هذا المقـال عبارة عـن ترجمة لمقـال منشــور في منتـدى الشـرق الاوسط، عنوانه: لماذا خسر العرب الحروب (http://www.meforum.org/441/why-arabs-lose-wars)، والذي شجعني على ترجمته هو ان اسباب الفشل العسكري كما وردت في هذا المقال لا تختلف كثيرا عن باقي الفشل الذي الما بنا في كل مناحي الحياة، وقد اختبرت بنفسي هذه الحقائق وراء فشلنا، لكني ما كنت قادرا ان اعبر عنها كما عبر عنها هذا الكاتب في مقاله هذا.
***
المعلومات كمصدر قوة:
في كل مجتمع تكون المعلومات وسيلة لكسب العيش أو لممارسة السلطة، لكن العرب “يتزوجوا” المعلومة ويحافظوا عليها بإحكام. وغالبا ما يفاجأ المدربين الأميركيين على مر السنين من حقيقة أن المعلومات المقدمة إلى الموظفين الاساسيين لا تذهب الى غيرهم. فالمتدرب العربي إذا تعلم تنفيذ بعض الإجراءات المعقدة، يضن أنه اصبح ذو قيمة لا تقدر بثمن طالما ضل الشخص الوحيد الذي يمتلك تلك المعرفة، ويعتقد انه سيفقد قيمته ان اكتسب غيره هذه المعرفة، وبالتالي تتبدد سلطته وتتلاشى اهميته. وهذا يفسر السلوك الشائع عند العرب في اكتناز الكتيبات والكتب والنشرات التدريبية والدوريات اللوجستية.
في احد المناسبات، كان فريق تدريب امريكي متنقل يعمل مع قوة الدروع في مصر، وبعد طول انتظار تحصل الفريق على دليل تشغيل اليات تُرّجِمَ بمشقة إلى اللغة العربية، فقام الفريق الامريكي بتوزيع دليل التشغيل على اطقم الدبابات المصري، ومباشرة من ورائهم قام امر سرية الذبابات المصري، وهو خريج مدرسة فورت نوكس للدروع ومتحصل على العديد من الدورات التخصصية في مدرسة ابردين للدروع، قام بجمع الكتيبات من اطقم الاليات. وعنما سُئِل عن سبب سحبه لهذه الكتيبات من افراد الاطقم، اجاب بانه ليس للمجندين حاجة في هذه الكتيبات لانهم اميين وغير متعلمين. بينما في حقيقة الامر، هو لم يكن يريد ان يكون للمجندين مصدر معرفة مستقل، حتى يضل الشخص الوحيد القادر على شرح وتفسير اجهزة السيطرة على الحرائق وعلى أسلحة المدفعية، وبالتالي تجلب له هذه المعرفة هيبة واهمية. من الناحية العسكرية، هذا يعني لا يمكن انجاز التدريب التكاملي بين اطقم الاليات، فعلى سبيل المثال قد يكون افراد طقم الدبابة المكون من السائق والرامي والشاحن على مستوى عالي من الكفائة، ولكن جهل كل فرد بما يقوم به زميله يعيق سهولة اداء المجموعة، وفي اعلى مستوى يغيب عمق الكفائة التقنية.
مشاكل التدريب:
التدريب العسكري للجيوش العربية يميل لان يكون غير ملهم جامد ومحدود، ويفتقد الى التحدي. فالنظام التعليمي العربي يستند الى التلقين والاستظهار، ويمتلك الضباط العرب قدرة هائلة في تخزين كميات هائلة من المعرفة واسترجاعها من الذاكرة. نظام التعليم يميل إلى تلقين المتعلمين المحاضرات الراقية، وعلى الطلاب تدوين الملاحظات الكثيرة، ثم يتم امتحانهم في ما لقن لهم. ويعتقد العرب ان رجوع المدرب او الاستاذ الى الكتاب واللجوء اليه يقلل من مصداقيته وينظر اليه على انه غير متمكن. التركيز على التلقين والاسترجاع له ثمن باهض، اذ يعمل على تقليص القدرت في التفكير، أو الدخول في التحليل القائم على المبادئ العامة. لا يثم تشجيع التفكير خارج صندوق التلقين المحكم، والقيام بذلك في العلن قد يؤدي الى الاضرار بالمهنة كم يعتقد. المدرب في امان ثام من التحديات، لكن الطلاب وحدهم من سيواجه الامتحانات.
