ترجمات

قصيدة “IF إذا” الإنجليزية

 

حين أجرت هيئة الإذاعة البريطانية “البي بي سي” بمناسبة يوم الشعر الوطني استطلاعاً لمعرفة أفضل القصائد الشعرية في بريطانيا ونشرتها في كتاب بعنوان “قصائد الأمة المفضلة The nation’s favourite poems”. أظهرت النتائج فوز قصيدة “If إذا” للشاعر روديارد كيبلينج Rudyard Kipling الذي عاش خلال الفترة من 1865 وحتى 1936 بالمرتبة الأولى، عكس التوقعات التي كانت تشير إلى أن قصائد وليم شكسبير أو واردسوورت ستطغى على كل القصائد الأخرى عبر الأجيال المختلفة في  بريطانيا.

وتنقسم القصيدة الفائزة إلى أربعة مقاطع يتكون كل مقطع من ثمانية أسطر، وهي بالتالي تصنف ضمن القصائد القصيرة في الشعر الإنجليزي ويطلق عليها السونت Sonnet وليست مثل القصائد الطويلة التي تسمى الملحمية Epic ويمكن أن تتكون من ألاف الأبيات مثل قصائد الشاعر وليم بلاك.

أما تسمية القصيدة الفائزة بهذا الاسم “If إذا ” فيرجع ربما لتكرار أداة الشرط “If” في مقاطعها الأربعة حيث تكررت في المقطعين الثاني والرابع أربعة مرات وظهرت في المقطع الأول ثلاثة مرات وفي المقطع الثالث مرتين فقط، أي أنها برزت في القصيدة كلها ثلاثة عشر مرة. أما الجو العام لهذه القصيدة فهي تخاطب المتلقي مباشرة وتفتح قنوات التواصل معه عبر أسلوب الشرط الذي يحتوي على ركنين أساسيين هما فعل الشرط وجواب الشرط يأتيان عقب أداة الشرط مباشرة. وقد جاءت سطور القصيدة كنواقيس محذرة أو أجراس منبهة لما قد يتعرض له الإنسان من مواقف أو أحداث. كما أنها تشرع نفسها أمام أبواب الاحتمالات بأداة الشرط “إذا” وتقدم التصور الذي يجب أن يتبعه الإنسان حيال ذاك الاحتمال عند وقوعه. وقد احتفظت هذه القصيدة بمراوغة القاريء وعدم الكشف عن المخاطب المقصود في ثنايا نصها حتى السطر الأخير، وهو ما قد يبعث شيئاً من الجاذبية والتشويق في استمرارية التعلق بكلماتها وتتبعها بغية معرفة هوية الشخصية التي يخاطبها الشاعر وينقل لها نصائحه وعظاته مستعيناً بالعديد من التصاوير البلاغية والإرشادات التي تعين على مسيرة الحياة.

ورغم أن النص الأصلي باللغة الإنجليزية جاء بسيطاً في تركيبته اللغوية إلا أنه كما يتفق العديد من المهتمين بالأدب المقارن بأن ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى قد تفقده بعضاً من جمالياته وموسيقاه الداخلية التي يعزفها الشاعر ويبثها في روح مواطنه أو قارئه باللغة ذاتها، ومن الثقافة نفسها، ولكن رغم هذا يظل نقل الآداب من لغة إلى أخرى مساهمة انسانية ضرورية من أجل التواصل المعرفي والثقافي بين الشعوب كافة، الأمر الذي يغفر العديد من الهفوات التي قد تظهر في مثل هذه الأعمال المترجمة أو المنقولة من لسان إلى آخر، وهو ما آمله من القاريء الكريم في هذا العمل.

وتبدأ قصيدة “If إذا” خطابها الموجه للمتلقي في مستهل مقطعها الأول قائلةً:

(إذا كنتَ تقدر أن تحفظ رأسك عندما يكون الكل ضدك،

يفقدون رؤوسهم ويلقون باللوم عليك،

إذا كنتَ تستطيع أن تثق بنفسك حين يشك كل الرجال فيك،

ولكن خذ في حسبانك شكهم أيضاً.

