“الإنسان لا يفهم من الحقيقة إلا ذلك الوجه الذي يلائم عقده النفسية، وقيمه الاجتماعية، ومصالحه الاقتصادية أما الوجوه الأخرى من الحقيقة؛ فهو يهملها باعتبار أنها مكذوبة، أو من بنات أفكار الزنادقة.” علي الوردي
تغيب تفاصيل نقول إنها عادية بينما تؤسس تكويننا.. لهذا علينا البحث عنها..عندما يثير بعض الناس والأساتذة في أمريكا قضية يسمونها التلوث الضوئي ما يفوّت على الصغار فرصة تأمل النجوم من غرف نومهم.. وهذا النوع من التلوث يؤدي إلى قصور التخيل بسبب ضعف الارتباط بالطبيعة.. مشددين على المصممين إيجاد طريقة ما يخترعون بها إضاءة لا تحرمهم من رؤية صفحة السماء بنجومها وصغار لن يضطروا للخروج بهم إلى حواشي المدن ليفعلوا..
ذلك أن انعكاسات الضوء تغيّب تفاصيل السماء عن نظر الصغار فتغيب القدرة على التحليق البصري مؤهلهم لسعة الأفق والإحساس بالشساعة، ومع أنه ليس لدينا مشكلة زحام من ناطحات سحاب وإضاءة تغيّب نجوم سمائنا غير أنه ثمة ما يربط عيني صغير للأرض مسلطا بصره تحت عوضا عن مده لأعلى..!! ليس هناك ما يسمى بحصص تأمل واندماج مع الطبيعة، أقصد في السلوك الاجتماعي والتعليمي ما همّش بوضوح حصص الرسم والموسيقى.. مجالي اتساع الأفق وبالتالي الخيال و(مادامه تحت المجموع رسوب في الرسم يعني مش رسوب) كما أن وضعه فوق المجموع يرفع ضغط الأولياء ولا يرفع من شأنه، في بيئة كهذه يمكن فهم خلفية يتكيء عليها صغير لا يعرف معنى التأمل.. وفي مناخ التلقين.. والحفظ.. يعني التسليم وتوقف الاستفهام الذي يهيء له الخيال.. فإسقاط مادة الرسم على هامش المنهج يعني إسقاط مهمة التخيل.. والقدرة على التخيل والرغبة في التخيل، في حين صاغ الخيال العالم وصنعه كما نراه.. وهناك من يعملون على رسمه بشكل آخر في القادم من المستقبل الذي ندخله دونما مشاركة فيه، وهكذا نهيء الصغار ليكونونا..
ولست أفهم كيف ينقطع الارتباط مع اللون ومع الإحساس به.. بل ومع تحديده على وجه الدقة.. ففي حصة رسم.. تقول لي شقيقتي وهي معلمة رسم قبل سنوات: يحدث أن لا يعرف الصغار رسم الدائرة أو لا يفرقوا بين المربع والمستطيل وأن لا يميزوا بين البرتقالي والأحمر، يحدث أن لا يمنحوا جزءاً من ذاكرتهم شكل الأشياء التي يستعملونها ويقابلونها ويعيشون في وسطها.