تغيب عند العرب ثقافة المنافسة، فلا توجد مواجهة علنية بين الافراد، ويتم تجنب المنافسة وجها لوجه على العموم. لأن فوز شخص يعني أن شخصا اخر قد خسر، والخسارة في تصور العرب تتضمن نوع من الإذلال. هذا الامر يدخل في نطاق المحرمات، خاصة عندما يحتوي الفصل الدراسي على فئة مختلطة من الرتب الصغيرة والكبيرة. التعليم في جزء كبير منه هو سعى الفرد للحصول على قدر من الهيبة الشخصية، لذلك ترى فئة المتدربين العرب في المدارس العسكرية الامريكية، تجهد نفسها من اجل التأكد من أن العضو ذو الرتبة الاعلى او المكانة الاجتماعية الارفع، سيتحصل على أعلى الدرجات في الصف. في كثير من الأحيان يؤدي هذا الامر الى الغش في الامتحانات وتقاسم إلاجابات في الفصل، وفي الكثير من الأحيان بطريقة علنية، ويصل الامر ان يقوم صغار الضباط بإخفاء درجاتهم التي تفوق درجات الضباط الاعلى رتبة او منزلة اجتماعية.
وقد تعلم المدربين العسكريين الأمريكيين التعامل مع الطلاب من الشرق الأوسط على هذا المنوال، أذ لا يتم توجيه أي سؤال لطالب في الفصل الدراسي، لا سيما إن كان هذا الطالب برتبة ضابط، إذا كان المدرب غير متأكد من قدرة هذا الطالب على الإجابة الصحيحة. فإذا كان هذا الامر غير مضمونا لا يتم السؤال، لان هذا السؤال سَيُشْعِرُ الضابط انه تم لإذلاله العلني. علاوة على ذلك، وفي بيئة مذعورة من الثقافة العربية السياسية، سيعتقد هذا الضابط انه مستهدف بهذا السؤال. وبالتالي يصبح هذا الطالب عدوا للمدرب ويصبح زملائه الطلبة متخوفين ايضا ان يجري لهم ما جرى لزميلهم من اذلال، وتصبح العملية التعليمية مستحيلة في غياب التقة بين المدرب والمتدرب.
العلاقة بين الضابط والجندي:
يتلقى صغار الضباط العرب تدريب جيدا في الجوانب التقنية والتكتيكية، وهم على درجة عالية من الكفاءة في ذلك، ولكن ليس على فنون القيادة، إذ تَلّقَى تدريبات فن القيادة على القليل من الاهتمام. فعلى سبيل المثال، أدرك الجنرال سعد الدين الشاذلي في تقييمه للجيش المصري الذي تولاه قبل حرب 1973، ادرك بان الجيش المصري غير مدرب على اغتنام الفرص والمبادرة أو تطويع المفاهيم الأصلية أو الافكار الجديدة. وفي الواقع، قد تكون أكبر نقاط الضعف في نظم التدريب العربية هي القيادة. هذه المشكلة نتجت عن عاملين رئيسيين: العامل الاول هو النظام الطبقي المبني على تبجيل التفاوت الاجتماعي، والعامل الثاني هو عدم وجود برنامج تنمية وتطوير للضباط.
معظم الضباط العرب يتعامل مع جنودهم بتعالي وتحقير. وقد شاهدت ذات مرة في يوم تحركت فيه رمال الصحراء اثناء استعراض لشخصيات امريكية رفيعة في مصر ان فرقة من الجنود المصريين قاموا بصنع سياج بشري لحماية الأمريكان من رمال الصحراء، بمعنى اخر لا يستخدم الجنود المصريين لشيء أكثر من مصدات للرياح. فكرة رعاية افراد الفرق العسكرية لا تتجاوز الاهتمام بالنخبة في الجيش المصري، وتلاحظ ذلك جليا في عطلة نهاية الأسبوع، إذ يتمكن الضباط المصريين المتمركزين خارج القاهرة من استعمال سيارتهم والانطلاق بها الى منازلهم وديارهم، في حين يترك المجندين ليبحتوا عن وسائل تحملهم الى بيوتهم في مناطق تكاد تكون مقطوعة وتندر فيها وسائل المواصلات. معسكرات الحامية ليس فيها ادنى وسائل الراحة للجنود، بينما يتمتع الضباط فيها بكل ما يحرم منه الجنود. الوضع نفسه، وبدرجات مختلفة، موجود في أماكن أخرى من الدول الناطقة بالعربية، ربما بدرجة أقل من ذلك في الأردن، لكنه أكثر من ذلك في كل من العراق وسوريا.
المجندون الشباب الذين يشكلون الجزء الأكبر من الجيش المصري يكرهون الخدمة العسكرية لسبب وجيه، وسوف يفعلون أي شيء تقريبا، بما في ذلك تشويه الذات، لتجنب التجنيد العسكري. في سوريا يقوم الاثرياء بشراء الإعفاءات العسكرية، أو إذا تعذر اعفائهم يتم ضمهم لوحدات غير قتالية. وقد حدثني شاب سوري عن اكتسابه لمهارته في العزف حيث ثم ضمه للفرقة الموسيقية بالجيش السوري، فتعلم فيها العزف على آلالات الموسيقية. بشكل عام، فَرَضَ الخوف الانضباط في جيوش الهلال الخصيب. في حين، البلدان التي يكون فيها النظام القبلي قائم كالمملكة السعودية، فإن المساواة الفطرية بين افراد المجتمع يخفف من حدة الخوف، لكنه يعمل على تدني انضباطية المجندين.
الفجوة الاجتماعية والمهنية بين الضباط والمجندين هي الحاضر في كل الجيوش العربية، ولكن في الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى سد ضباط الصف هذه الفجوة. في الحقيقة، لقد كانت المهنية العالية لضابط الصف حاسمة في الاداء المتميز للجيش الأمريكي، كما ان ضباط الصف هم المدربين الأساسيين في الجيوش المحترفة، لذلك فمهامهم اساسية في برامج التدريب وفي فهم أحاسيس المجندين وظروفهم. معظم دول العالم العربي، إما ليس في جيوشها ضباط صف، أو أن وظيفة ضابط الصف في الجيش غير فعالة وليست ذات قيمة، مما يعمل على شل فاعلية الجيش. مع بعض الاستثناءات، التي يتم صنف ضباط الصف فيها في نفس فئة المجندين، وبالتالي تفقد هذه الفئة اهميتها كجسر تواصل بين المجندين والضباط. الفجوة الاجتماعية بين المجند والضابط واسعة تعمل على جعل العملية التعليمة عملية روتينية ورسمية وغير فعالة.
الثمن الذي يكلفه هذا السلوك عالي جدا، فبدون الجسر والتلاحم الذي يوفره ضباط الصف بين الجنود وبين الضباط، تتفكك الوحدات القتالية تحت ضغوط المعارك. هذا هو النتيجة الطبيعة التي تتولد عن غياب تقة المجندين في ضباطهم، وبمجرد غياب الضباط عن ساحات التدريب يبداء التدريب في الانهيار حين ينسل الجنود عن التدريب. وقد اخبرني ضابط مصري ان سبب هزيمة 1967 يعود بالدرجة الاولى الى عدم التواصل والتماسك بين الوحدات القتالية المصرية. وقد اشار الى ان هذه الحالة لم تتحسن الا قليلا في حرب 1973. وقد اظهر المساجين من المجندين العراقين الخوف الملحوظ والكثير من العداء تجاه ضباطهم في العام 1991.
يتبع……..
(اميس انتمورا)
____________________
طالع الجزء الأول: أسباب الفشل (1)