إذا كنت تستطيع الإنتظار ولا تتعب من انتظارك،

أو كذبت حول شيء ما، فلا تتعاطى الأكاذيب.

أو كنت مكروهاً، فلا تفسح نفسك للكراهية.

ورغم هذا فأنت لا تبدو حسناً جداً ولا تنطق بالحكمة كثيراً.)

وعلى نفس المنوال واصل الشاعر الانجليزي “روديارد كيبلينج” نسج قصيدته في بقية المقاطع الثلاثة بشكل متوازن من حيث مفردات اللغة ومتقارب في روح المضمون والتعبير. ففي المقطع الثاني يقول:

(إذا كنت تستطيع أن تحلم، وألا تجعل أحلامك تسيطر عليك،

إذا كنت تستطيع أن تفكر، وألا تجعل تقديم أفكارك هو هدفك،

إذا كنت تستطيع أن تقابل أو تواجه النصر والكارثة،

وتعامل هاذين القدرين بنفس الدرجة،

إذا كنتَ تستطيع تحمل الاستماع للحقيقة التي تحدثت عنها،

التي يلتف حولها الأشرار وجعلها فخاً للحمقى،

أو تشاهد الأشياء التي وهبتها حياتك، وهي تتحطم،

فتنحني وتبنيها ثانية بأدوات عتيقة)

أما المقطع الثالث فيقول الشاعر فيه:

(إذا كنت تستطيع أن تحقق مكسباً واحداً من أرباحك كلها،

وتخاطر به في رمية واحدة،

وتخسر، ثم تستأنف من جديد بداياتك،

ولا تتنفس بكلمة واحدة مطلقاً عن خسارتك،

إذا كنت تستطيع أن تجبر قلبك وأوتار أعصابك،

لخدمة دورك طويلاً بعد أن ذهبوا،

ولذا يجب أن تتماسك عندما لا يكون هناك شيء فيك،

ماعدا الإرادة التي تقول لهم “اصمدوا”).

أما المقطع الرابع والأخير فقد حمل مفاجأة للقاريء تبرز له هدف وغاية هذه القصيدة وتصرح بالمخاطب فيها بشكل علني يؤكد عمق البعد الإنساني لمعنى ومضمون الشعر بصرف النظر عن البيئة التي ولد فيها أو اللغة التي كتب بها. يقول المقطع الأخير من القصيدة”:

(إذا كنت تستطيع التحدث مع الحشود والحفاظ على تميزك،

أو المشي مع الملوك وعدم فقدان التواصل المشترك،

إذا كان لا يقدر الخصوم ولا الأصدقاء أن يؤذونك،

إذا كان كل الرجال يعدون معك، ولكنهم لا يشكلون كثرة،

إذا كنتَ تستطيع أن تملأ الدقيقة غير الرحيمة

بستين ثانية تمثل مسافة الجري،

فإن الأرض هي ملكك وكل شيء فيها،

وأيضاً، وهو الأعظم، أنك ستكون رجلاً .. يا بني!)

إذا كانت بعض عناوين القصائد هي المفتاح الذي يحمل القاريء إلى ثنايا النص والولوج به في عوالمه المتعدة، فإن هذه القصيدة جاءت على العكس من ذلك حيث كانت آخر كلمة فيها هي مفتاحها الذي يبين لنا أن الإنسان الذي يخاطبه الشاعر وينقل له تجاربه ونصائحه وخبراته في الحياة هو ابنه الذي يناديه في نهاية القصيدة، وهو نداء يتجاوز الخصوصية ويقبل التعميم على كل الأبناء لتكون هذه القصيدة جديرة فعلاً بأن تحظى بالمرتبة الأولى لدى الشعب البريطاني لسعة أفقها وعمق نداءها الإنساني الكبير الذي تجاوز مشاعر وأحاسيس الأبوة تجاه الأبن الذي يبثه ارشاداته لصقله وإعداده لمواجهة صنوف الحياة عامةً.

مقالات ذات علاقة

تاكسي إلى بنغازي

محمد قصيبات

عزلــــــــــــــة

غازي القبلاوي

سيمفونية ربيعية

زكري العزابي

اترك تعليق