أحمد الشيباتي
(أحد مكامن الخلل في المشكلة الليبية هو أن ليبيا مجتمع مجهول!)
سألني أحدهم ماذا يمكن أن تقدموا لليبيا من خلال كتاباتكم؟ وهو في الحقيقة سؤال متكرر وطبيعي وهو من ضمن ما يتوارد لخواطرنا دائماً كإستفهام تلقائي يصطحب أي فكرة كانت، ولكن الرأي العلمي هو أن هذه الكتابات جميعها وبلغة القياس المجتمعي من الناحية المعيارية لاتزال قليلة ولأسباب قد لا يتسع المقام لحصرها إلا أن حالة التقاعس من قبل الأفراد وإعطاء القراءة حقها من الوقت وهي أيضا لها أسبابها الكثيرة تعتبر سبباً جوهرياً والتي وإن زالت قد نتمكن من التواصل عن طريق التوافق في الرؤى والمشاريع التي ستسهم يوماً في بناء ليبيا…
ولأن الفرد في المجتمع له أولوياته فقد أصبحت القراءة والتلاقح الفكري عموماً في آخر إهتمامات المواطن الذي كان ولايزال يبحث عن ذاته كشخص مبدع مساهم مثله مثل غيره في الحراك المجتمعي…
ولأن المجتمع الليبي يعتبر مجهولاً بالنسبة لمراكز الدراسات والأبحاث عموماً والتي يمكنها تقديم الحلول النسبية لبعض القضايا الإنسانية – هذا بعيداً عن نظرية المؤامرة – فالعالم وجد صعوبة في تقديم الحلول لعديد القضايا وإن شابها شائب إلا أنها وفي المجمل وكمبادرات حقيقية تبتغي إنهاء المشكل الليبي فقد سلكت طرقاً عديدة ومختلفة وكانت تفتقر للواقعية في بعض الأحيان حتى أنها دخلت حيز الشك المجتمعي ووصلت إلى حد الإتهام…
ولكن ما يهمنا هو تسليط الضوء على ذاكرة المجتمع ومن ضمنها الدراسات التي أجريت عن الإنسان الليبي كمواطن مسلم معتدل ووسطي بطبيعته المعهودة ولما لهذه الدراسات من أهمية قصوى لدى القيادات الوطنية والتي حاولت ولاتزال تحاول إلتماس الحل للمعضلة الليبية فأعتقد بأن غياب هذه الدراسات شكل عائقاً أمام إنتهاج الطريق الصحيح والحقيقي للمعالجة بأشكالها المختلفة…
وبعد أن تكررت هذه المحاولات والتي كانت بعيدة عن ملامسة الواقع أصبحت غير ذات جدوى ولا طائل من ورائها، ومن ناحية ثانية فإن الشخصيات الليبية التي تبنت هذه المبادرات محاولة الإسهام بشكل أو بآخر في تقريب وجهات النظر كانت أيضاً ومن خلال الأدوات الإعلامية المتربصة شخصيات مشبوهة وإن إختلف البعض مع البعض الآخر على هذه الشبهة أو تلك إلا أن الوقوع في خانة الإشتباه من الناحية الحسابية يعتبر أولى مراحل الفشل في كل هذه المحاولات…
ولأن الشك أصبح ديدن الذهنية الليبية فيما يتعلق بعملية الإصلاح ووجب علينا فك الإرتباط بين الشك الملازم للمتلقي نفسه وتحرير المبادرات ما أمكن بتقديم شخصيات وطنية يتم إختيارها بعناية تامة كأن تكون من الناحية المجتمعية “توافقية” ومن النخب المعتدلة دون أي محاولة لجعل النفس الثوري الفبرايري شرطاً أساسياً في هذه الشخوص لأن الرفض النسبي سيكون حليفها بلا شك فكم من شخصية وطنية إبتعدت عن العمل الوطني الذي قد يخرج ليبيا من أزمتها لا لشيء إلا لحرصه الشديد على عدم الدخول في دائرة الإتهام المباشر على أنه من أنصار النظام السابق أو ما شابه فالطبيعي أن لا يكون هذا الخطاب حاضراً اليوم وعلى الثوار الذين تصدروا ثورة السابع عشر من فبراير أن ينتجوا هم أنفسهم مشروعاً وطنياً على قاعدة الثقة المتبادلة ويكون ذلك بإستحضار الرأي العام وإشراكه عن طريق الإعلام كي يكون هذا المشروع والذي يتخذ التنازل قليلاً والثقة المتبادلة شعارات له من أجل ليبيا ووحدتها وسيكون تلقائياً قابلاً للنجاح فشماعة النظام السابق على ما أعتقد سقطت بتستر البعض وراء مظلات مختلفة حيث أنها أفسحت لهم المجال وأظهرتهم أبطالاً وتمكنوا من تجاوز العزل التلقائي الذي أفشل حال الوطن وزاد من المعاناة…
والخوض في ذلك يحتاج إلى وقت ولكن وما يهمنا هو الإجابة بعد هذا العرض على السؤال الأول والذي إستفتحت به مقالي هذا وهو لما الكتابة؟ أقول بأن للكتابة أبعاد، وكذلك أسبابها عديدة ومتنوعة، ولكنني أرى بأنها تسلط الضوء على المشاكل أحياناً وتضع لها الحلول أحياناً أخرى…
ولأن هذه الحلول اليوم غير ممكنة من الناحية العملية إلا أنها قد تخلق وضعاً توثيقياً لما جرى ويجري في الوطن وقد تكون حاضرة جلها أو كلها يوما ما – من يدري قد يكون قريباً – أمام من يملك أدوات بناء الدولة ولأن الحلول يجب أن تكون جذرية علينا طرحها بشكل عميق مثل أن ندرس الخلل من بدايته وهذه الكتابات بأنواعها قد تكون بمثابة النافذة الأرشيفية الجاهزة لدراسة قضية بعينها حتى يحدث لدى المعالج حالة إلمامية عندها سيطرح الحل الأفضل والأنسب كما أن الإقتراب من الواقع عن طريق القراءة المتعنية له من خلال تلك الكتابات والدراسات هو أمرٌ واجب لإستكمال المحاولة والتي قد تصل بالوطن يوما إلى بر الأمان… والله المستعان.
___________
نشر بموقع ليبيا المستقبل