من أعمال التشكيلية الليبية .. خلود الزوي
قصة

امرأة الحكاية…

من أعمال التشكيلية الليبية .. خلود الزوي
من أعمال التشكيلية الليبية .. خلود الزوي

( ا )

… تقول الأسطورة عندنا: (في السماء غِربال ضخم.. حوافُّه العليا تختفي خلف سواد الغَيم.. وعندما يغصُّ بالسُحُب.. وتتلقلق بين حوافِّه المياه.. يهتزّ.. يرقص.. فتهبط الشآبيب.. رَشَّةً رَشَّة.. صافية.. نقيَّة).

( ل )

… ذيول الضباب تتلاشى صاعدة.. فتشفُّ عن غابةٍ مقرورة.. وصخورٍ لامعة.. تقطر حوافُّها.. وطُرقٍ جبلية متعرِّجة عبَّدتْها أقدامُنا.. وفوق الضباب سُحبٌ سوداء.. بِيض الحوافّ.. تُعانِد الريح.

( ن )

… في الصباح الباكر نصعد الجبل المُعمَّم بالغيوم.. حُزمة من الأطفال تحملنا الدهشة.. نتسابق لرصد الغربال لحظة اهتزازه.. مع اقترابنا من رأس الجبل بدت السُحُب تحتنا.. أغشية رقيقة فوق تعرُّجات الأودية.

( س )

… على رأس الصخرة في قمّة الجبل فوجئنا بامرأةٍ تجلس.. رداء بلون السماء.. شال بلون الغيم.. ووجهٌ استعار إشراقه من الماء والليالي المُقمرة.. حين أبصرتْنا ابتسمت.. مدَّت يدها إلى طَرَف المزنة.. سحبت خيطاً.. وشرعت تنسج.

( ا )

… في وقوفنا الذاهل.. جاء صوتها الدافئ:
ـ اقتربوا.. أنا الناسجة.. نسّاجة الغيم التي تعرفونها في حكاياتكم.. ألم يُخبروكم بأنني موجودة بالفعل.. الحَكايا ليست مجرَّد حَكايا.. إذا كان العالم هو كل ما تلمسونه وتُحسُّونه فقط.. فما أضيق هذا العالم.. كنتُ أعلم أنكم ستأتون لرؤية الغربال.. اقتربوا.. خذوا هذه المعاطف.. معاطف بيضاء في نصاعة الحليب.. وأخرى سوداء مُبطَّنة بالأبيض.. هناك قمصان أيضاً.. ليس المُراد من السحابةِ الأمطارُ.. أنا أختصر الأمر.. أنسج لكم من المُزْن مباشرة.. عندما تعودون إلى قريتكم.. ستجدون أنَّ معاطفكم وقمصانكم قد اعشوشبت.. اخبروا أمهاتكم وأخواتكم أنَّ مَن تأتيني ساعة الغروب فستحصل على رداء بلون الشفَق.

( ج )

… في اليوم التالي كنّا جميعاً نلتفُّ حول الناسجة.. حتى العجائز اللاهثات استطعن ارتقاء السفح الوعر.. يتأمَّلن بدهشةٍ الشالات التي ينبت عليها العُشْب.

( ة )

… في لحظة انهماكنا.. اكتشفْنا فجأةً أننا مُسيَّجون بالعساكر المُدجَّجين.. بنادقهم مُصوَّبة نحو النسّاجة.. وفي لحظة فاصلة.. بَرْزَخيّة.. لحظة اشتعال شهوة البنادق.. يلفُّنا الغيم الأسود.. وما إن ينقشع حتى تبدو الصخرة اللامعة.. وقد غادرتْها امرأةُ الحِكاية.. كنّا مُبتهجين بالمعاطف.. والقمصان.. والعُشْب النامي على أكتافنا.. هذه هي المرَّة الأولى التي نُحسُّ فيها بعجز العساكر.. رفعنا وجوهنا إلى السماء.. حيث اختفت امرأة الحِكاية.. لازلنا حتى الآن نسمع حفيف ردائها في ثنايا الغيم السابح.

***

(2001)

مقالات ذات علاقة

فرج

حسن أبوقباعة المجبري

سقف أزرق

هدى القرقني

شبح على النافذة

سعاد الورفلي

تعليق واحد

مثقف ليبي 1 يونيو, 2015 at 06:52

رغم بساطة القصص .. لكنها عميقة

رد

اترك تعليق