميس، العقوبة فقط بالطعام  تماهياً مع إستراتيجية الله الأولى مع الخطاءين، لم يقتلهما بل نقلهما إلى مكان يشبعان فيه من كل شيء.

وإلى جانب الطعام والنظافة وجمع القمامة والزراعة، تشمل عقوبة المتجاوز الاستماع إلى القنوات الليبية الحالية، ومحاضرات المجتمع الجماهيري سابقاً، وفي حال تخفيفها  لحسن سيرة وسلوك المعني، تستبدل القنوات والمحاضرات بصراخ أطفال صغار، فيما المعاقب يركب دراجة لتوليد الطاقة الكهربائية ثمان ساعات في اليوم ، لصالح سكان المقاطعة الذين اعتدى عليهم بالقول أو بالعمل.

القتل ممنوع لأنه ليس حلاً ، جربه جدنا مع شقيقة ولم تنتظم الحياة، وكذلك انتظار نزول عيسى المسيح  لإنهاء العنف وإرساء السلام العالمي، هو إيمان وليس حلاً،  سيما لمن لا يؤمنون بالنزول أساساً، الوقت يمضي ونحن نضيعه في التناحر والظلم ولا نعيش،  والمسيح لا ينزل ولا يعرف المؤمنون بنزوله أي نوع من الدمار لازال ينقص الأرض لكي ينزل، والإنسان يُفني الكائنات  ويعتمد على المسيح في إسدال الستار على جرائمه.

هل تستحق الأرض الواسعة أن نزدحم فيها في نفس المكان ونتقاتل، فيما يمكننا تقسيم الكوكب إلى دول تشبه الأشخاص وأفكارهم لكي نعيش!

كانت الزوجة تكلم زوجها المنهمك بالنظر لخارطة أمامه، بحثاً عن موقع مقاطعة أولاده الذين يستخدمون اتصالات ما تحت الجلد، وأي الطرق سيسلك إليهم، هل عليه المرور بالمطارات ( المحروقة وأختها) طرابلس، بنينا، الأبرق؟ أو المقاطعة التي يصور أهلها موتاهم ويشعرون بالفخر حين ينشرون صورهم  على مواقع التواصل؟

إنه يتجنب  المرور بكل ذلك العبث، مقاطعة ( سيلفي مع ميت)  و مقاطعة ( فقر الدنيا) و لا يرغب حتى الترانزيت في مقاطعة (  افرح بيا) كي يصل حزيناً لوجهته.

لقد اشتاق لأولاده  كثيراً، منذ أخر مرة زارهم بها وكانوا يستعملون نظرة العين المجردة  لترتيب البيوت وتنظيف الشوارع، مؤكد أنهم تقدموا الآن في تحقيق ما وجدهم يخططون له من قبل، وهو الخروج من جهاز الاتصال واحتضان أحبابهم والجلوس معهم و مشاركتهم عصيدة الميلود وكسكسو الفتاشة.

ستكون  الزيارة الأخيرة لهم بالنمط القديم للسفر.

إنه لإنسان سعيد، وفر لهم مناخاً ايجابياً للعيش، وقضى على الهجرات التي أسس لها مفهوم الوطن الضيق، فحال تضاد المفهومين مع بعضيهما، من أن تتحقق كلمات الله الحاثة على السير في الأرض الذلول.

وإنها  لإنسانة سعيدة، قضت بسعادة كل الأنفس التي تسببت في مجيئها للحياة، لم يعد هناك داع  للهرب من الوطن أو الاضطرار لاحتمال مهانة العيش فيه مع من يجعلونه جحيماً، فقد جعلت سبل الضرب في مناكب الأرض والأكل من رزق الله، واقعاً متاحاً وليس قولاً وترتيلا.

إننا بفضلهم، نحن وجماجمنا سعداء!

____________

نشر بموقع هنا صوتك

مقالات ذات علاقة

بين المدنية والتدين 3/3

علي الخليفي

قصة قصيرة ولوحة سريالية!

أحمد الفيتوري

“المسرحية” في (شط الحرية)

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق